الدرس الأخير في هذه الدورة
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
هذا هو الدرس الأخير من دورتنا دورة الإلقاء ويحتوي عناصر ذات اهمية كبيرة وهناك عنصر فاتني ذكره فيما سبق وهو يتعلق باختيار الموضوع وله اهمية كبيرة وهو
- ان يكون للكلمة او الخطبة أهداف يريد المتكلم وصول المستمعين اليها
وهذا من اهم الأمور بحيث يكون للكلمة هدف او اكثر يراد تحقيقها وافادة السامعين بها لا ان تكون الكلمة لمجرد تفريغ العواطف والأحاسيس من غير ان يكون لها فائدة للمستمعين ولا ان يكون لهم يد في ايقاعها او منعها .
فالحديث إلى الناس مثلا عن امر لايقوم به الا الحاكم او المسؤول ليس مجديا غالبا ولا مفيدا بل انه من الممكن ان يسبب الضرر للملقي او غيره من غير فائدة تذكر لا للسامع ولا لغيره ، ويمكن ايصال ما يراد ايصاله الى المسؤول بطرق اخرى اكثر مناسبة واقوى فاعلية من غير مفسدة .
وقد حضرت خطبة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تكلم فيها عن ضرر المجلات السيئة التي تعتمد على صور النساء والاثارة وخاطب الناس انهم هم ملوك بيوتهم وعليهم الا يدخلوها الى تلك البيوت.
و تجب العناية بتحديد اهداف الكلمة والسعي لتحقيقها من خلال ما يلقى والا فقد الكلام امر اساسيا لن يكون لما يذكر بعده كبير فائدة غالبا.
والخطوة التي تليها هي
ثالثا : عرض الموضوع
وهي خطوة الإخراج الفعلي للموضوع الذي تم اختياره بعناية وفي وقت ومكان مناسبين .
ويمكن ان تكون هذه الخطوة قبل وبعد اكتساب مهارة الالقاء لكنها لن تظهر بالمظهر المناسب واللائق الا بعد اكتساب مهارة الالقاء حيث ستؤثر الرهبة المصاحبة لبدايات الالقاء في مستوى وجودة الاداء.
ولكي يكون العرض متميزا وقويا لابد من توفر أمور مهمة من أهمها :
1) الأداء الصوتي الجيّد
بان لايكون الصوت ضعيفا لايكاد يسمع ولا قويا جدا يؤذي السامعين ولكن بين ذلك ، وان لا يكون الصوت بطيئا يجلب الكسل والنوم ولا سريعا جدا لايكاد يفهم بل بينهما.
ومن المفيد والنافع تنويع الاداء الصوتي فلا يكون على وتيرة صوتية واحدة بل يخلط في اداءه بين رفع الصوت وخفظه وبين السرعة والبطء جاعلا ذلك يأتي بشكل متجانس وسلس ومن غير رفع مزعج ولاخفض لا يسمع .
2) استخدام التعبيرات المرئية أثناء الإلقاء
وذلك عن طريق استخدام العينين واليدين وتعبيرات الوجه والالتفات ييمنا وشمالا .
وقد ورد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ) رواه مسلم وفي رواية البيهقي (وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمرت وجنتاه واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم)
فالعينان من أهم وسائل الاتصال مع الآخرين وهما اداتان لايصال المشاعر والاحاسيس والمعاني التي ربما تعجز عنها الكلمات ولذا فان النظر الى المستمعين امر مهم اثناء الالقاء .
ويستعين بالالتفات يمينا وشمالا لكي يشمل المكان وحاضريه بنظره المعبر عن الاهتمام والعناية .
واليدان يستخدمهما للدلالة والتأكيد على المعاني التي يتحدث عنها .
ويستخدم ايضا تعبيرات الوجه بما يناسب الكلام الذي يقوله فلها دلالاتها المعروفة .
وينبغي أن يتدرج في استخدام هذه التعبيرات حتى يتقنها وتكون امرا عاديا يأتي بلا تكلف لان التكلف في اداء اي امر غير مرغوب.
3) ان يكون عرض الموضوع بطريقة الإلقاء لا القراءة
لان ذلك يؤثر تاثيرا اكبر ويجذب السامعين الى الملقي ، ولأن في ذلك استخدام لجوارح مهمة اثناء الإلقاء وهي العينان واليدان والتي لا يتيسر استخدامها اثناء القراءة.
واكتساب هذه المهارة يأتي بالتدرج كما سبق.
4) عرض الموضوع بتسلسل مناسب
وذلك بان يبدأ بمقدمة مناسبة ثم ينتقل الى عناصر الموضوع حتى يستوفيها ثم يختم بالخاتمة كما سيأتي تفصيل بعض ذلك.
ومن الخطأ ان يتكلم في موضوع ثم يتخبط في التنقل بين عناصره بطريقة غير جيدة كأن يتحدث عن الهجرة مثلا ثم ثم يتكلم عن آخرها ثم اولها ثم وسطها ثم اولها ، فالمطلوب ترتيب الافكار وتسلسلها حسب وقوعها أوحسب ارتباط كل عنصر بما يليه.
5) الاقتصار على موضوع واحد ما أمكن
وذلك لكي يستوفي الموضوع ولئلا يشتت انتباه السامعين ومشاعرهم بتعدد الموضوعات ولكي لا ينسي بعضها بعضا.
وهذا هو الأصل الذي ينبغي انتهاجه الا ان كانت هناك حاجة لتعدد الموضوعات كأن تكون مناسبة تتعدد فيها الأحداث او ما شابه ذلك.
واذا كان المتكلم سيتكلم عن أكثر من موضوع فالافضل أن يجعل بين تلك الموضوعات رابطا او اكثر ينتقل بينها من خلاله.
