وعلى هذا الطراز سار المؤلف يكتب كلمة ويدع أخرى ليكون طوع أهوائه ، ثم نتساءل : لماذا لم يكتب المؤلف بقية الآثار التي أوردها نعيم بن حماد وهي تزيد عن مئة وخمسين أثراً ؟! الجواب طبعاً معروف .. وانظر إلى ما لم يكتبه المؤلف عن السفياني :-
1- اسم السفياني : عبدالله .
2- يملك السفياني حمل امرأة – يعني مدة حكمه تسعة أشهر - .
3- بداية أمر السفياني : خروجه من قرية من غرب الشام يقال لها أندرا في سبعة نفر . وغير ذلك .
تنبيه : واعلم أن إيرادي لهذه الآثار لا يعني احتجاجي بها ، فإنها آثار لا تصح ، بل لا يصح في أحاديث السفياني شيء يمكن الاعتماد عليه ، ولكن أورد هذه الآثار من باب الرد على المؤلف الذي ارتضى لنفسه أن يحتج بمثلها ، ولكنه ترك هذه الآثار مع أن بابها واحد ومخرجها واحد .
الرابعة من القرائن : عن خالد بن معدان قال : ( يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك ) . إسناده ضعيف راجع الفتن برقم ( 824 ) . ناقش المؤلف هذا الأثر وهو ليس بحديث ، وخلص إلى أمور :
1- أن الجماعة ليسوا هم جماعة المسلمين بل هم قوات التحالف بقيادة أمريكا ضد العراق .
2- أن صدام لم يُهزم من قوات التحالف رغم الحصار .
والجواب عن ذلك :
أولاً : ادعاؤه أن الجماعة هم قوات التحالف ، ادعاء باطل بل إن الأثر الذي ساقه بيين أن الجماعة هم جماعة البربر وليسوا قوات التحالف ، ثم إن الأثر نفسه أورده نعيم بيين أن ذلك عند دمشق ، وقبله أحداث لا تتوافق مع الواقع الذي قاله المؤلف .
ثانياً : ادعؤه أن صدام لم يهزم ، وهذ فيه من المغالطة ما فيه ، والواقع يشهد بذلك .. وتعجبوا معي : موت أكثر من مليون طفل عراقي جوعاً ليست بهزيمة ؟! شعب العراق الذي يبحث عن الطعام في المزابل ليست بهزيمة ؟! كم في العراق من أرامل وثكالى ، وكم في العراق من يتامى ومشردين ، ليس هذا بهزيمة .. ما من بيت في العراق إلا وفيه مصابوا الحروب ، كل هذا عند المؤلف انتصار ، لماذا ؟ لأن المهم صدام ..
الخامسة من القرائن : قال المؤلف : وهناك قرائن أخرى غير أننا نكتفي بما أوردناه . ثم ساق بالهامش قرينة يعتبرها ويعتز بها قال : أخبرني رجل مسلم فاضل من الحيرة ( تأمل لهذا الوصف ، ثم انظر ما يقول بعده ) لاأعرفه ولا يعرفني ، فقد اتصل بي عبر الهاتف !!! ثم ساق رؤيا يبشره بها ذلك المجهول ، وهذا من أعجب ما يكون في توثيق المجاهيل ..
يقول : رجل مسلم فاضل !! ثم يقول : لا أعرفه ولا يعرفني !! ولا أعلق على هذا الكلام ، بل أتركه للقارئ متأملاً ؛ فإنه فعلاً يثير العجب والضحك .
اعتبر مؤلف كتاب ( هرمجدون ) أن فتنة السراء تبدأ بغزو العراق للكويت ، وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ذكر الفتن إلى أن قال ( ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ) واعتبر المؤلف أن هذا الرجل هو أمير الكويت ، وأن فتنة السراء هي الكنوز والثروات والبترول .
ثم أورد أثراً يصفه بأنه عجيب عن أستاذه محمد عيسى داود لمخطوط أورد له رقماً لمؤلف سماه : كلدة بن زيد بن بركة المدني ، وأورد شيئاً من هذا الأثر ، ثم عضد ذلك بجزء من حديث مكذوب آخر ..
