عدى صدام حسين
عدي، البالغ من العمر 38 عاماً، هو، بحق، الابن الأكبر العنيف والطائش سانتينو.
عصبي المزاج، قليل الصبر. يعتبره البعض عنصر جذب والبعض الآخر عامل شغب للنظام. والحقيقة أنه هذا وذاك معاً، فهو أثار التأييد المطلق بين مريديه والعداء المطبق لدى خصومه.
أدرك عدي منذ نعومة أظفاره أنه قبل أي شيء الابن الأكبر لحاكم صارم، وان عليه ان يواجه، ولو الى حين، استحقاق الخلافة، ولكنه لم يكن يعرف على وجه اليقين كيفية ادارة اللعبة.
انه شخصية مركبة من صفات عديدة، ولكن ليس من بينها الحكمة والتروي وتقوية الأوراق الرابحة، الصفات التي يتحلى بها، عادة، رجل الدولة. يتكلم أكثر مما يستمع، يسرد الحكايات من دون أي منطق داخلي متماسك. في وسعه أن يتبنى بادرة في الصباح ونقيضها في الليل من دون أن يحرك ساكناً، وبالتالي لا شيء فيه كان يدعو أنه سيغدو ذلك المثال.
ميله الطبيعي الى العنف جعل منه شخصاً لا يمكن التكهن بتاتاً بردود فعله. ففي العام 1988، وهو ما زال في مطلع العقد الثاني من عمره، أطلق النار على أحد مساعدي والده في حفل رسمي في بغداد فأرداه قتيلاً أمام انظار العديد من مسؤولي الدولة.
وهناك روايات عدة تتناقلها ألسن العراقيين عن جنوحه المستمر للعنف، ربما أكثرها حضوراً في ذهن مواطني العراق تلك الحادثة المتعلقة بمقتل كامل حنا ججو الذي كان أحد طباخي القصر الرئاسي. ففي ليلة من ليالي بغداد في العام 1988، كان ثمة حفل في مكان ما على نهر دجلة حين عاجله عدي بضربة على رأسه فارق على اثرها الحياة، الأمر الذي استدعى والده الى التدخل وابعاده من البلاد، وان بصورة مؤقتة.
هذه الأحداث المتلاحقة سرّعت في قرار ابعاده عن سباق الخلافة لصالح أخيه الأصغر قصي. ولكن الأب سمح له بالاحتفاظ بموقعه كرئيس لـ«اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية» حيث يشاع أنه غالباً ما يلجأ الى الاعتداء على رياضيين لعدم احرازهم نتائج ايجابية.
في العام 1994، أدرك ضرورة تأسيس ميليشيا اطلق عليها اسم «فدائيو صدام» كقوة قمع حسنة التدريب، طويلة اليد، متفوقة التجهيز، تضرب بسرعة وبصورة موجعة كل أشكال المعارضة الممكنة، ان جاءت من ضمن المؤسسة العسكرية بصورة مشروع انقلاب، أو من داخل المجتمع الأهلي بصورة تمرد أو عصيان. واذا كان تذوق طعم العنف ليس جديداً عليه، فإن حدته فاقت كل توقع. ففي العام 1995 أطلق عدي النار على عمه وطبان ابراهيم الذي كان يشغل، آنذاك، منصب وزير الداخلية مما تسبب في اصابته باعاقة دائمة.
انه يبدو متحررا من الرسميات. نادراً ما يرتدي بدلة رسمية أو يعقد ربطة عنق، ويرتاح الى ارتداء الزي الشعبي العراقي أو بنطلونات «الجينز»، ويحب النساء والمال. انه مراهق السياسة العراقية. وعلى الرغم من تعدد زيجاته، الا أنه لم ينجب وريثاً. وتفيد شائعات كثيرة يرددها العراقيون في محافلهم الخاصة عن قيام عدي باختطاف نساء حتى من بين أحضان أزواجهن لاشباع نهم لا يدرك له قرار.
