عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2004, 08:37 PM   رقم المشاركة : 4
الباز
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية الباز
 





الباز غير متصل

أخي وفي الروح ..

لك جزيل الشكر على تعقيبك للموضوع واقول إن الشيخ صالح بن فوزان الفوزان قد ألقى محاضرة بعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد بين كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراتبه وهذه هي انقله لك لتعم الفائدة ولكن على جزئين ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله‏,‏ أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه والمتمسكين بسننه إلى يوم الدين تسليمًا كثيرًا‏.‏
أما بعد‏.‏‏.‏
فإن الموضوع الذي سنتحدث عنه - إن شاء الله - هو موضوع يهم جميع المسلمين‏,‏ ألا و هو ‏"‏ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏"‏‏.‏
‏"‏ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏"‏
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة الأنبياء والمرسلين ولا سيما خاتمهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم‏,‏ فإن الله وصفه بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‏,‏ فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف / 157‏]‏‏.‏

وكما أن هذا هو وصف النبي صلى الله عليه وسلم فهو صفة أمته كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}‏ ‏[‏آل عمران / 110‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران / 104‏]‏‏.‏

معنى المعروف والمنكر‏:‏ والمراد بالمعروف جميع الطاعات‏,‏ وسميت معروفا لأنها تعرفها العقول السليمة والفطر المستقيمة أول المعروف أعظمه عبادة الله وحده لا شريك له‏,‏ وإخلاص العبادة لله عز وجل‏,‏ وترك عبادة ما سواه، وهذا أعظم المعروف‏,‏ وبعد ذلك سائر الطاعات‏:‏ من واجبات ومستحبان كلها تدخل في نطاق المعروف‏,‏ فكل ما أمر الله تعالى به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم فانه معروف‏.‏

والمنكر‏:‏ كل ما نهى الله عنه ورسوله‏,‏ فجميع المعاصي منكر لأنها تنكرها العقول السليمة والفطر المستقيمة‏,‏ وتنكرها الشرائع السماوية‏,‏ كما أن المعروف تقره الشرائع السماوية‏,‏ فكذلك المنكر تنكره جميع الشرائع السماوية وتنكر أيضا العقول السليمة‏.‏

أعظم المنكر‏:‏ وأعظم المنكر الشرك بالله عز وجل‏.‏ ولهذا أول ما تأمر الرسل عليهم الصلاة والسلام بأعظم الطاعات‏:‏ وهو عبادة الله‏,‏ أول ما تنهى عن الشرك وأعظم المنكرات وهو عبادة غير الله عز وجل أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله‏,‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}‏ ‏[‏النحل/ 36‏]‏‏.‏

وكما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}‏ ‏[‏الأنبياء/ 25‏]‏‏.‏

وكذلك يدخل في المنكر كل المعاصي كبائرها وصغائرها‏.‏

‏"‏ فائدة قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏"‏

لا صلاح للبشرية إلا بقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ لأن طبيعة الاجتماع البشري أن الإنسان لا يعيش وحده‏,‏ وحتى لو عاش وحده فإنه يجب عليه أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر‏,‏ ولكن في المجتمعات البشرية يتأكد ذلك ويتعاظم وجوبه لأن من طبيعة البشر - إلا من رحم الله - العدوان والظلم بحكم النفوس الأمارة بالسوء وبحكم وجود شياطين الأنس والجن الذي يزينون للناس القبائح ويثبطونهم عن الطاعات‏,‏ وبحكم وجود المغريات من الشهوات المحرمة في كل وقت بحسبه‏,‏ فإن المجتمعات البشرية توجد فيها المغريات للوقوع في المحرمات من النساء والمآكل والمشارب والمكاسب‏,‏ فهناك مغريات فاتنة تغري كثيرًا من الناس لمقارفة المنكر وتثبط كثيرًا من الناس عن أداء الواجبات والمستحبات‏.‏

