تابه محاضرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.....
((درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقله وهذا أضعف الإيمان).بين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح الوجيز درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن كلا منا يتحمل ما يستطيع.
(من رأي منكم منكرًا فيغيره بيده). إذا كان يستطيع إزالة المنكر باليد. لأن الله أعطاه سلطة، حيث ملكه الله كسلطان المسلمين وإمامهم الذي ولاه الله هذا الأمر أو نائبه، يستطيع إزالة المنكر باليد.
(فإن لم يستطع فبلسانه): إذا لم يكن استطاعته إزالة المنكر بيده، فإنه ينتقل إلى المرتبة الثانية، (فإن لم يستطع فبلسانه) بأن يبين للناس الحلال والحرام والطاعات والمعاصي عن طريق المناصحة الفردية فيما بينك وبين أخيك المسلم، والمناصحة العملية بالخطب والمحاضرات والندوات والدروس بالحكمة والموعظة الحسنة، يبين للناس ليهدي الله من يشاء عز وجل، وكم من كلمة حكيمة أغنيت عن كثير من القوة، كلمة حكيمة تؤثر في القلوب، كم من خطبة أو محاضرة أثرت ونفعت بإذن الله، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية/21].
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات /55].
{سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى} [الأعلى /10].
وإذا كان الإنسان لا يستطيع - ولا حول ولا قوة إلا بالله - أن يعلن للناس بيان ما وجب عليهم وما حرم عليهم، فإنه لا أقل من أن ينكر بقلبه، ينكر على أهل المعاصي معاصيهم يعني: يكره المعاصي وأهلها.
((حكم مخالطة العصاة))
إذا لم يكن في مخالطة العصاة طمع في هدايتهم والتأثير عليهم، يعتزلهم، ولا يخالطهم مسرورًا معهم ومنبسطًا معهم لأن هذا هو المداهنة، فالذي يخالط الناس العصاة والفساق ولا ينكر هذا عليهم ولا يكره ما هم عليه بقلبه بل يكون منشرح الصدر معهم منبسط البال يكون مداهنًا المداهنة المنهي عنها، والإنكار بالقلب واجب على كل مسلم، لا يعذر أحد به، لأنه لا يمكن أن يمنع من الإنكار بالقلب أبدًا فإذا كان لا ينكر المنكر بقلبه فهذا دليل على خلوه من الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل). وفي رواية: (وذلك أضعف الإيمان) هلك من لم ينكر المنكر بقلبه، فإذا مرتبة الإنكار بالقلب واجبة عينية على كل مسلم، لا يعذر أحد بتركها، أما الإنكار باليد والإنكار باللسان فهذا يكون حسب الإمكان وحسب الاستطاعة، والله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن /16].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتمروا من ما استطعتم).
((الآمر بالمعرف والناهي عن المنكر يبدأ بنفسه))
ثم لنعلم: يا عباد الله أنه يجب بعي الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون أول مبادر لفعل المعروف وترك المنكر، وألا ينكر على الناس أشياء هو يفعلها في نفسه، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة /44].
قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف /2. 3].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلق في النار حتى تندلق أقتابه - يعني: حتى يفتح بطنه وتظهر أمعاؤه -والعياذ بالله -فيدور فيها - يعني: في أمعائه - كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه), ونبي الله شعيب لعيه الصلاة والسلام يقول لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود /88].
فالإنسان يصلح نفسه أولًا حتى يكون قدوة حسنة.
هذا ونسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالتوفيق والهداية، وأن يجعلنا وإياكم من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، الحافظين لحدود الله، و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى صحبه أجمعين.
((الأسئلة))
س1: سائل يقول: ما هي نصيحتكم للشباب الملتزم وهم يشاهدون المنكرات في الأماكن العامة كالأسواق، والخاصة كالعمل والمنزل وما شابه ذلك، وما هو موقفهم من أصحاب البدع إذا وجدوا في الأماكن المذكورة أو المساجد؟ نرجو توضيح ذلك.
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد....