6) الحرص على الاختصار
فالاختصار غير المخل مطلب مهم ومنهج ينبغي ان يسير عليه كل خطيب وداعية وهو الأصل الذي يجدر بكل متكلم أن ينهجه الا ان تكون هناك حاجة ماسة الى الاطالة في احيان قليلة فلا بأس ومعلوم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي اثنى فيه على قصر الخطبة وعدّ ذلك دليلا على فقه الخطيب.
واسباب تفضيل الاختصار كثيرة منها : عدم الاملال والاثقال لان الكلام الطويل يمل غالبا ، ولئلا ينسي الكلام بعضه بعضا جراء الاطالة ، ولان في الناس من هو منشغل او مريض او متعب ويشق عليه طول الخطبة ولغير ذلك .
7) العناية بالمقدمة
وهناك مقولة مفادها ان اهم ما في الكلمة او الخطبة الكلمات العشر الاولى منها لأن كثيرا من الناس في عجلة من امرهم وخاصة فيما يتعلق بالكلمات التي يمكن لسامعها ان يبقى او ينصرف او يستمع او يغلق فالواحد منهم يريد أن يعرف بسرعة ما اذا كان الكلام الذي سيلقى يستحق انتباهه واهتمامه ام لا وهنا تبرز مقدرة وموهبة المتكلم فينبغي عليه ان يحرص على جذب المستمع من اول الكلام.
ومن وسائل الجذب الفعالة :
- تشويق المستمعين إلى ما سيقوله / بأن يذكر امورا مشوقة ستأتي مع إبهامها وعدم الإفصاح عنها كأن يقول : هناك حدث غريب ساحدثكم عنه ..
- الإشارة في البداية الى قصر الزمن الذي سيستغرقه / ويكون ذلك بطريقة لبقة كأن يقول : اتحدث اليكم في دقائق معدودة عن كذا وكذا
مع الحرص على الوفاء بما وعدم وعدم الإطالة كما سبق.
- ألا يطيل في صيغة الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم/
وهذا في المواعظ والكلمات القصيرة خاصّة لانه اذا أتي بصيغة الحمد الكاملة الواردة في خطبة ابن مسعود التي يبدأ بها كثير من خطباء الجمعة خطبهم فان هذا يستغرق زمنا ليس يسيرا يمكن أن ينصرف كثير من الحاضرين اثناءه .
- الدخول بمدخل مناسب /
فالدخول للقلوب كالدخول للبيوت ، ولذا فمن الأفضل البحث عن مدخل مناسب لما يراد الحديث عنه ، ومن أفضل المداخل التي يمكن استخدامها الأحداث العامة كالأمطار والحوادث الشهيرة والاختبارات والأزمان الشريفة والمناسبات الدينية في وقتها.
وكذلك فان من المداخل الحسنة التعليق على آيات تليت او حديث سمع اوعلى موقف حصل .
.
8) إيراد قصة او شعر
او ايراد كل ذلك ان كان مناسبا للمقام ، وهذه الأمور وما يشابهها كالطرفة تعد من الأمور المحببة الى النفوس و تجدد نشاط السامع وتقوي انتباهه
ولذا فان لها أهمية بالغة ولابد ان يكون لدى الداعية محفوظ جيد منها وان يجعل من ضمن استعداده و تحضيره للموضوع الاستعداد بشيء من ذلك يوافق ما سيتكلم عنه .
وتتأكد اهمية ذلك اذا كان زمن الكلام يتجاوز عشر دقائق ، وقد وجدت اثناء دروس بعض العلماء الكبار انهم كانوا يوردون قصة او شعر او طرفة او موقف اثناء دروسهم العلمية الجادة وذلك لابعاد الملل وتجديد النشاط .
9) الابتعاد عن التكلف وإيراد وحشي الكلام وغريب الألفاظ
وذلك لان المقصد من الكلام إيصال رسالة ذات أهداف معينة إلى السامعين ولابد لوضوح الرسالة وفهمها من وضوح كلماتها ومعانيها واستخدام الكلمات الغريبة والتعبيرات غير المفهومة مما يناقض ذلك ، وفي رأيي أن ذلك لاينبغي إيراده ابدا لما فيه من التكلف ولعدم فائدته ولانه قد ورد ذم مثل ذلك شرعا.
ومن امثلة ذلك ما يقوله بعضهم في معرض كلامه حيث يقول ( جاءوا زرافات ووحدانا !!) ( ولابد من ان نحمي بيضة الإسلام !) وما شابه ذلك وكأن كلمات اللغة قد ضاقت عن التعبير الا بمثل هذا.
8) الاهتمام بالخاتمة
وذلك لانها آخر ما يسمعه المستمعون من الملقي وهي اقرب الكلام الى التذكر .
ومن أفضل ما يجعل في الخاتمة موجز قصير لابرز ما تم الكلام عنه ويستحسن جعل ذلك على هيئة عناصر مختصرة ، كما انه يفضل التركيز في الخاتمة ايضا على أهداف الكلمة او الخطبة التي يريد وصول السامعين اليها.
وبالكلام عن الخاتمة نختم دروس هذه الدورة مؤكدا في ختامها على أهمية النية الصالحة واحتساب الأجر والإخلاص والبعد عن اي مقاصد دنيوية لان النية الصالحة تؤثر اثرا عظيما في استفادة المتلقي وفي حصول الأجر ، وكذلك اؤكد على أن يكون المتكلم قدوة بفعله قبل قوله وان لايأمر الناس ويدعوهم الى شيء الا وقد امتثله ، سائلا الله سبحانه ان يجعل في هذه الدورة خيرا واجرا وبركة لي ولكل من يطلع عليها او يستفيد منها او ينشرها او يعين على ذلك وصلى الله علي نبينا محمد.