وبحكم أن هذا من لازم البشر‏,‏ اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يستقيم شأن الأمة وحتى تقاوم هذه الأمراض‏,‏ والأمم توجد مستشفيات لعلاج الأمراض الحسية التي تصيب الأبدان‏,‏ وتوجد الأطباء لمعالجة الأجسام‏,‏ وهذا شيء تحمد عليه وشيء مطلوب‏,‏ والمجتمعات كذلك تحاول توفير كل ما فيه بقاء المجتمع وقوة المجتمع‏,‏ ومن أعظم ما يهدده أمراض الشهوات والشبهات‏,‏ فإن أمراض الشهوات والشبهات أشد خطرًا من أمراض الأجسام‏,‏ لأنها أمراض تصيب القلوب وتصيب الدين الذي لا صلاح للبشر إلا به‏,‏ والقلوب هي ملوك الأجسام‏,‏ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‏,‏ وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب‏)‏‏.‏

فأمراض الشهوات والشبهات تصيب القلوب حتى تمرض أو حتى تموت‏,‏ إذا لابد من مقاومة هذه الأمراض وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ وكل مجتمع حتى ولو كان مجتمعًا إسلاميًا ولو كان الإيمان قد انتشر فيه لابد أن يكون هناك فيه من الفساق ومن ضعفاء الإيمان ولابد أن يكون هناك من يقع في المحرمات‏,‏ حتى في العهد النبوي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة التي هي أزكى القرون والتي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية‏:‏ ‏(‏خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم‏)‏‏.‏ قال الراوي‏:‏ لا أدري ذكر بعد قرنه اثنين أو ثلاثة في هذه القرون المفضلة وجد من يعصي‏,‏ وجد من يزني‏,‏ وجد من يسرق‏,‏ ولذلك أقيمت الحدود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين في القرون المفضلة لقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعلاج هذه الأمراض الفتاكة‏,‏ فما بالكم بالقرون المتأخرة‏؟‏ وما بالكم بالقرون التي نعيش فيها‏؟‏ وقد فتحت الدنيا وتقاربت البلدان واختلط العالم أقصاه بأقصاه‏,‏ وصار ما يحدث في أقصى المعورة يصل إلى أقصاه بسرعة‏.‏

ويتأكد إذن قيام جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الوقت والاهتمام به‏,‏ فليس هو الأمر الهين‏,‏ فالإنسان يجب عليه أن يأمر نفسه وينهاها‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَن طَغَى ‏.‏ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ‏.‏ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ‏.‏ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ‏.‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}‏ ‏[‏النازعات/ 37 -40 ‏]‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ‏.‏ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ‏.‏ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ‏.‏ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}‏ ‏[‏الشمس/ 7 - 10‏]‏

كذلك على الإنسان أن يأمر أهله وأهل بيته‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}‏ ‏[‏طه/ 132‏]‏‏.‏

‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}‏ ‏[‏التحريم/ 6‏]‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‏,‏ الإمام راع ومسؤول عن رعيته‏,‏ والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته‏,‏ والمرأة مسؤولة في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها‏,‏ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‏)‏‏.‏

وكذلك يمتد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من البيوت إلى الشوارع إلى المجتمعات‏,‏ لأن هذه من باب التعاون على البر والتقوى‏,‏ وهذا هو التكافل الاجتماعي الصحيح وهو أعظم التعاون على البر والتقوى‏,‏ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الدين النصيحة‏,‏ الدين النصيحة‏,‏ الدين النصيحة‏.‏ قلنا لمن يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم‏)‏‏.‏

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في هذه النصيحة‏.‏

‏"‏ حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏"‏

وما دام الأمر كذلك فيجب أن نعرف حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

فقد نص العلماء رحمهم الله على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على هذه الأمة لا خيار فيه‏,‏ ولكن هو واجب على الكفاية‏,‏ إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين‏,‏ وإذا لم يقم به أحد أثم عليه جميع أفراد الأمة‏,‏ ويسألها الله يوم القيامة عنه ويحاسبها عليه قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}‏ ‏[‏آل عمران/104‏]‏‏.‏

