السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
تحيّة إكبار للأخ ورد الود على المواضيع القيمة التي تطرحونها والتي أجد نفسي مدفوعا إلى المشاركة فيها ... كما أرجو أن يحفظ الله الأخت صاحبة القصة وإيانا وأن يعينها إلى ما فيه سعادتها ، لقد لامست بقصتها موضوعا يعتبر من المواضيع المسكوت عنها أو من المحرّمات ، وللأسف سيطرت على عاداتنا وتقاليدنا عديد المسميات كالتقاليد والعادات والعار وغير ذلك من المصطلحات ، التي لو توقفنا بعمق عند معانيها لأدركنا بالفعل أنّ مجتمعاتنا لا تزال تعيش تخلّفا كبيرا سببه الهروب من إقامة مكاشفة حقيقية لذواتنا وحوار حقيقي داخل الأسرة حتّى نضمن نجاحها عبر تلقين الطفل ثقافة الحوار والتدبّر وإعمال العقل والتمحيص في كلّ شيء ضمن الالتزام بتعاليم ديننا الحقيقية التي تدعو الإنسان للتفكير ..صدقوني من المؤسف حقا ونحن نقرأ الدراسات التي تتحدث عن أسباب الطلاق في مجتمعاتنا العربية فتكاشفنا أرقام مذهلة وإحصائيات مدهشة تختزل أهمّ الأسباب في غياب تربية جنسية سليمة والراجعة إلى تغييب لغة الحوار في الأسرة ...، وفي الوقت الذي يعرف فيه المجتمع الغربي قراءات وتحليلات بل وتخصّص علمي في هذه المواضيع ، نلاحظ أنّ مجتمعاتنا لازالت تعتبر هذه الموضوعات من المحرّمات التي لا يجوز رفع النقاب عنها متناسين أنّ الشاب اليوم عرضة لعديد المغريات بعد أن تحوّل إلى مستهلك وفي لما تفرزه أجهزة البارابول ولما يطالعنا به عالم الأنترنات ، فهل هيأنا هذا الطفل حتّى يفكّر حتّى يعمل عقله و لا يقبل بالمسلّمات ..حتّى يدرك حقيقة هذه المغريات لو قارعها بتعاليم دينه ..أنا أشاركك بكلّ إحترام وتقدير أخي الهدار في تحليلك الرائع الذي كشف العلّة حينما قلتم "... اسباب خراب اوصلاح بيوتنا إنه الجنس والتربية الجنسية"، وأستعير في هذا السياق مثلا شعبيا صينيا يقول " لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد " ..أجل هذا ما يجب أن نعيه في أسرنا وفي برامجنا التعليمية ، فواقع العولمة اليوم بهجمته الشرسة على كلّ ما هوّ أخلاقي وقيمي لا يمكن أن نثبت إزاءه إلاّ بتعديل أوتارنا بأن نكون يقضين وبأن نقتلع العديد من الرواسب التي علقت بعاداتنا والتي ما أنزل الله بها من سلطان ..وليس في ذلك أيةّ مخالفة لتعاليم ديننا بل بالعكس هوّ تكريس لجوهر الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى التدبّر وإلى إعمال العقل وإلى تربية الطفل تربية حسنة..والله شيء مؤلم لما حدث لهذه الأخت ولكثير مثلها..وأشكر فيها جرأتها على إثارة هذا الموضوع وسعيها إلى توعية غيرها بما يمكن أن يحدث من جاء التشات.. ، وفي كلّ مرّة أجد نفسي مشدودا لقراءة القصص الواقعية التي أجدها في الملتقى وليس ذلك بهدف التسلية ..لا والله ..أقرأ لأتحسّس الخيط الرابط بين مختلف القصص لألاحظ التخبّط الكبير الذي يعيشه شبابنا اليوم والعجز عن إدراك شاطئ الأمان في ظلّ واقع كلّه تناقضات .. أقولها وأعيدها وأتحمّل مسئوليتي في ما أقول ..لا يجب أن ننظر إلى من ابتلوا بهذه الوقائع كمذنبين وما أيسر أن نكيل التهم وننزه أنفسنا عن الغلط ..بلى هم ضحايا ويمكن نحن أيضا في كلّ لحظة أن نكون مثلهم .. والمسؤولية الأساسية تتحملها الأسر التي ما زالت مكبّلة بأوهام وعادات بالية يبقى ديننا الإسلامي بريء منها ..كم من علاقة زوجية سادها الفتور وانتهت إلى الطلاق بسبب تخيير كلا طرفي الرابطة الزوجية الصمت لغياب ثقافة الحوار في تقاليدنا وقد يكون السبب الرئيسي في المأساة خلاف بسيط يمكن أن نجد له حلاّ في جلسة شاي ...كم من فتاة أو فتى ضحايا أجبروا لأسباب تتعلق بالميراث والقبيلة والعشيرة والإنتماء العرقي على الزواج بشخص لا تهم ثقافته ولا يهم في شيء دينه وأخلاقه ولا يهم حتّى إن لم يكن سويا أو.. ..المهم إرضاء كبار العائلة وإرضاء القبيلة ، وإذا رفض أحدهم هذا الظلم تحول في نظرهم إلى متعال على التقاليد وربما حرم من الميراث أو أطرد من المنزل .....وكم من سؤال يطرحه طفل بدأ يتحسّس معاني الحياة ويجابه في المقابل إمّا بصمت مطبق من الآباء سواء لجهلهم الإجابة أو تحرّجهم منها ...كم من طفل قتلت فيه أسرته روح البحث والإقبال على المعرفة بسبب تقزيمه منذ الطفولة وتحسيسه دوما بأنّه ليست له أيةّ قيمة ..قالها بعض المفكّرين ومضوا " مأساة الإنسان أنّه كان طفلا " ..ماذا هيأنا لهذا الطفل ؟ هل أنّ الحلّ في تجنيبه الإنبهار بهذه العوالم الجديدة إغلاق جهاز التلفزة ؟ أو قطع خيوط الأنترنات ؟ هذا الطفل هوّ رهان المستقبل ، هوّ الذي سيحمل المشعل فيما بعد ؟ هل أعددناه جيدا ليثبت على دينه من خلال تمكينه من الآليات التي تمكّنه من فهم ثقافة الغير ومن التفاعل مع محيطه الخارجي في إطار الحفاظ على ثوابته ؟ معادلة قد تبدو للبعض صعبة ، ولكن فلنتربى جيدا على ثقافة الحوار ولنجعل من ميكانيزمات العقل المستنير بهدي القرآن وبالشريعة الإسلامية السمحاء أحد العوامل المؤثرة في حياتنا الأسرية ، ولنضع على محكّ النقد كلّ ما نسميه عادات وتقاليد والتي نقدسها أحيانا وبدون وعي أكثر من ديننا ونقارعها بتعاليم ديننا الحنيف ؟ حينها فقط نستطيع أن نواجه حقيقتنا وندرك أخطاءنا ونصلح أنفسنا؟
اعذروني إخوتي على ما كتبت ولكن والله كتبت ما أحسست به في لحظات صدق ، والله يوفق الجميع لما فيه خير الدنيا والدين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .