عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2004, 11:48 PM   رقم المشاركة : 1
أشرف محمد كمال
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية أشرف محمد كمال
 






أشرف محمد كمال غير متصل

قصة قصيرة 000ابتسامـــة00

ابتسامــه

000بعد عناء يومٍ مرهقٍ طويل00وأحدى تلك المناوبات الليلة المضنية – التى لا تخلو من صرخات الألم00 وأنين الجراح00 وأنهار الدماء00ومشاعر اللوعة00والوجوه الفزعة00والنظرات القلقة00والأعصاب المحترقة – تلك اللحظات الرتيبة00المملة00المتبلدة الجامدة00التى قد لا تخلو أيضاً من مأساةٍ ما00 أو شجارٍ00وتقارع ألفاظ السباب – حتى ذلك أصبح روتينا – ما لبث أن اعتاده على مر الأيام00؟!
ما من أحدى تلك المناوبات 00إلا وهب فزعاً من نومه – ما لم يكن يمضها مستيقظاً فى الكثير من الأحيان – على دوى سيارة الإسعاف00أو علي طرقات بشعة00تكاد تقتلع قلبه من جذوره00وتزلزل كيانه00وكان عليه أن يخوض ذاك الصراع الخاسر دوماً00ما بين الحياة والموت00!! ومحاولة إنقاذ مصاباً أو واحدةً من الحالات الحرجة00ولن يكون00إلا ما قدر الله أن يكون00؟!وعليه أن يستقبل كافة النتائج00دون أن يطرف له جفن00أو يهتز له وتر – وكأنه ليس ببشر00؟!- حتى كلمات الشكر وفرحة الانتصار على المرض00وانقاذ حياة إنسان ما 00فقدت بريقها ومذاقها بمرور الأيام 00والتكرار الأبدي المزمن00!!
000وبينما هو عائدٌ إلى منزله00ويحمل معه جفنين متثاقلين00ونفس مكدودة 00تعبة00وملل يزحف بخطوات قدميه - وضع جسده داخل عربة من عربات (المينى باص) وهو لا يدرى وجهتها00؟! لكن ربما هى من عرفته بحكم العادة00والألفة00!!- جلس مشتت الذهن شارد البصر00ينتظر أن تبتلع العربة مزيداً من الركاب00إلى أن تنوء بحملها00وتلفظ أنفاسها الأخيرة00وكذلك راكبيها00!!
00إذ بعينيه تلتقى بعينيها 00فجفلت فزعه00تنبه إلى تلك العينين اللتين كانتا تقفان على الرصيف المواجه للعربة00وكان هو فى شروده لا يريد أن يكلف نفسه عناء التفكير فى أى شيء 00ناظراً أمامه متطلعاً إلى اللا شيء00!!
تساءل فى نفسه00لعلها ظنته ينظر إليها عن غير قصد00؟! عاد ينظر إليها من جديد00فوجد عينيها تفران وجلتين من أمامه مرة أخرى00؟!وكأنهما ضبطتا متلبستين بالسرقة00وتسأل مجدداً 00من تكون يا ترى00؟!
000إنها فتاة فى العشرين من عمرها – قد تزيد عن ذلك أو تقل قليلاً – ذات وجه ملائكي بريء 00براءة الزهور00هاديء كصفحة المياه فى بحيرة ساكنة00فيه بريق وضاء 00ويلتمع بالذكاء00وعينيها ينابيع ضياء00
00وأفاق فجأة من غيبوبته00ونفض عن رأسه تلك الأفكار وقال:
- مالك بها00؟!تفكر فيها00لا أريد أن أكلف نفسى عناء التفكير00 أو أشغل بالى بحسابات السنين00!!
لكنه عاود النظر ثانية إلى عينيها00يحاول أن يسترق النظر 00وينفذ داخل رأسها – من خلال سواد حدقتيها – ليثبر أغوارها 00ويكشف أسرارها 00وما يدور بخلدها00لكنها لم تمنحه الفرصة00فتفر هاربة دوماً00!!إلا أنه لم يخطئ تلك الابتسامة التى نبتت عند زاويتي شفتيها00فأيقظت حواسه كلها دفعة واحدة00وتثاءب عقله بعد طول سبات00و إختلس النظر إليها من جديد00وتلاقت أعينهما فى صراحة ووجدها تبتسم ابتسامة أضاءت كل وجهها00واشعلت دوى إنذار فى قلبه00فسرت موجة دافئة عبر أوصاله00حتى هدأت على شاطئ شفتيه 00فاسترخت مبتسمة00دهشة00حائرة00!!
00فجاوبته بتلك الحمرة التى صعدت إلى وجنتيها00وتوقف بهما الإحساس عند تلك اللحظة بين عقارب الأزمان00ولم يدر كم مر من الوقت وهما على هذه الحالة00فلم يكن يرى آنذاك سواها00ولم يكن يسمع غير صوت أنفاسها المضطربة 00وتسأل00ماذا يجب عليه أن يفعل00؟!
00أخذ خياله ينسج قصصاً عديدة00فوجد نفسه يهش إليها00ويحادثها00يختطف يديها ويضمها بين راحتيه00ويقبلها00يسيران سوياً فوق صفحة المياه إلى قرص الشمس الذهبى00ويحلقان معاً فى السماء00ويسبحان فى الأفق البعيد00إلى شاطئ الأحلام 00وجزيرة لم يطأ أرضها إنسان00!!
وتعجب من أنه وجدها تنظر إليه وكأنها تعلم بما يدور فى رأسه00وأومأت برأسها تستحثه وتستحلفه00وعينيها تشجعه00وخطوط جبينها تسأله00فتحركت قدميه على غير إرادته 00وهم أن يلبى نداء ابتسامتها 00وهو ناظراً إليها 00وقد ملأت وجهها وجسدها النشوة00أو لعلها كانت نشوته هو00!!
000لكن المشهد تغير فجأة00حين اقتحمت الصورة فتاةٌ أخرى00أخذت تحدثها – لعلها كانت تنتظرها – وحجبت عنه عينيها00فأجفل فجأة00 وتنبه إلى ما كان ينتوى فعله00!! وتراجع عنه00
00سارت مع صديقتها00ونظرت إليه من خلف كتفيها00نظرة أخيرة مودعة00جمعت فيها ما بين الحزن00والأمل 00والعتاب00وهو حائر 00يريد أن يدافع عن نفسه 00عن تخاذله00وخوفه00يريد أن
يستعيدها00!!
00لكن العربة تحركت00فنظر إليها 00فوجدها تسر إليه شيئاً بشفتيها00ربما كانت تهتف باسمه 00أو هكذا تمني00!! لكنها الأقدار 00تسلبنا فجأة ما تمنحنا00بدون سالف إنذار00ولا ندرى لما منحتنا الأمل 00وسلبتنا حتى الأوهام00؟!
000أخذ ينظر خلفه00عساه يراها مرة أخري00لكنها تلاشت فجأة00وكأنها كانت فكرة نبتت من العدم00أو طيف ملاك ذاب بين ذرات الأثير00كانت أشبه بسنا البرق الخاطف يعمى الأبصار00وعندما تنتبه إليه تجده أضحى سراب0
وضاعت منه وسط موجات البشر المتزاحمة00ربما لو لقيها مرة ثانيه00لن تعرفه00؟! ولن تمنحه تلك الابتسامة التى أعادت إليه كيانه00وأيقظت وجدانه00وجعلته يستنشق رحيق الحياة من جديد00وبينما العربة تسير00والمشاهد تتداعى 00ظل يتذكر تلك اللحظات00والابتسامة تعلو شفتيه00وكأنه يبادلها ابتسامتها00ويتخيلها تبتسم له00وابتسامتها تتسع00وتتسع00حتى غشيت صورتها00ولم تبق غير تلك الابتسامة 00عالقة بالذاكرة00!!






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


white heart