فقوله‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ}‏ ‏"‏من‏"‏ هنا حرف تبعيض‏,‏ أي تقوم جماعة فيها الكفاية وفيها السداد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع المسلمين‏,‏ وحينئذ تكون الأمة قد أدت هذا الواجب‏,‏ إذا جندت جماعة تقوم به على الواجب المطلوب‏,‏ ومع هذا يجب على الجميع التعاون مع هذه الجماعة وألا تلقى المسؤولية عليها‏,‏ بل يتعاون جميع المسلمين مع هذه الجماعة بما يتطلبه الأمر‏,‏ وكون هذه الجماعة هي القائمة عليه‏,‏ وإذا لم يقم به جماعة من المسلمين على الوجه المطلوب أثمت الأمة جميعًا‏,‏ وكل فرد من أفرادها يناله الإثم ويحاسب يوم القيامة‏,‏ لماذا أهملتم هذا الجانب‏؟‏ هذا هو حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه واجب لابد منه‏,‏ ووجوبه على الكفاية‏,‏ يعني‏:‏ أن لابد أن تقوم جماعة من المسلمين يكلفها ولي الأمر ويجندها لمتابعة هذا الجانب والقيام به على خير وجه‏,‏ ويجب على المسلمين أن يتعاونوا مع هذه الجماعة وأن يناصحوها وأن يبذلوا معها ما يستطيعون‏,‏ لان المسلمين كما شبههم النبي صلى الله عليه وسلم كالبنيان يشد بعضة بعضًا‏,‏ وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى‏.‏ هذا هو حكم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على هذه الأمة لان قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم‏}‏ خطاب لهذه الأمة‏,‏ فقوله‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏آل عمران/ 110‏]‏‏.‏‏.‏قال المفسرون‏:‏ كنتم خير الناس للناس‏.‏

‏"‏ لماذا شرع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر‏؟‏ ‏"‏

لأنه لا يكفي الإنسان أن يكون صالحا في نفسه‏,‏ بل عليه أن يصلح نفسه ويصلح الآخرين‏:‏ ‏(‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏)‏‏.‏ وكما أنك تحب لنفسك دخول الجنة والنجاة من النار فتعمل بطاعة الله وتجتنب معاصي الله كذلك تحب لإخوانك دخول الجنة والنجاة من النار‏,‏ ولا يكون ذلك إلا بأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ وأنت حين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر تريد لهم الخير‏,‏ لا تريد إظهار نقص فيهم ولا إظهار عيب ما ولا الحط من قدرهم ولا تعييرهم‏,‏ وإنما تريد نفعهم‏,‏ تريد إنقاذهم من النار ودخولهم الجنة‏,‏ كيف تتركهم يقعون في النار وأنت تقدر على إنقاذهم بأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر‏؟‏ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها - يعني‏:‏ أن بعضهم صار في الطابق العلوي وبعضهم صار في الطابق السفلي‏,‏ والطابق السفلي أقرب إلى الماء - فكان الذين في الطابق السفلي إذا أرادوا الماء يصعدون إلى الطابق العلوي للحصول على الماء‏,‏ فقالوا‏:‏ لو خرقنا في نصيبنا خرقا لنأخذ منه الماء‏,‏ - أي من الجانب السفلي- ولا تؤذى من فوقنا - بأن نصعد إليهم ونتردد عليهم‏,‏ ومعلوم أن السفينة إذا خرقت دخلها الماء وغرقت وغرق أهل الطابق الأعلى والطابق السفلي - ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا‏)‏‏.‏

هكذا المجتمع‏,‏ أهل الطابق الأعلى فيه هم ولاة الأمور والعلماء وأهل الرأي وأهل العقول السليمة‏,‏ ومن دونهم هم بعض القصار وبعض الفساق وبعض ضعاف الإيمان‏,‏ هؤلاء في الطابق السفلي‏.‏ فيجب على أهل الطابق العلوي من أهل الإيمان والعقول أن يأخذوا على أيدي هؤلاء‏,‏ بأن يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر حتى تحصل النجاة للجميع‏,‏ وأما إذا تركوهم يقعون في المعاصي فهم كمن تركوا أهل الطابق السفلي في السفينه يخرقون فيها‏,‏ لأن العقوبة إذا نزلت عمت الجميع‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً‏}‏‏.‏

