الحمد لله القائل : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا }[النساء : 69] . والصلاة والسلام على الرسول القائل : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبَى . قالوا : ومَن يأبى يا رسول الله ؟ قال : مَن أطاعني دخل الجنة ، ومَن عصاني فقد أبى )) . وعلى آله وصحبه ومَن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد :
واعلمي يا أخيَّة : بأن النمص محرَّم في شريعة الإسلام ، وبأن النامصة قد عصت ربها ومولاها ، وأطاعت شيطانها وهواها ، شيطانها الذي توعَّدها بالغوية والإضلال وتغيير خلق الله . قال تعالى : { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا {117} لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ } [النساء : 117-119] .
وقد سُئِل سماحة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجبين ؟
الجواب : لا يجوز أخذ الحاجبين ولا التخفيف منهما لِمَا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعن الله النامصة والمتنمصة )) ، وقد بيَّن أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص )) [ فتاوى الدعوة 2/229] .
وسُئِل سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله – ما حكم تشقير الحواجب .. وكذلك نتف ما بينهما ؟
الجواب : لا شكَّ أن النمص والنتف حرام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ (( النامصة والمتنمصة )) فالنمص قص شعر الحواجب أو الوجه فهذا محرم ، أما تشقير الحواجب وتحديدها فهو تغيير لخلق الله .. والمطلوب أن تدع الحواجب وما بينهما ولا تحاول أن تقتدي بالكافرات ومن حولها )) [ نور على الدرب ] .
أختي الحبيبة .. يا من قمتي بترقيق حاجبيك ، ورضيتي بذلك من باب التجمُّل ، هل تعلمين ما معنى اللعن ؟!
اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله .
ونحن يا أُخيَّة ما سعينا في هذه الدنيا وعَبَدْنا الله سبحانه وتعالى إلاَّ طلباً لرحمته – سبحانه وتعالى - .
ألا تسمعين عندما يُقال فلانة توفيت ، ماذا نقول ؟ نقول : رحمها الله ، ندعو لها بالرحمة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لن يدخل أحداً الجنة بعمله ، قيل ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )) .
فهذه الرحمة التي يتسابق إليها عباد الله ويتنافس فيها أولياؤه وأولهم الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي غًفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر ، قد ابتعدت عنها النامصة – هداها الله – بل واقتربت من لعنته وسخطه – سبحانه وتعالى – من أجل شعرات تُزيلها من حاجبيها !
النمص : الأسباب والعلاج :
وهذه الأسباب عامة في جميع المعاصي .
أولاً : ضعف الوازع الديني : وهو نقص الإيمان ، وقلَّة الخوف من الله .. فهذه الفتاة عندما وقعت في المعاصي سواء كانت كبيرة أو صغيرة فإن هذا بسبب نقص الإيمان في قلبها وقلة الخوف من الله .. فلو أن في قلبها خوف من الله ما عصتهُ وما تلذذت بأكل ولا شرب والرب عليها غضبان .. .. فأيُّ نَفْس تبارز الله بالذنوب والمعاصي ثم تأكل مِن رزقه .. وتستظل سمائه .. وتمشي فوق أرضه .. وهي آمنه هانئة .. فهل تأمن مكر الله { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف : 97-99 ] . فو الله ما حُرِمْنَا الخير الكثير وحُرمنا لذَّة الطاعة وحُرمنا القيام بأيسر العبادات إلا بسبب الذنوب والمعاصي .
واعلمي يا أخية أن من عقيدة أهل السُّنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . فكلما كان إيمانك بالله كبير وخوفك من الله عظيم لن يغلبك الشيطان – بإذن الله – في الوقوع في النمص .. وأنتِ تعلمين أنَّ فاعلتهُ ملعونة عند الله ، ومطرودة من رحمة الله .. وكلما كان إيمانك أقل .. فالوقوع سهل ؛ لأن الشيطان يُزيِّن لك ذلك .. ويدخل عليك من باب الجمال والزينة .. ويقول .. لا عليكِ ، فكل النساء جميلات يفعلن هكذا .. فاتقي الله وراقبيه ..
