عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-2006, 01:29 AM   رقم المشاركة : 6
أشرف محمد كمال
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية أشرف محمد كمال
 






أشرف محمد كمال غير متصل

الوجـوه الخــاوية
(2)

...وقف يتأمل قطعة الحجر الجرانيتية المصمتة الرابضة فى صمت المستسلم أمامه ..تسأل فى نفسه.. ماذا تراه يفعل بها..؟! - وهو الخبير فى هذا المجال –
...أنها ليست المرة الأولى التى يصنع فيها التماثيل البشرية..لقد صنع العديد والعديد من التماثيل الممسوخة ذات الملامح المألوفة..ورسم الكثير من الأوجه المحنطة الخاوية من الحياة..لكنه لا يدرى لما تختلف تلك القطعة الجرانتية عن أقرانها..؟!..أطال إليها النظر ثانية..
- همممم..!!
- أنها تذكرنى بشئ ما..؟!
...تسربت من الذاكرة إلى سطح الوعى أيام بحلاوة الشهد ..وأخضرت الأرض الرمادية من تحت قدميه..وكست ألوان الطيف عالما ميتاً.. وجعلته ينبض بالحياة.
...ملأ رئتيه بنسيم مختلف النكهة ..انساب أريجه.. يعبق أركان الذاكرة.. وبدأت الصورة المهزوزة تتضح المعالم ..وتظهر جلية.
...كانت هى تقف وسط الغيام..بشعرها الأسود الفاحم ..المتهدل ..وجسدها الملفوف القوام...وبشرتها الحريرية الناعمة..ووجهها الصبوح ..كالبدر فى ليلة التمام.
..بملامحها الدقيقة..وعينيها الملونتين.. بلون زرقة السماء.. وأنفها الرقيق ..المرفوع فى كبرياء..وشفتيها الممتلأتين ..كفلقتى كرزة حمراء.
...ابتسمت إليه ..فأنسكبت أشعة الشمس من ثغرها ..وتلاشى الظلام المطبق من حواليه
- أنها هى ولا شك..؟!
...أخذ يتأمل القطعة الجرانيتية فى حب..و يرويها من دفق خياله..وحمل مطرقته ..وبدأ يعمل أنامله..فى دقة وقوة وحزم..وكلما ازداد خفقان قلبه فى الصدر..كلما زادت وتيرته فى الضرب..وتساقط العرق المالح على الأرض.
...لقد صنعها بيديه وسقاها من روحه..ومنحها كل ما تطمح به أى أمرأة فى الكون – قلب رجل وفى صادق - وجعل منها أميرة احلامه ومليكة عالمه...لكنها أبت أن يكون قلبه لها قصراً ..وكانت أصغر من الحلم.
...وفى ليلة ظلماء من ليالى الشتاء.. اقتلعتها عاصفة كبرياء هوجاء..وجاهرت بضيق القفص الشفيف.. وحطمت أبراج الحلم المتوثب للحب.. ورفضت ذلك القيد.
...ازدادت وتيرة الضرب..واختلط ملح العين بملح الأرض..حتى بدأ الحجر يلين..وأزاح التراب عن بريق قديم..لينكشف عن يدين تتوسلان.. وعن جسد فى وضعية الركوع ..وعن عينين دامعتين فى انكسار ..وفم مفتوح.. وكأنها تستصرخة..تستحلفه أن يسامحها - هكذا خيل إليه أو تمنى..!! -
فإبتسم فى ارتياح ورضا تامين.. وأمسك بمعوله.. بمشاعر باردة.. وتنهد قائلاً:
- أبدا لن تعود السنين للوراء
...وحطم ذلك الوجه.. الذى طالما أحب..وذاك القلب الذى قـدّ من صخر.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


white heart