لماذا ؟ لأن الذي يهتم لشيء لا بد أن يُرى أثر هذا الهم.
أقصد بهذا السؤال أن تضع جميع همومك مرتبة حسب الأولويات لأنه لا يمكن لأي واحد منا إلا أنه يحمل عدة هموم، وأنا هنا لا أعني الهم الذي يصطلح عليه العامة عندما يقولون: فلانا مهموم أي مريض أو نحو ذلك.
لا، بل أقصد الهم الذي يهمك ويشغل بالك وتجري وتسرع وتتحرك في نطاق هذا الهم.
تُرى لو أن كل واحد منكم كتب ما يهمه، كتبها مرتبة، وأريد من كتابته أن يكون صادقا مع الله جل وعلا، فمن السهل جدا أن تأتي ورقة كل واحد منكم وفيها:
أنني أحمل هم الإسلام.
لكنني لا أريد هذا الجواب بهذه الطريقة.
أريد أن تتأمل، ولا مانع أن تأخذ الورقة معك إلى بيتك ولتنفرد بنفسك في غرفة ليس عندك أحد، وتتقي الله جل وعلا وتنظر فعلا:
ما الذي يهمك ؟ ما الهم الذي يشغلُك ؟
ثم تكتب لي اهتماماتك، فهل أجد أن الذي يهمك، وأن الهم رقم واحد هو:
همُ الإسلام ! همُ هذه الأمة! همُ هذا الدين ! هم هذه العقيدة ؟؟
أو أنني سأفاجئ بأن الهموم تشعبت واختلفت.
وكما قلت لكم أريد الإجابة بصراحة وبصدق، لا يهمني أسم من كتبها وإنما يهمني أن اصل إلى نتيجة عملية.
إنني أتوقع أنني سأجد عددا كبيرا يكتب لي أن همه هم الإسلام، وأسأل الله أن تكونوا منهم. سيكتب لي أن همه هم هذه الدعوة، لا أشك في ذلك.
ولكنني على قناعة أنني سأجد عددا كبيرا أيضا منهم من يكتب لي:
أن همي هو هم الوظيفة.
وآخر يكتب أن همي الحقيقي هو هم السعي في طلب الرزق.
وثالث يقول لي إن همي الذي يسيطر على كياني هو هم الزواج.
ورابع يقول لي إن همي الذي يسيطر علي هو هم الأولاد وتأمين مستقبلهم ومعيشتهم.
وخامس يقول لي إن همي أن أبني بيتا.
وهكذا نجد الهموم قد تفرعت. لا أشك أن هم الإسلام سيأتي، ولكن قد يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة.
رواى عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : ( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك ) صححه الألباني
هذه حقيقة أيها الأخوة، وهذه قضية يجب أن نقف معها وأن نكون صرحاء.
هذا هو السؤال هذا اليوم : ما الهم الذي تحمله ؟
قف مع نفسك وقفة مصارحة لأنني فعلا لن أطلب منك إجابة، ولن أقدم لك ورقة، ولكني أوجه لك سؤال ستسأل عنه يوم القيامة يوم تلقى الله جل وعلا.
ما الهم الذي يشغلُك أيها الأخ الكريم ؟
هل هو هم هذه الأمة المستباحة ؟
هل هو هم هذه الأمة المضطهدة ؟
هل هو هم هذا الدين الذي توجه له أعداء الله عن قوس واحدة ؟
هل هو هم هذه العقيدة التي تهاجم الآن ؟
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
هذه هي الحقيقة يا أخي الكريم.
فتعال معي نتساءل سؤال حقيقيا إيمانيا قبل فوات الأوان ما الهم الذي تحمله ؟
هل أنت تحمل هم الوظيفة كما يفعل كثير من الناس ؟
هل أنت تحمل هم طلب الرزق في الحياة، وتجعل هم الإسلام درجة ثانية وثالثة ؟
هل أنت تحمل هم أولادك ، وتقول من لأولادي من بعدي؟
لا من أجل الدين ولكن من أجل الدنيا، هناك من يسعى جادا وحريصا يواصل ليله ونهاره من أجل أولاده، من أجل دنياهم لا من أجل دينهم.
كيف أعرف أني أحمل هم الإسلام ؟
وأنا أسألك مرة أخرى عن أي شيء تفكر ؟
أسألك بالله عندما تضع رأسك على الوسادة ما هو الذي يسيطر على تفكيرك ؟
عندما تستيقظ من النوم ما الذي يشغل بالك ؟
عندما تسير في السيارة والأفكار تدور في خاطرك، ما هي هذه الأفكار ؟
بل أقول وأنت تصلي ما الذي يشغلك ؟ هل هي الصلاة وما فيها من آيات؟
بعد ذلك يأتي سؤال لا بد منه وهو:
هل يعنى هذا أن لا نحمل هم وظيفة ؟
ولا نحمل هم طلب الرزق ؟
ولا نحمل هم الزواج ؟
أخشى أن يتعجل متعجل من الحماس ومن الخير وقد يكون الآن يعد العدة للزواج بعد رمضان فيقول مادام هذا يصادم الهم الأول إذا أنا لن أتزوج.
ويأتي أخر فيقول أنا اليوم أدرس والحمد لله وأريد الشهادة، إذا هذا يتصادم مع حمل هم الإسلام، إذا لا أريد الشهادة وينسحب من جامعته ومن دراسته.
وثالث أخشى أن يقدم استقالته من وظيفته.
فالسؤال الذي لا بد منه هل يعني هذا أنه لا يجوز لنا أن نحمل هم هذه الهموم ؟
وأقول لا، ليست هذه هي القضية.
قلت لكم ما الهم الذي تحمله ؟ أي ما الهم رقم واحد ؟ ومعنى ذلك أن هناك عدة هموم.
ليست المشكلة – أخي الكريم – أختي الكريمة-أن تحمل هم الزواج، أو أن تحمل هم بناء البيت أو أن تحمل هم طلب الرزق، أو أن تحمل هم طلب الوظيفة.
كل هذا يكون مشروعا في حالة واحدة فقط، إذا كان همك الأول هو هم هذا الدين، وهم هذه الأمة، وهم هذه العقيدة فكل الهموم التي تأتي بعد ذلك لا حرج عليك ولا تأثيم عليك. |