والجواب عن هذا الكلام : أولاً : هذا الأثر مكذوب كسابقه ولايعرف في المؤلفين من اسمه كلدة بن زيد .. ثم إن الأستاذ محمد عيسى داود لا علم له بالمخطوطات ولا يعرف له اهتمام بهذه المخطوطات ، فكيف يعتمد عليه في نقل لم ينقله أحد من علماء الأمة رغم توسعهم أحياناً في باب الفتن !! حتى إنهم ذكروا الضعيف بل الموضوع ..
وأما اعتقاد المؤلف بأن فتنة السراء هي الكنوز والبترول وبالتالي غزو العراق ، فهذه أضحوكة لأن أغلب الحروب إن لم تكن كلها كانت من هذا القبيل ، فهل قال أحد أن الاستعمار الغربي لبلادنا كان من فتنة السراء ؟!
فرار حاكم الكويت إلى أمريكا : أورد المؤلف أثرين يدلل فيهما على أن استنجاد حاكم الكويت ، أول الملاحم ، قال : روى نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيكون في بني أمية رجل أخنس بمصر – قال المؤلف أي ببلد – يلي سلطاناً يغلب على سلطانه أو ينتزع منه ، فيفر إلى الروم ، فيأتي الروم إلى أهل الإسلام ، فذلك أول الملاحم ) . كتاب الفتن برقم ( 1240 ) و ( 1253 ) وهو أثر ضعيف .
ثم أورد الأثر الثاني عن عمرو بن العاص قال : ( إذا رأيت أو سمعت برجل من أبناء الجبابرة بمصر له سلطان يغلب عن سلطانه ، ثم يفر إلى الروم فذلك أول الملاحم ، يأتي الروم إلى أهل الإسلام ) . نفس الرقم السابق ..
ورأى المؤلف فرصة لأحداث الكويت أن يوقع هذه النصوص عليها ، والجواب على ذلك من وجوه :-
الوجه الأول : أن الأثرين ضعيفان ، ففي الأول ابن أبي ذر مجهول ، وفي الثاني ابن لهيعة ، وقد اختلط .
الوجه الثاني : أن تفسيره بمصر أي ببلد تعسف ، فمصر المقصود بها هي مصر الدولة المعروفة ، ولذلك ففي الآثار المجاورة لهذا الأثر ورد ذكر الاسكندرية . رقم ( 1253 ) .
الوجه الثالث : أن المؤلف لم يكمل بقية النص الثاني ، وفيه تحديد مصر لأن بقية النص هكذا : ( فقيل له : إن أهل مصر سيسبون فيما أخبرنا وهم إخواننا ، قال : نعم ) . ولو كانت مصر بمعنى بلد لكان السؤال : إن أهل المصر – بالألف واللام – ولم يقل أهل مصر ، فتأمل ..
الوجه الرابع : أن في النص الأول ورد صفته بأنه رجل من بني أمية ، فهل حقق المؤلف أن حاكم الكويت من بني أمية ، مع العلم أنه عندما ذكر أن فتنة السراء سببها حاكم الكويت جاء في نص الحديث ( رجل من أهل بيتي ) فهل حقق المؤلف هذا النسب !! إنها الفوضى في مجال العلم ..
وللفائدة : فإنه لم يصح حديث فيمن يقال عنه الأخنس ، كما لا تصح أحاديث السفياني .. فتنبه .. فإن التمسك بالأحاديث الصحيحة عصمة ونجاة ..
وقد ترتب على هذا العبث بأشراط الساعة أشياء :-
1- كُذبت النصوص الصحيحة .. وزعم أنها كلها موضوعة .
2- إبطال معاني الأحاديث الصحيحة بالتأويل الفاسد .
3- الخوض بغير علم في قضية تحديد عمر الأمة .
4- الغلو في محاولة مطابقة ما ورد في النصوص على وقائع وأحداث معينة أو على أشخاص معينين رجماً بالغيب .
5- محاولة توظيف النصوص لخدمة مآربهم ، والتعسف في تفسيرها بما يتوافق مع أغراضهم .
6- الاستدلال بما لا يصح دليلاً ؛ كالاسرائيليات القديمة والحديثة والأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ومرويات الرافضة وحساب الجمل وما يسمى علم الحروف .
وبالجملة فكل من حاد عن الوسطية في هذه القضية إلى جفاء المنكرين ، أو إلى غلو المثبتين ، فقد تورط في جريمة القول على الله بغير علم ، والعبث بأشراط الساعة ..
والحمد لله رب العالمين