عمت الصالح والطالح‏,‏ عمت الطالح لمعصيته وعمت الصالح لسكوته وتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

إذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لهذه الأمة‏,‏ متى تحقق ووجد فإن هذا علامة نجاتها وسلامتها‏,‏ ومتى عدم هذا الجانب - ولا حول ولا قوة إلا بالله - أو ضعف فإن هذا علامة هلاك الأمة‏,‏ ولهذا لما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم إذا كثر الخبث‏)‏‏.‏

‏"‏ ما أصاب المجتمعات في هذا العصر بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ‏"‏

المجتمعات المعاصرة وما فيها الآن من النكبات وما فيها من الفتن وما فيها من البهيمية وضياع الأخلاق وضياع الأعراض واختلال الأمن‏,‏ تسمعون من ذلك الشيء الكثير‏,‏ حتى وإن كانت تملك السلاح وتملك القوة والمخترعات‏,‏ لكنها ضائعة في أخلاقها‏,‏ وفي أعراضها‏,‏ مهددة في أمنها‏,‏ أما الأمة التي تؤمن بالله ورسوله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‏,‏ فإنها آمنة كما ترون والحمد لله في هذه البلاد‏,‏ ونرجو الله أن يتم نعمته‏,‏ وأن يديم عليها فضله‏,‏ وأن يجعلها أمة صالحة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر‏,‏ هذا جانب عظيم يا عباد الله‏,‏ وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة‏,‏ وقد نص الله تعالى عليها في كتابه الكريم‏,‏ فأخبر سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب الاستقرار والتمكين في الأرض‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ‏.‏ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}‏ ‏[‏الحج/ 40 ‏,‏41‏]‏‏.‏

أخبر سبحانه بل أقسم سبحانه وتعالى أن ينصر من ينصره‏,‏ فمن هم الذين ينصرون الله‏؟‏ هم الذين ينصرون دين الله عز وجل ثم بينهم بقوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}‏ ‏[‏الحج/ 41‏]‏‏.‏

إذا فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سبب للأمن والاستقرار والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض‏,‏ وأخبر سبحانه وتعالى أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ينجى من عذاب الله‏,‏ إذا نزل في الأرض لا ينجو إلا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر‏,‏ أما الساكتون والمداهنون فإنهم يهلكون ولو كانوا صالحين‏,‏ يهلكون مع العصاة‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ}‏ ‏[‏الاعراف/ 163‏]‏‏.‏

نهاهم الله عن صيد السمك يوم السبت ابتلاء وامتحانًا لهم‏,‏ ولكنهم احتالوا عليه ونصبوا له الشباك وحفروا الحفر يوم السبت فصاروا يأخذونه يوم الاحد احتيالًا على ما حرم الله عز وجل‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}‏ ‏[‏الاعراف/ 163‏]‏‏.‏

حتى أن الله سبحانه وتعالى سلط عليهم الحيتان تأتيهم وتكثر في اليوم الذي نهوا عن صيدها فيه ابتلاء لهم وامتحانا فأغراهم ذلك بأن يحتالوا على أكلها ‏{‏كَذَلِكَ نَبْلُوهُم}‏ يعني نختبرهم ‏{‏بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}‏‏,‏ ‏{‏وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏.‏ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ‏}‏ ‏[‏الاعراف ‏:‏164‏,‏ 165‏]‏‏.‏

لما نزل العذاب لم ينج إلا الذين نهوا عن المنكر‏,‏ أما الذين سكتوا فلا يدري هل هم من الناجين أم هم مع الهالكين‏؟‏ ولما ذكر سبحانه وتعالى في سورة هود ما وقع في الأمم السابقة من النكبات والعقوبات والهلاك‏.‏ قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ‏.‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏هود| 116، 117‏]‏‏.‏

ما قال صالحون فقط بل قال‏:‏ ‏"‏مصلحون‏"‏ والمصلحون هم اللذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ}‏ ‏[‏هود/116‏]‏‏.‏