الذي ننصح به الشباب وكل مسلم إذا رأى شيئًا من المنكر أن ينصح أولًا، ينصح هذا المخالف فيما بينه وبينه، ويبين له أن هذا لا يجوز وأن هذا منكر، وأنه مسلم يجب عليه أن يتقي الله، يحذره فيما يحضره من الأدلة في الوعيد على العصاة، فإذا أزال المنكر بذلك فالحمد لله, يكون قد اختصر الطريق وستر على هذا الإنسان, فإذا لم يجد هذا بعد البيان وبعد النصيحة فعليه أن يبلغ عنه الجهة المختصة من ولاة الأمور وأهل الحسبة، عن هذا الشخص وهذا المكان إلى فيه المكر، وهذه هي الخطوة الثانية التي يستخدمها, ويتابع ذلك مع اتخاذ الحكمة والرفق والصبر والاحتساب، يعني يسعى في هذا الإصلاح حتى يزول المنكر بإذن الله، والبلاد - والحمد لله - لا يزال بخير، فهي بلاد إسلامية وفيها - والحمد لله - هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيها مراكز في كل بلد، وعليه أن بتابع معهم وأن يكرر الشكاية إلى أن يزول هذا المنكر.
س2: سائل يقول: ما حكم استئجار النساء اللواتي يضربن على الدف في الحفلات ويرددن كلام الأغاني، وما حكم ذهاب الزوجة إلى هذه الحفلات وإن كانت لاتدف مع ضاربات الدف؟
ج2: على كل حال: إعلان النكاح مشروع وذلك بضرب الدف عليه من قبل النساء، ولا بأس أن يتغنين ببعض الألفاظ التي ليس فيها محذور, والتي ليس فيها فتنة، ولا يسمعها الرجال وإنما يكون في محيط النساء وفي مجمع النساء فقط, هذا هو الإعلان المشروع, وكذلك من الإعلان صناعة الوليمة واجتماع الناس للأكل منها، في حدود المشروع لا في حدود الإسراف والتبذير والبذخ فإن هذا لا يجوز فكل شيء تجاوز حده فإنه سينقلب إلى ضده، أما جعل أغان أو طرب أو جعل تسجيلات أو جعل ميكروفونات وسماعات تأخذ أصوات النساء فهذا لا يجوز، لأن هذا يحصل في مفاسد ويحصل فيه سماع لأصوات النساء، وإنما يكون هذا في داخل محيط النساء الموجودات، ولا يطول أيضًا وإنما يكون في حدود زمن يسير، قدر ما يحصل به الإعلان فقط. أما ترك الإنسان امرأته تحضر مثل هذه الحفلات: إذا كانت هذه الحفلات تمشي على الوجه المشروع وليس فيها محذور فلا بأس أن يترك زوجته تحضر، أما إذا ترتب على حضورها محظور أو خطر عليها أو كانت هذه المجتمعات أو هذه التجمعات فيها منكرات فإنه لا يجوز للرجل أن يسمح لزوجته بحضور هذه الاجتماعات التي تشتمل على منكرات، أو كان يترتب على حضورها خطر عليها ي الطريق فإنه لا يجوز له أن يتركها تذهب إليه وتتعرض للخطر أو تتعرض للفتنة.
إكمال للسؤال السابق :
كذلك عند التصوير في الحفلات ودخول العريس؟
التصوير لا يجوز والتصوير حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأنهم في يوم القيامة تحضر هذه الصور ويكلفون أن ينفخوا الروح في كل صورة صورها في الدنيا، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الصور يوم القيامة يجعل للمصور في كل صورة منها نفس يعذب بها في نار جهنم، الأمر عظيم، فلا يجوز التصوير لا في حفلات الزواج ولا في غيرها، إنما يجوز من التصوير ما دعت إليه الضرورة - كصورة التابعية وصورة رخصة القيادة أو البطاقة الشخصية أو جواز السفر - هذه أمور أصبحت ملزمة فصارت ضرورية للإنسان، أما التصوير الفني أو للتذكار أو التصوير في الحفلات كل هذا لا يجوز، هذا داخل في عموم النهي وعموم الوعيد الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم.
س3: سائل يقول: نرجو منكم أن تبينوا لنا مناسبة تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ذكر الإيمان، في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران /110]، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخصوص برجال الهيئة فقط؟
ج3 : تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان من باب الاهتمام، للدلالة على أهميته، وإلا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان، فهو داخل في الإيمان، لأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من أعظم خصال الإيمان، وإنما أفرد بالذكر لأجل التنبيه على أهمية، كما قال تعالى :{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة / 238].
فإفراد الصلاة الوسطي بالذكر بعد دخولها في قوله {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} لأهميتها, وكما في قوله: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة/ 98].
فذكر جبريل وميكال مع أنهما داخلان في الملائكة لعظم شأنهما عليهما الصلاة والسلام، فقد يكون ذكر الشيء مفردًا مع دخوله فيما قبله أو بعده لأجل الاهتمام به والتنبيه على عظم شأنه. ورجال الهيئة عليهم جانب الإنكار باليد وإزالة المنكر باليد، لأن ولي الأمر أعطاهم السلطة في حدود ما منحهم فهم يستعملون السلطة التي أعطاهم ولي الأمر أما بقية المسلمين فيتعاونون - كما ذكرنا - مع أهل الحسبة بتبليغهم عن المنكرات ومحلاتها بعد أن يناصحوا أهلها ويعظوهم ويذكروهم، فلابد لكل واحد أن يسهم في إنكار المنكر إما باليد وإما باللسان، وعلى الجميع الإنكار بالقلب.
س4 : سائل يقول: ما هو الدف المقصود به في حفلات الزواج، وما حكم سماع غيره من الطبول وأشياء أخري؟
ج4 : الدف معروف عند العرب، يرجع إلى كتب اللغة، ويعرف الدف فيها وهو ما كان مستعملًا عند العرب أو في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما أحدث من آلات الطرب والموسيقى فهذه لا تجوز وليست دفًا ولا تدخل في مسمى الدف.
س5 : سائل يقول: متي يجوز تغيير المنكر باليد؟ وما هي الشروط اللازمة لهذا التغيير؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله السبيل الأول لتغيير المنكر.
ج5 : قلنا: يكون الإنكار باليد لأهل السلطة، لأننا لو قلنا إن كل واحد ينكر المنكر باليد لصارت الدنيا فوضى واختل الأمن، فلابد من انضباط الأمور ولابد من رجوع إلى ولاة الأمور في هذا لئلا يختل الأمن، فلو أن كل واحد ينكر المنكر بيده ويتلف الأشياء المحرمة ويضرب الناس لحصلت فوضى، لأنه ليس معه سلطة، بخلاف من معه سلطة وولاية من ولي الأمر فالناس ينقادون له، والإسلام لا يريد الفوضى، وإنما يريد ضبط الأمور ويريد اجتماع الكلمة.
س6: سائل يقول: ما حكم الأناشيد المسماة إسلامية؟ وما حكم التمثيليات المسماة دينية؟ وما حكم نادي كرة القدم مع التفضيل؟
ج6: أما قضية الأناشيد فتسميتها إسلامية خطأ، لكن تسمي عربية، وأما حكمها المعروف من السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحداة في السفر أن يحدوا بالإبل، لأجل أن تتبع صوت الرعي أو صوت الحادي، وكذلك رخص في إنشاد الشعر وقت العمل ووقت التعب من العمل كما في بناء المسجد النبوي، فإنشاد شيء من الشعر في حالة السفر لأجل التنشيط على السير أو لأجل إزالة النوم والنعاس عن المسافرين أو لأجل تنشيط العاملين في البناء هذه أمور وردت بها السنة ولا بأس بها، لكن لا تكون بأصوات جماعية ونغمات وتنغيمات وترنيمات، وإنما كل واحد ينشد بصوته ولا يرتبط بجماعة آخرين منتظمين ينغمون الصوت ويصبح على شكل ترانيم النصارى أو ترانيم الصوفية هذا لا يجوز.
فالأصل في الأغاني التحريم، والأصل في الغناء التحريم، وإنما يرخص منه بما وردت الأدلة له، وهو الحداء في السفر أو شيء من الغناء وقت السآمة من العمل بأصوات فردية لا بأصوات منتظمة وأصوات منغمة وأصوات لها فرق إنشادية، يرتبونها وينظمونها، هذا كله لا يرخص فيه لأنه من الزيادة على ما جاء في الأدلة.
واتخاذها وسيلة للدعوة -كما يظن بعضهم - غلط لأن وسائل الدعوة ومناهج الدعوة بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله، وليس منها الأناشيد، نرجع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، نرجع إلى منهجه في الدعوة كيف كان يدعو الناس؟ ونمشي على حذوه صلى الله عليه وسلم ،هل نجد أن الرسول رتب أناشيد لأجل الدعوة؟
كذلك التمثيليات كلها مستوردة، ليست من الطرق أو وسائل الدعوة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها تقليد للكفار، وما أظن فيها جدوى، وإنما قيها ترفيه عن الحاضرين، وربما أنه يتقمص الشخصيات الإسلامية من لا يصح، كالذي يتقمص شخصية عمر أو شخصية أبي بكر أو شخصية شيخ الإسلام ابن تيميه أو الإمام أحمد وهو ليس على هذا المستوي، والحاصل أن هذا لا يجوز، لا التمثيليات ولا الأناشيد بأن نجعلها من وسائل الدعوة، لكن الإنشاد -إنشاد الشعر - في حدود ما ورد بالأدلة لا بأس به، والرخصة إذا جاءت يقتصر عليها ولا يزاد عليها. وأما حكم لعب الكرة: لاشك أن لعب الكرة إذا كان في حدود، ولا يكون معه كشف للعورات ولا يكون معه تضييع للصلاة أو تعطيل للمصالح النافعة في الدين والدنيا، وإنما يكون في حدود شي يسير لتقوية الجسم، يكون خاليًا من المنكرات، في هذا القدر مباح، لكن إذا خرج عن هذه الحدود، بأن صار فيه كشف للعورات أو صار في استمرار حتى تضاع الصلوات أو تؤخر عن أوقاتها أو يكثر هذا حتى يطغى على حياة الإنسان بحيث يصبح ليس له مهنة إلا لعب الكرة يسمي بالفنان أو الرياضي - هذه ليست مهنة - فالمسلم أعز من أن يصبح، مجرد لاعب ليس له هم إلا اللعب.
وسئل الشيخ من قبل أحد الحاضرين: يقال عن اللعب إنه وسيلة من وسائل الدعوة؟
فأجاب حفظه الله: ليس هو وسيلة للدعوة قلنا: إن وسائل الدعوة يتبع فيها طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا من المباحات في الحدود والشروط التي ذكرناها، يكون من المباحات لأجل تقوية الجسم أو إعطاء شي من الراحة للنفس، أما أنه وسيلة من وسائل الدعوة فأنا لا أعرف أنه من وسائل الدعوة، ونحن لا ندخل في وسائل الدعوة شيئًا ليس منها.
س7: سائل يقول: هل لبس الملابس الضيقة للنساء أمام النساء تدخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه(نساء كاسيات عاريات....) إلى آخر الحديث؟
ج7: لا شك أن لبس المرأة للشيء الضيق الذي يبين مفاتن جسمها لا يجوز, إلا عند زوجها فقط, أما عند غير زوجها فلا يجوز, حتى ولو كان بحضرة نساء لئلا تكون قدوة سيئة لغيرها, إذا رأيتها تلبس هذا يقتدين بها, وأيضًا هي مأمورة بستر عورتها بالضافي والساتر عن كل أحد إلا عن زوجها, تستر عورتها عن النساء كما تسترها عن الرجال إلا ما جرت العادة بكشفه عند النساء كالوجه واليدين والقدمين مما تدعو الحاجة إلى كشفه.
س8: أما شعر الحاجبين فلا يجوز إزالته بأي وسيلة لا بنتف ولا بقص ولا بإزالة بأي وسيلة, لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته, فقد لعن صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة, النامصة: التي تقص الشعر من نفسها أو من غيرها, والمتنمصة: التي تطلب من غيرها أن تزيله من حاجبها, فهذا من الكبائر, لأن المعصية إذا لعن عليها صارت من الكبائر, ولأن هذا من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى الذي أخبر الله تعالى أنه من أمر الشيطان: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء/ 119].
وأما إزالة الشعر من بقية الوجه فهذا ما يسمى عند العلماء بالحف, وإزالة شعر الحاجب يسمونه النمص, أما إزالة شعر الوجه فهذا إذا كان مشوهًا للوجه, فيه تشويه للوجه وشين للوجه لا بأس بإزالته, أما إذا كان عاديًا لا يلفت النظر فهذا قد اختلف أهل العلم في حكم إزالته: فمنهم من منعه واعتبره داخلًا في النمص, ومنهم من رخص فيه, والأحوط والأبرأ للذمة أنه إذا لم يكن مشوهًا للوجه فإنه لا يؤخذ بل يترك, لأنه ليس في أخذه فائدة وليس في بقائه مضرة.
س9: سائل يقول: إنه يعمل في إحدى الشركات, ولكنه لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, مع أن جلساءه يسيئون إلى الإسلام وإلى المسلمين؟
ج9: لا يجوز له أن يعمل في هذه الشركة التي فيها إساءة إلى الإسلام والمسلمين, وهو لا يستطيع إزالة ذلك، بل عليه أن يطلب الرزق في غير هذه الشركة، واله تعالى يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق/ 2 ،3].
والله جل وعلا أكثر من أسباب الرزق ولم يقصره على هذه الجهة التي فيها الإساءة إلى دين الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ودينه.
س10: سائل يقول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة/ 105 ]. يرجو إلقاء الضوء على هذه الآية.
ج10: هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة/ 105].
يبين الله سبحانه وتعالى أن المهتدي لا يضره ضلال من ضل لأن كلا يجزى بعمله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} [فصلت/ 46].
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر/ 18].
فالإنسان إذا اهتدى بأن فعل ما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه فقد اهتدى, ولا يضره ضلال الضالين وكفر الكافرين, وإنما إثمهم على أنفسهم, لكن ليس معنى هذا: أن الإنسان يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما فهم ذلك بعض الناس، لأن الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع القيام به لا يعتبر مهتديًا, لأن المهتدي هو الذي يفعل ما أمر الله تعالى به, ومن أعظم ما أمر الله تعالى به: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فإذا تركه لم يكن مهتديًا الهداية التامة, والله جل وعلا اشترط {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة/ 105 ], ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإذا قام الإنسان بالدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد اهتدى, وبعد ذلك هو لا يملك أن يهدى الناس بأن يخلق الإيمان في قلوب الناس, لأن هذا من أمر الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص/ 56 ].
فالهداية التي هي بمعنى التوفيق للإيمان هذه بيد الله, أما الهداية التي هي بمعنى البيان والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, هذه يستطيعها الإنسان, يستطعها الرسول صلى الله عليه وسلم, ويستطعها كل من اقتدى به, {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى/ 52 ,53].
فالرسول يهدى بمعنى أنه يبين للناس ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويعلم الخير عليه الصلاة والسلام وكذلك أتباعه من الناس.
س11: سائل يقول: ما حكم التهليل أثناء حمل الجنازة بصوت مبتكر؟ وهل الدعاء للميت جماعة عند دفنه جائز؟
ج11: التهليل عند حمل الجنازة بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولاسيما إذا كان بصوت جماعي فهو بدعة ظاهرة ومنكر ظاهر, لأنه لم يكن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد), وفي رواية: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد), وكانت الجنائز تحمل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يشيعها عليه الصلاة ويمشي معها ويحضرها, ولا ثبت ولا ورد أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتهليل أو بأصوات جماعية, أما الدعاء للميت بعد دفنه فهذا مشروع, قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بدون صوت جماعي, وإنما كل يدعو لأخيه بنفسه ومفرده,
قال صلى الله عليه وسلم: لما دفن بعض أصحابه وفرغ من دفنه وقف على قبره عليه الصلاة والسلام وقال: (استغفروا لأخيكم وأسالوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فهذا مشروع, أن ندعو لأخينا بعد دفنه ونستغفر له ونترحم عليه, ولكن بدون صوت جماعي بل كل يدعو لأخيه بمفرده.
س12: سائل يقول: ما طريقة الدعوة بالنسبة للمدعوين وما طريقة إنكار المنكر بالنسبة لمن وقع فيه؟
ج12: قلنا إن الدعوة إلى الله تكون على مراتب, فالجاه يبين له بدون تعنيف فإذا بين له وتباطأ في القبول والعمل فإنه بوعظ ويخوف بالله عز وجل, فإذا لم تجد فيه الموعظة وصار عنده شيء من رد الفعل أو من الاستدلالات الباطلة فإذا يجادل بالتي هي أحسن, فإذا لم تجد معه هذه الأمور فإنه يكون قد ظلم, فهذا يتخذ معه ما يليق بالظالم نمن المنع والردع بحسب الاستطاعة.
س13: سائل يقول: ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء؟
ج13: تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به, كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة, أما إذا كان ذلك مصحوبًا بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن فهذا محرم لا يجوز, يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [الأحزاب/ 32].
والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة, أما ما زاد عن ذلك بأن كان على طريق الضحك والمباسطة أو بصوت فاتن أو غير ذلك أو أن تكشف وجهها أمامه أو تكشف ذراعيها أو كفيها فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة, فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم, تتجنب هذا الأمر, وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام, وإذا كلمت الرجال فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة.
س14: سائل يقول: ماذا عن كتابكم في الرد على عدم صحة نسبة كتاب " أحكام تمني الموت " للشيخ محمد عبد الوهاب؟
ج14: هذه النسبة باطلة, والكتاب ليس للشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا يليق بدعوته رحمه الله وقد كتبت والحمد لله في رده وبيان أنه منحول وأن منسوب إلى الشيخ خطأ, كتبت في هذا وسيطبع إن شاء الله قريبًا, ويصل إلى أيديكم إن شاء الله, الحاصل أن هذا الكتاب ليس من مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لأمور كثيرة, فهذا الكتاب ليس له قطعًا واقسم بالله أنه ليس من مؤلفات محمد بن عبد الوهاب, ومؤلفاته رواها تلاميذه وتلاميذ تلاميذه وأولاده وأحفاده ولم يذكروا هذا الكتاب منها والحمد الله.
س15: سائل يقول: من ترك الصلاة عمدًا وذلك لمشاهدة مباراة أو مسلسل في التلفاز؟
ج15: لا يجوز ترك الصلاة, بمعنى أنه يتأخر عن أداتها مع الجماعة, أو يؤخرها عن وقتها, فهذه كلها محرمات ومنكرات وتضييع للصلاة, والله تعالى يقول: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم /59].
ويقول جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون /4 .5].
فليس الشأن أن الإنسان يصلى فقط في أي وقت وفي أي حالة، لا، الشأن أن الإنسان يصلي كما أمره الله في وقتها في المسجد مع جماعة من المسلمين كما أمره الله سبحاه وتعالى، هذا معنى إقامة الصلاة، الله تعالى يقول: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [البقرة /43].
ومعنى إقامتها: أن يؤتى بها قائمة كما أمر الله سبحانه وتعالى، أما إذا صليت على غير الصفة التي شرعها الله فإنها صلاة غير قائمة، بل هي صلاة مضيعة، وقد توعد الله من يضيع الصلاة -والعياذ بالله - بأشد الوعيد، ولو أن الإنسان جلس يقرأ القرآن حتى خرج الوقت لكان فعله ذلك منكرًا مع أنه يقرأ القرآن، فكيف إذا جلس ينظر إلى شي أقل ما يقال فيه إنه مباح وألا الغالب فيه ألا يكون خاليًا من المحرمات؟
س16: سائل يقول: إنه جلس مع قوم عصاة وينصحهم ويذكرهم بالله ولكن لا يسمعون الكلام وأنه مع العلم يجلس معهم في بيت واحد فهل عليه إثم لأنه يأكل ويشرب معهم؟
ج16: مخالطة العصاة وأهل الفسق لا تجوز إلا إذا كان الإنسان يطمع في هدايتهم ويقوم بمناصحتهم، فإذا كان يخالطهم على أساس أنه ينصحهم ويدعوهم ويطمع في هدايتهم فإنه يكون من الدعاة إلى الله عز وجل وهو يعالج إخوانه، أما إذا كان إنما يجلس معهم لأجل الاستئناس بهم والفرح معهم ولا ينكر عليهم أو كان ينكر عليهم لكن لا يطمع في استجابتهم فعليه ألا يجلس معهم، عليه أن يعتزلهم وأن يبتعد عنهم وأن يهجرهم في اله عز وجل حتى يتوبوا إلى الله عز وجل, لئلا يصيبه ما أصابهم، لأن الإنسان إذا جلس مع أهل الفسق وأهل المعاصي من غير إنكار أصابه ما أصابهم، بل ربما يدخل في اللعنة، كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة 79.78].
وقد بين صلى الله عليه وسلم ذلك بأنهم كان أحدهم يلقي أخاه على المعصية فينهاه في أول يوم ويقول له: يا عبد الله اتق الله فإن هذا لا يحل لك، ثم يراه في اليوم الثاني وهو على معصية فلا يمنعه ذلك أن يكون أكليه وجليسه وشريبه، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان أنبيائهم، كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة 79.78]. [انتهت المحاضرة]