الموضوع: جلسه هادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-2004, 02:53 PM   رقم المشاركة : 1
الورور
Band
 
الصورة الرمزية الورور
 







الورور غير متصل

جلسه هادئة

متوتر جداً



لأنك «حسّاس» جداً..
في زمن أصبح أحياناً «البرود فيه ضرورة
و«الإحساس» فيه مرض يسمى «الحساسية»..
تذهب إلى عملك
فتشتاط غضباً وضيقاً
«فلانٌ» «أحرجني»..
«فلانٌ» نال من كرامتي
«فلان» لم يلقِ السلام ووجه في وجهي
تتوتر جداً..
تتسارع نبضات قلبك..
تكبُر عشرة أعوام في يوم واحد..
تعرف الأرق.. والقلق.. والطبيب النفسي..
الكلمة تترك أثراً بالغاً في نفسك..
أنت تحتاج لأشخاص بعينهم..
«حسّاسين» مثلك..
لا يجرحون الناس في ذهابهم وإيابهم..
لكنك كثيراً ما تجد العكس
فالكثيرون قادرون على الإيلام أكثر من التعامل الراقي الرقيق
تعود إلى بيتك متوتراً..
فأبناؤك وزوجتك لا يفهمون طبيعتك «الحسّاسة»
يتفوهون بما يضايقك ويجرح إحساسك
ومهما حاولت توضيح ذلك لهم.. لا يفهون
لأن «الطبع» يغلب التطبع
وهذا طبعهم.. مثلما ذلك طبعك
«البرود الشديد» طبع لدى الكثيرين من الناس
«الهدوء القاتل» رد فعل طبيعي لدى الكثيرين منهم تجاه الأحداث
«عدم التفاعل» شعور منتشر هذه الأيام
فكلٌ يهتم بنفسه فقط، وفارق بين «الاهتمام» و«الهَم»
أنت فقط حسّاس جداً
ومتوتر جداً
ولا تدري ماذا تفعل؟ كيف تغيّر نفسك بعد هذه السنوات؟
كيف تتحول من شخص شديد الحساسية إلى آخر متبلد العاطفة إلى حد ما؟
هل التبلد العاطفي أحياناً ميزة؟
تسأل نفسك: كيف أصبح شخصاً آخر؟
شخص قوي أمام الناس وتصرفاتهم.. وبعضها عجيب جداً؟!
كيف أكبت جماح غضبي وألمي ودموعي؟
تسأل الطبيب: هل يوجد «دواء» لمثل حالتي؟
إن أقل شيء من تصرفات البشر يزعجني للغاية..
يطرد من عينيّ النوم.. والراحة النفسية..
لا أرى الناس مثلي.. فهم ينامون ويأكلون ،«يطنشون» ويضحكون..
أنا فقط «أدقق» فيما جرى.. ويجري.. وسيجري
اختلط لديّ الماضي والحاضر والمستقبل
تسأل الطبيب: ماذا أفعل؟ هل العيب بي أم بالآخرين؟
كيف أجد أشخاصاً يتوافقون معي ويفهمونني؟
«أنا وحيد» يادكتور ليس لي صديق..
مع أنني «صريح» جداً.. و«صادق جداً» وحسّاس جداً..
هل هذه عيوب في هذا الزمن؟
يبتسم الطبيب: لا تجزع يابني.. زماننا زمن التوتر والقلق.. لست وحدك في هذا العالم الذي تعاني كثيراً من نفسك ومن الآخرين..
هناك حل وسط: عدم المبالغة لا في «الإحساس» ولا في المواقف:
كن «صريحاً» بدون «جداً»..
فالناس تؤلمهم الصراحة العنيفة ولا يحبون صاحبها
كن «حسّاساً.. بدون «جداً».. حتى تمر الأحداث بسلام ولا تترك في النفس ما يفوق قدرها..
«البرود» شيء سيء.. قاتل
ولكن بعضه مطلوب في بعض المواقف..
خذ مثلاً: أنا طبيب وعمري خمسون عاماً..
مع هذا أواجه مواقف كثيرة من البعض كأني الأقل قدراً.. وعمراً..
«بعضهم صغير» يحاول النيل مني.. دون خجل من شهاداتي العلمية وكفاءتي المهنية.. وأخلاقي المشهود لها..
قد يكون أحدهم في عمر ابنك.. ويعطي نفسه هذا الحق..
أنا طبيب.. ويندر أن أجد من يشكرني.. رغم أن آلاف الحالات شفيت على يديّ بإذن الله..
هل أبكي على حالي؟ هل أفعل مثلك؟
يوماً ما.. كنت مثلك.. كثير التوتر والقلق..
أكره أن يجرحني أحد ولو بكلمة..وأنا الذي كم داويت جروح مرضاي.. ثم اكتشفت أنني أقتل نفسي بيدي.. وأن الآخرين لا يشعرون بي ولا يتذكرون حتى ماذا جرى بالأمس مادم لا يخصهم..
غيّرت نفسي.. درّبتها على بعض «اللامبالاة» وبعض «البرود» في ردود الأفعال لأن ما يجرحني لا يهم سواي..
والناس ينسون بسرعة كل الأحداث التي لا تتعلق بهم.
أنصحك ياولدي بشيء من «اللامبالاة» تجاه الأحداث اليومية وتصرفات الناس..
«فلانٌ» لم يُلق عليك السلام: في ستين داهية!
«فلانٌ» أحرجك في ملأ.. بإمكانك الرد بالمثل.. أو التجاهل..
«فلانٌ» تعمّد إيذاءك: خذ موقفاً أو ارفع الشكوى لله..
وانسَ ما يحدث بعد وقوعه..
«النسيان» نعمة ياولدي.. تذكر الأشياء الجميلة في حياتك..
تأمل الحدائق والجمال في الطبيعة والكون ونعم الله عليك..
تمسّك بالناس الطيبين.. وكف عن نقدهم الصريح يتمسكون بك..
حاول أن ترى «الخير» في الناس.. ولا تركز فقط على سلبياتهم.. وحين تجد صديقاً.. كن ليناً رفيقاً به..
ساعده وآزره وكفّ عن توبيخه أو تصيد أخطائه وعبِّر له عن حبك ووفائك وستجد منه رد الفعل نفسه..
الشخص الحسّاس لابد له من أصدقاء أوفياء
يتقبلهم بعيوبهم قبل ميزاتهم..
لست بحاجة لدواءٍ ياولدي..
أنت فقط بحاجة لأن تجلس مع نفسك جلسة هادئة جداً.. جداً..

د/ نادية عوض