ثانياً : التربية السيئة : إن للتربية دور في توجيه الفتاة إما إلى الخير أو إلى الشر ، فالفتاة التي تعيش في بيئة صالحة .. الأم صالحة .. والأب كذلك .. فلا شك أنها تستحي ولا تجرؤ على فعل محرم .. وما هذا إلا نتيجة للتربية الصالحة .. أما إن كانت الفتاة تعيش في بيئة الأم فيها منشغلة بأمور المنزل .. وربما بالهاتف الذي لا يتوقف رنينهُ طوال اليوم .. ومنشغلة بالجلسات التي لا تنقطع مع الصديقات والتي لا تخلو من المحرمات ( الغيبة – النميمة – الكذب – الأيمان الكاذبة .... وغيرها ) ، وكذلك الأب مشغول خارج المنزل لا يعرف أبناؤه وبناتهُ إلا على مائدة الطعام .. فلا شكَّ أن هذه الأجواء تُهيئ بيئة خصبة للأبناء والبنات خاصة لفعل المحرمات .. فكلاً منهم يفعل ما يحلو له دون رقيب .. ولا حسيب .. وبهذا تنشأ الفتاة منحرفة والعياذ بالله ..فكل معصية تفعلها لا أحد يُنكرها عليها .. وربما يتدرج الأمر بها حتى تصل إلى كبائر الذنوب والعياذ بالله . بهذا ينعدم التوجيه والإرشاد إلى الطريق الصحيح .. فلا تجد هذه المسكينة من يوجّهها أو يردعها ، وبالتالي تنفتح عليها أبواب المعاصي والمنكرات من كل مكان ..
ثالثاً : التقليد الأعمى : فالنامصة تُقْدِم على هذا الفعل المُحرم نتيجة التقليد الأعمى ، فهي دون وعي أو إدراك لِمَا تفعله ، ودون تفكير في العواقب أو الأضرار .. فهي تقلد الصاحبات والصديقات والفنانات .. العاهرات .. الفاجرات .. ولو كلَّفها ذلك بيع دينها بدنياها .. لو كلَّفها ذلك مخالفة الشريعة الإسلامية . والتقليد هذا ناتج من شعور " النامصة " بالنقص في شخصيتها ، فهي تعيش فراغاً روحياً .. وهذا الفراغ الذي تجدهُ في نفسها تسعى لإكمالهُ بتقليد ومحاكاة الآخرين .. وأكثر هذا التقليد ناتج من التشبُّه بغير المسلمين غير الصالحين في اللباس والحركات والشكل . وهذا يدل على ضعف الإيمان والانهزام والانبهار بمظاهر الحياة الغربية .. " فالنامصة " تسعى لإكمال شخصيتها بهذا الفعل .
رابعاً : وسائل الإعلام سواء كانت المقروءة أو المرئية أو المسموعة . فهي تُعدُّ سبباً كبيراً وعظيماً في انحراف الشباب والفتيات .. وبالأخص الفتيات .. فهُنَّ أكثر مكوثاً في المنزل من الشباب .. فإن كثرة البقاء فيه مع عدم استغلال الوقت في النافع المفيد .. يُحْدِث ذلك فراغاً كبيراً لديهنَّ .. وبالتالي يُقْدِمنَّ على ملئه بما هو سيئ .. إما في مشاهدة التلفاز أو الفضائيات أو القراءة في المجلات الخليعة الهابطة التي تأتي بما هو سيئ وضار من الغرب .. ومما يحزن لهُ القلب أن فتيات المسلمين يُقْدِمن على " الموضة " قبل أن تُقْدِم عليها الكافرات في دول الغرب .. فبمجرد مشاهدتها في المجلات أو الفضائيات لا يلبثن إلا أن يتهفتن عليها تهافت الفراش على النار .. فتأثرن بهن وتمردن على الدين وخرجن عن الحق وتشبهن بأخلاق الكافرات وتصرفاتهن دون تفكير أو رويَّة أو تمييز بين الخير والشر . أصبحت الفتاة في زمن وسائل الشر والإفساد دُمية يُلعب بها كيف شاء دُعاة " تحرير المرأة " ، إن شئت فقُل دعاة " تخريب المرأة " ، يرتضونها لأهواءهم .. يرونها جسداً بلا روح ..
فيضعون عليها ما شاءوا من المساحيق والأصباغ والنمص بأشكال مختلفة حتى غدت " كالوحش الكاسر " . أصبحوا يشترون جسدها المُتعب بثمن بخس دراهم معدودة .. وهذه المسكينة تُطيعهم وتفعل كل هذا .. وتدَّعي السعادة .. و و الله إنها في قمَّة التعاسة .. ثم ماذا؟ نرى فتيات المسلمين يتمنين أن يكُنَّ مثل فلانة في ملابسها .. وعِلانة في شكلها .. وأخرى في شهرتها . وما ذاك إلا من تأثير هذه الوسائل .. التأثير الضار على العقيدة .. على الأُمَّة برمَّتها . والله المستعان ..
خامساً : رفيقات السوء : رفيقات السوء سبب من أسباب الوقوع في النمص ، وهُنًّ أضرَّ على الفتاة من القنوات الفضائية والمجلات الخليعة .. لماذا؟ لأن رفيقات السوء كُثر .. وكل واحدة منهن لها أساليب مختلفة في الزينة .. وسلوكيات مختلفة .. وكل واحدة منهن لها طريقتها الخاصة في التَفَنُّن والحِيل والشيطانيَّة في الوقوع في المعاصي والمنكرات بأسلوب غير مباشر .. وفي بعض الأحيان مباشر .. وما يكون من هذه المسكينة وما يتحتم عليها أمام هؤلاء الصديقات " صديقاتُ السوء " إلا أن تتبع كل شيء منهن ، وتقلد كل واحدة منهن .. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال : (( مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير .. فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة . ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة )) [ رواه البخاري ومسلم ] .
أختاه .. اعلمي أن هُناك غائب ينتظرك .. وليس لهُ وقت محدد .. إنهُ الموت .. نعم .. الموت . قد يأتيك وأنت تأكلين .. أو تشربين .. أو نائمة .. أو تلعبين .. أو أنتِ على محرَّم .. فاتقى الله .. فمهما تهربتي منه .. فإنه قادم لا محالة .. { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ } [ الجمعة : 8] .
هو الموت ما عنهُ ملاذٌ ومهربٌ *** متى حطَّ ذا عن نعشهِ ذاك يركبُ
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها *** وإن الردى مما نرجيه أقربُ
أختاه .. إلى متى وأنت ِ في غفلة .. إلى متى وأنتِ تقولين غداً أُصلي .. غداً أتوب .. إلى متى .. وأنتِ ترتكبين الذنوب والمعاصي .. إلى متى وأنتِ تُتعبين جسمك بارتكاب الذنوب والمعاصي .. وتظنين أنها الراحة .. فلا والله إنهُ لتعبٌ أشد من راحته .. يقول الشاعر :
يا خادم الجسم كم تسعى لراحته ِ *** أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ
أقبِل على الروح فاستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان ُ
أي والله .. إن السعادة كل السعادة في القُرب من الله .. والبُعد عن سخطه وأليم عذابه .. أقبلي على الله بالمبادرة بالأعمال الصالحة .. قبل أن يُقال " ماتت فلانة " .
وأخيراً .. أختي الغالية . كوني شجاعة .. لا تترددي .. اتخذي القرار واسلكي طريق الصالحات ..وترفعي عن المفرطات.. ولا تغتري بكثرة الهالكات.. فعمل الناس ليس هو الحكم والدليل .. إنما الحكم والدليل هو الكتاب والسُّنة { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ } [الأنعام : 116 ] وقال تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] .
انتصري على نفسك الضعيفة .. ولا تستجيبي لدُعاة الهوى والرذيلة .. فأنت عاقلة مسلمة .. كوني ممن قال الله فيهن : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } [ النساء : 34] .
عودي إلى ربك ومولاك .. فهو أرحم بكِ من أمكِ وأباكِ .. عودي إليه .. وانكسري بين يديه .. وأظهري لهُ الذُل والخضوع .. اسكبي الدمعات .. وابكي على التفريط في الطاعات وقولي :
أنا العبد المُقِر بكل ذنبٍ *** وأنتا السيد المولى القدير
فإن عذبتني فبسوء فعلي *** وإن تعفو فأنت بهِ جدير
أفرّ إليك منك وأين إلا *** إليك يفرّ منك المستجير ...
هذا .. ووفقني الله وإياكِ لفعل الخيرات وترك المنكرات .. ونسأله أن يردَّنا إليه ردًّا جميلاً .. وأن يأخذ بأيدينا إلى الحق .. وأن يغفر ذنوبنا ، ويستر عيوبنا ، ويطهِّر قلوبنا ، أنه على كل شيء قدير .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وسلامٌ على المرسلين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .