قصي صدام حسين
ولد قصي، 36 عاما، في مناخ سياسي تسوده لغة العنف، فحفظ منذ أيام تنشئته الأولى أن سلاح الترهيب هو وحده سر استمرار نظام أبيه هذه الحقبة القياسية في بلد لم يتعود الإذعان لسلطة، وأن الذراع الاستخباراتي هو أفضل بوتقة لصهر شعب عراقي صعب المراس.
وبالرغم من تخرجه من كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد واجتيازه دورات مكثفة في العلوم العسكرية والإدارية، إلا أن الهاجس الأمني الذي كان مسكوناً به استحوذ على حيز واسع من تفكيره وبالتالي من عمله المستقبلي.
ولا غرابة في أن يتولى قصي، مدفوعاً جزئياً برغبة أبيه، مسؤولية قيادة الحرس الجمهوري وجهاز الأمن الخاص والنيابة الثانية للرئيس العراقي في أمانة سر المكتب العسكري والإشراف على مجلس الأمن القومي الذي يضم وزارتي الدفاع والداخلية إضافة إلى رؤساء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد.
وبما أنه تمتع بثقة أبيه المطلقة، فقد تعزّز مركز قصي في هرم السلطة وبنية النظام أكثر فأكثر عندما قرر المؤتمر الثاني عشر لحزب البعث الحاكم في17 مايو (ايار)2001 انتخابه عضواً جديداً في التركيبة الجديدة للقيادة القطرية. وأوحى انعقاد هذا المؤتمر على عجل، بأن الهدف كان الإفساح في المجال للابن الأصغر لاكتساب شرعية تمهد الطريق له كحلقة أولى في مسلسل يؤهله، بحكم مناصبه المتعددة، أن يغدو الرجل الثاني في بنية النظام القائم والخليفة المنتظر.
وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.ايه) كانت تعتبر قصي رجل المهمات الحساسة، الذي يقوم بالاتصالات السرية جداً وينفذ العمليات الخاصة.
وعندما يسند الأب إليه مهمة فهو ينطلق إلى تأديتها بلا تردد أو هوادة. فقد ساعد أباه على التخلص بسرعة من أي تهديد حقيقي أو محتمل لزعزعة النظام باستخدامه أدوات قمع مختلفة الشدّة. وامتلك قصي، في هذا الخصوص، سلطات واسعة في استجواب وحبس وإعدام السجناء السياسيين وعائلاتهم، وهو أصدر أوامر دورية خلال الأعوام 1999 -1988 بإعدامات جماعية لاعداد من نزلاء السجون، في عمليات أطلق عليها «تنظيف السجون»، خصوصاً في سجني أبو غريب والرضوانية.
وتشير المعطيات الضئيلة المتاحة عن شخصية قصي الى أنه يتمتع بشخصية كتومة، متحفظ إلى درجة الحياء، لا يقبل على الآخرين بسهولة، ولا يتكلم إلا قليلاً حتى يبدو للمراقب وكأنه بلا روح.
ومما يشاع عنه أنه يميل إلى الحلول العملية وإنجاز الأفعال أكثر من التعمق في الأفكار والغرق في التنظير، يفضّل الأفكار البسيطة والإجابات الواضحة، ويضايقه الكلام المنمق، الكلام الذي يخفي، في نظره، الكثير من العجز.
وبخلاف أخيه الأكبر عدي، لا يحب قصي الأضواء كثيراً ويتجنب الظهور أمام وسائل الإعلام المرئية ولا يتحدث إلى الصحافة إلا لماماً وبمناسبات زمنية متباعدة ويتحاشى المشاهد الاستعراضية والمجانية.
أسلوبه في تسيير عجلة المؤسسات الأمنية التي يشرف عليها لا يختلف كثيراً عما دأب والده في اتباعه; الأسلوب الذي يرتكز على عنصرين جوهريين لا ثالث لهما: الولاء المطلق للنظام وتقديس الذراع الاستخباراتي. الولاء المطلق للنظام يأتي قبل أي شيء آخر; فهو يراقب كل شيء ويهتم بكل شيء ولا تخفى عليه حتى التفاصيل. إنه قائد ولد ليأمر فيطاع. وفي المقابل، ينطوي عقله الباطن على شعور يحمله باستمرار إلى تقديس الذراع الاستخباراتي; فمنذ أن أوكلت إليه مهمة إعادة تنظيم أجهزة الاستخبارات والأمن الداخلي، راح يثبّت مريديه في مناصب حساسة، سواء كان في جهاز الأمن الخاص أو في أمــانة المكتب العسكري أو في مجلس الأمن الوطني بغية إحكام قبضة النظام الحديدية على الوضع الداخلي، ولإقامة طوق منيع حول البلاد والعباد، وكأنه رجل مطارد يتربص به الموت وهو يفتش عن وسيلة للبقاء. وليس أمرا مستغرباً قول بعض المراقبين انه يتميز باليقظة والحذر الدائمين، وكثيراً ما كان يتنقل وفي زناره مسدس كشرط لازم لبقائه على قيد الحياة، ويتمتع بحاسة قوية تنذره بدنو أجله، وهو نجا من محاولات اغتيال عدّة.
إلى ذلك، كانت أهمية دور قصي في أنه أدرك، بعد أحداث مارس (آذار) 1991، ضرورة تأسيس قوات الحرس الجمهوري الخاص الذي تقدره مصادر عسكرية غربية، بنحو15 ألف جندي يدينون جميعاً بالولاء المطلق للنظام، وهي قوات عسكرية مساندة للمؤسسة العسكرية ورديفة لها في آن. فما دام الجيش العراقي قادراً على الدفاع عن النظام القائم ولم ينقسم على نفسه يبقى الحرس الجمهوري الخاص مسانداً له. ولكن في حال انهيار الجيش أو تقاعسه في أداء المهام الموكلة إليه، تقوم هذه القوات على الفور، لكونها قوة احتياط استراتيجية، بالحلول محله للدفاع عن النظام ضد «العدو الداخلي» أي ضبط الأمن في البلاد وإن مؤقتاً. لقد أدى نجاح هذه القوات في «ضبط الأمن الداخلي» إلى تبدّل أساسي في وظيفة المؤسسة العسكرية; إذ انتقلت قوات الحرس الجمهوري الخاص من دور المحافظة على ديمومة النظــام وأداة للقمع تستعمل بين الفينة والأخرى، إلى أن تصبح العمود الفقري لهذا النظـــام، ولتصبح «جيشاً» موازياً للجيش النظـامي، وسيطرة قصي عليها مطلقة.