فذكر أنه سبحانه وتعالى نجا هؤلاء القليل اللذين ينهون عن الفساد في الأرض‏,‏ وأن الأكثرين هلكوا لأنهم لا ينهون عن الفساد في الأرض‏,‏ وكما أن الإنكار سبب للنجاة من العذاب والعقاب، فإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للهلاك‏,‏ وسبب للعنة الله سبحانه وتعالى ،قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ‏.‏ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}‏ ‏[‏المائدة 78‏.‏ 79‏]‏‏.‏

وقد تلى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على أصحابه‏,‏ فقال عليه الصلاة والسلام ‏(‏كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرونه على الحق أطرا، أو ليضربن الله على قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم‏)‏‏,‏ والله جل وعلا خص علينا هذا لأجل أن نحذر من الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء، حتى لا تحق علينا لعنة اله عز وجل وغضب الله، إذا لابد من وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي هي خير أمة أخرجت للناس‏,‏ قال أبو هريرة‏:‏ كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأتون بهم يقادون في السلاسل حتى يدخلون الجنة، بمعنى أنكم تأسرون الكفار ثم يسلمون ويدخلون الجنة‏,‏ فأسرهم كان لمصلحتهم وإنقاذهم من عذاب الله، فهذا من فضل هذه الأمة الذي منحه الله لها‏.‏

‏(‏‏(‏الحكمة من مشروعية الجهاد في سبيل الله‏)‏‏)‏

المسلمون لا يجاهدون الكفار طمعًا في أراضيهم أو طمعًا في أموالهم، وإنما يجاهدون لأجل إنقاذهم من النار إن اهتدوا‏.‏ ولأجل إراحة المسلمين منهم وتطهير الأرض من شركهم وكفرهم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه‏}‏ ‏[‏الأنفال / 39‏]‏‏.‏

هذا هو الغرض من الجهاد الذي هو أعظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ وهو مزية عظيمة لهذه الأمة تجاهد الناس لأجل مصلحة الناس، ولأجل إدخالهم في الجنة وإنقاذهم من النار، إذا عرفنا فائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التهاون فيه‏.‏

‏(‏‏(‏الصفات التي يجب توافرها فيمن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر‏)‏‏)‏

لكن ما كل أحد يصلح لأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر‏,‏ لابد من صفات تتحقق في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتحلى بثلاث صفات ‏:‏

الصفة الأولى‏:‏ العلم‏:‏ بأن يكون عالمًا يأمر به وبما ينهى عنه، يعلم ما هو المنكر من المحرم والمكروه، وبعبارة أخرى‏:‏ يعلم ما هو المنهي عنه شرعًا وحتى ينهى عنه، ويعلم ما هو المأمور به شرعًا حتى يأمر الناس به‏,‏ لابد أن يكون على جانب من العلم، يعلم به ما هو المنكر ويعلم ما هو المعروف، فإن أمر ونهى بغير علم فإن ضرره يكون أكثر من نفعه؛ لأنه قد يأمر بما ليس بمشروع وينهي عما كان مشروعًا، وقد يحلل الحرام ويحرم الحلال وهو لا يدري، يتكلم بغير علم، فهذا ضرر أكثر من نفعه إن وجد فيه نفع فالضرر أكثر والخطر أعظم، هذه هي الصفة الأولي‏.‏

* الصفة الثانية‏:‏ الرفق‏:‏ أن يكون رفيقًا حكيمًا بما يأمر به وفيما ينهي عنه‏.‏

* الصفة الثالثة‏:‏ أن يكون صبورًا على الأذى‏.‏ إذا ثلاث صفات‏:‏ العلم‏,‏ والرفق، والصبر‏.‏ ‏(‏‏(‏الصفة الأولي‏)‏‏)‏ وهي العلم تكون قبل الأمر والنهي ‏(‏‏(‏الصفة الثانية‏)‏‏)‏ وهي الرفق تكون في حالة الأمر والنهي، ‏(‏‏(‏الصفة الثالثة‏)‏‏)‏ وهي الصبر تكون بعد الأمر والنهي‏.‏ ‏(‏‏(‏والرفق‏)‏‏)‏ بأن يرفق الناس‏,‏ ويأمرهم بطريقة حكيمة، وطريقة رفيقة لأنه يريد بهم الخير ويكون تأثيره فيهم أبلغ‏.‏