لكن الأمر الأهم هو سيطرته على تجارة العراق الخارجية، تصديراً واستيراداً. وحسب مصادر استخباراتية أميركية، استطاع عدي الحصول على عمولات بلغت مئات الملايين من الدولارات من خلال عمليات تهريب الكحول والسجاير الى البلاد، اضافة الى حصوله على حصة من عائدات النفط العراقي المهرّب بصورة غير شرعية. في 12 ديسمبر (كانون الأول) 1996، نجا عدي من الموت. ففي هذا اليوم حدث ما لا يخطر على بال أحد: تعرض عدي لمحاولة اغتيال أصيب خلالها بعدد من الرصاصات التي اخترقت أنحاء مختلفة من جسده أطلقها عليه مسلحان في حي المنصور ببغداد، نجا منها بأعجوبة ولكنه مازال يتحرك من جرائها بصعوبة ظاهرة للعيان. اثر هذا الحادث، أدرك عدي أي وضع متناقض يواجه: لا يستطيع أن يمنّي النفس ببلوغ مأربه في اختطاف السلطة لنفسه كخليفة منتظر، وفي الوقت ذاته لا يستطيع أن يتخلى عن حلمه فيها. ازاء هذا الوضع الاستثنائي لم يكن عدي يملك الا وسائل محدودة، وبات يتصرف بشكل يمكن وصفه بـ«العقلاني». حاول أن يجد له مخرجاً وسطاً تبدى جلياً في تحكمه ببعض وسائل الاعلام المحلية. فبالاضافة الى رئاسته تحرير صحيفة «بابل»، احتفظ لنفسه بمناصب نقيب الصحافيين العراقيين ورئيس اتحادي الشباب والطلبة، ويشرف في الوقت ذاته على اذاعة وتلفزيون الشباب.
وعلى الرغم من أنه لم يكن يحمل ما يؤهله لاقتحام مجال الاعلام، فقد حاز الأسلوب الذي طغى على وسائل اعلامه على رضى بعض قطاعات الجيل الشاب الصاعد الذي يتقاطع في الاهتمامات معه أكثر مما يميل الى أسلوب الجيل الاعلامي القديم الذي كان هدفاً للنقد في وسائل اعلام عدي الموجهة، ليس من دون مبررات وجيهة. لقد طبّق عدي لعبته هذه بأكثر ما يمكن من الحذق. وهو كشف مرة بشكل لا لبس فيه لعبته هذه بالقول: «ان الصحافة الرسمية غير مشوقة وتفتقد للجاذبية. وهذه الصحف في واد والجماهير تائهة في واد بعيد». هكذا برع عدي في توظيف أخطاء الآخرين من سياسيي «الحرس القديم» لمصلحته; فكان السبب وراء اقصاء كل من حامد يوسف حمادي وعبد الغني عبد الغفور عن وزارة الثقافة والاعلام في السنوات العشر المـــاضية، حين تعارضت سيــاستهمـا مع نفـوذه المتزايد في الاعلام المحلي.
وفي العام 2000، انتقدت وسائل اعلامه أداء المجلس الوطني العراقي و«الأنماط البالية والتقليدية» المتبعة في وزارة الداخلية، محاولاً ابراز صورته كـ«محارب»، ليس امعاناً منه في التمسك بهذه الفضيلة، بل رغبة في كسب العطف والتأييد لشخصه. ولكن سرعان ما عادت المياه الى مجاريها مع «المؤسسة التشريعية» بعد انتخاب عدي عضواً في المجلس الوطني العراقي الذي كان قبل ذلك موضع تهكم قاس في وسائل اعلامه.
من الخطأ بمكان اعتبار تصلب عدي ازاء الشؤون العامة في البلاد موقفاً نهائياً، فهذا التصلب ما هو الا تأقلم مرحلي مع الأفق المسدود لبلوغه سدة السلطة. وتظل «المناكفة»، وان الى حين، هي سيدة مواقفه. من هنا مثلاً طالب عدي المجلس الوطني في مطلع العام 2001 وضع خريطة كاملة للدولة العراقية تضم الكويت معتبراً اياها جزءاً لا يتجزأ من «العراق الكبير». وبعد هجمات سبتمبر (ايلول) 2001 في نيويورك وواشنطن، أشاد عدي بمنفذيها معتبراً اياها «عملية نفذها شباب عربي ومسلم».