‏(‏‏(‏الأمور التي يجب أن ينظر إليها قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏)‏‏)‏

* الأمر الأول‏:‏ أن ينظر في نتيجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أن يدخل فيه، ما الذي يترتب عليه، ما الذي يحصل إذا أمر ونهي‏؟‏ وفي ذلك ثلاث حالات ‏:‏

* الحالة الأولي‏:‏ أن يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زوال الحالة يتأكد الأمر بالمعروف ويجب لأنه إزالة شر وإقرار خير‏.‏

الحالة الثانية‏:‏ ألا يزول المنكر كله ولكن يخفف، وفي هذه الحالة أيضًا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر تخفيفًا للشر، لأنه إذا لم يمكن إزالته بالكلية فعلى الأقل يخفف‏.‏

الحالة الثالثة‏:‏ العكس بأن يترتب على الإنكار حصول منكر أعظم أو مساو، ففي هذه الحالة يتوقف الإنسان لأنه إذا ترتب على إنكاره حصول معصية أكبر منها فإنه لا يجوز الإنكار إلى أن يفتح الله سبحانه وتعالى ويأتي الله بالفرج، ويكون هذا من باب ‏(‏‏(‏ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما‏)‏‏)‏ هذه قاعدة معروفة في الدين، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تجد هذا واضحًا، فيوم أن كان بمكة عليه الصلاة والسلام وكان يري الأصنام ويري غيرها لكنه يقتصر على دعوة الناس إلى التوحيد وإلى العبادة ولم يكسر الأصنام ولم يحطمها لأنه يترتب على هذا شر أشد وهو القضاء على الدعوة والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام / 108‏]‏‏.‏

فإذا ترتب على مسبة الأصنام ومسبة المعبودات أن تسلط الكفار ويسبوا الله عز وجل فهذه مفسدة أعظم، و‏(‏‏(‏درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‏)‏‏)‏‏.‏ هذا من جانب النظر فيما يثمره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس التوقف معناه‏:‏ أننا نعطل هذا الشي بل معناه أن نعمل ما نستطيع من الدعوة والترغيب والبيان، وأما إزالته فتتوقف حتى تكون بأيدينا المقدرة الكافية‏.‏

‏((‏النظر في حالة الشخص الواقع في المعصية ومعاملته بحسبها‏)‏‏)‏

وكذلك من الرفق أو من الحكمة النظر في حالة الشخص الذي يؤمر وينهي، والذي وقع في المعصية ثلاث حالات ‏:‏

الحالة الأولي‏:‏ يكون جاهلًا أنها معصية وجاهلًا أن هذا لاشي محرم، فهذا يكفي أنك تبين له، فنقول‏:‏ فلان فعلت معصية، يا فلان فعلت محرمًا‏,‏ فإذا وقع فيه عن جهل فإنه سيتركه‏.‏

الحالة الثانية‏:‏ أن يعلم أنه فعل مصيبة وأنه فعل محرمًا فهذا يوعظ ويخوف بالعقوبة‏.‏

الحالة الثاثة‏:‏ أن يجادل ويأتي بشبه فهذا يجادل بالتي هي أحسن حتى تدحض شبهته‏.‏

‏((‏حالات الناس اليوم مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏)‏‏)‏

الناس في هذا الوقت ثلاثة أصناف طرفان ووسط ‏:‏

الطرف الأول‏:‏ أناس تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولاحول ولا قوة إلا بالله، وهذا ترك لواجب عظيم من واجبات الإسلام، وهدم لأعظم المقومات لهذا الدين، وتسلط لأعداء الله ورسوله‏,‏ وتسلط للعصاة والمفسدين، فإن الشر إنما ينتشر إذا عطل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه يصبح بدون مقاوم، وأنتم تعلمون أن شياطين الأنس والجن إذا سنحت لهم الفرصة فإنهم ينشرون شرهم بسرعة وبشتى الوسائل ولا يقاومهم إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المؤيد بالسلطان‏.‏

الطرف الثاني‏:‏ أناس تشددوا في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرجوه عن إطار الحكمة والموعظة الحسن إلى إطار التنفير والتشديد ومواجهة الناس بالغلظة والقسوة، وهذا لا يجوز ولا يصلح أن يكون أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، فإذا جاء أحدهم على إنسان جاهل ارتكب معصية في المعاصي فعنفه ووبخه تكلم في حقه وجرحه، فهذا ليس من الحكمة، أو زاد في إنكاره عليه أكثر من اللازم، هذا الجانب الأول، كلاهما خطأ‏.‏

أما الوسط‏:‏ وخير الأمور أوساطها، وقد جعل الله هذه الأمة أمة وسطًا فهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الإنسان الذي يواجه الناس ويأمرهم وينهاهم يحصل له أذى بلا شك، بالقول أو بالفعل، يواجه الناس مواجهات، فلابد أن يصبر، وإذا لم يكن صبورًا فإنه سيقف في أول الطريق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‏.‏ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ‏.‏ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/ 125 -127‏]‏‏.‏

وقال لقمان لابنه في جملة ما أوصاه به‏:‏ ‏{‏يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}‏ ‏[‏لقمان /17‏]‏ فدل هذا على أن الذي يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى الصبر، لأنه في مقابل الأمر والنهي مشقة من الناس وتعبًا، فلا بد أن يصبر‏.‏

والصبر معناه، حبس النفس وهو ثلاثة أنواع ‏:‏

حبس النفس على طاعة الله‏.‏

وحبس النفس عن معصية الله‏.‏

وحبس النفس عن الجزع لأقدار الله المؤلمة‏.‏

ويكون للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر النصيب الأكبر من الصبر والتحمل، وتعرفون ما جري على الرسل عليهم الصلاة والسلام خلال ما قصه الله عن أول الرسل نوح عليه السلام وأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله، قال تعالى‏:‏‏{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏.‏ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ‏.‏ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ‏.‏ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏.‏ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا ‏.‏ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا ‏.‏ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ‏.‏ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ‏.‏ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ‏.‏ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ‏.‏ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا‏}‏ إلى آخر السورة ‏[‏نوح/ 1 -11‏]‏‏.‏

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، ماذا لقي من قومه في مكة وهو يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل‏؟‏ وكيف قابلوه بالأذى بالقول والفعل، وقالوا‏:‏ ساحر، قالوا‏:‏ كاهن، قالوا‏:‏ إنه يتعلم من غيره من النصارى أو من أهل الكتب السابقة، معلم مجنون، قالوا‏.‏‏.‏‏.‏وقالوا، لأكرم الخلق عليه الصلاة والسلام، وضعوا له الأذى في الطريق ووضعوا عليه الأذى وهو ساجد عليه الصلاة والسلام، وضربوه بالحجارة حتى أدموا عقبه عليه الصلاة والسلام في الطائف، شجوه في أُحد وكسروا رباعيته، وهشموا المغفر على رأسه عليه الصلاة والسلام وماذا كانت النتيجة‏؟‏ كانت النتيجة أن نصره الله عز وجل وماذا قابلهم به بعد أن نصره الله ودخل مكة بعد ثمان سنوات من الهجرة ومعه جيوش الإسلام وكتائب التوحيد، حتى استولى على مكة وظفر بأعدائه وجلسوا تحت قدمه عليه الصلاة والسلام، وقال لهم ‏:‏‏(‏‏يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ‏اذهبوا فأنتم الطلقاء‏‏)‏، هذه سيرة الرسل عليهم الصلاة والسلام، صبر وانتظار للفرج، وفي النهاية تكون العاقبة لهم بالنصر والنجاة، ‏{‏ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ}‏ ‏[‏يونس /103‏]‏‏.‏







التوقيع :
[flash=http://www.geocities.com/qtqt666/club.swf]WIDTH=250 HEIGHT=150[/flash]


ابتسم في وجه اخيك ... فما أجملنا بهذه الخصال