عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2014, 03:45 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
( جاء الفُقراءُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا:
ذهبَ أهلُ الدُّثور من الأموال بالدرجَات العُلى والنَّعيم المُقيم؛
يُصلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصُوم،
ولهم فضلٌ من أموالٍ يحُجُّون بها ويعتمِرُون ويُجاهِدون ويتصدَّقُون
قال: ألا أُحدِّثُكم بأمرٍ إن أخذتُم به أدركتُم من سبَقَكم، ولم يُدرِككم أحدٌ بعدَكم،
وكُنتُم خيرَ من أنتُم بين ظهرانَيه إلا من عمِلَ مثلَه:
تُسبِّحون وتحمَدون وتُكبِّرون خلفَ كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين )
التنافُسُ - عباد الله - يظهرُ أثرُه في الآخرة، ويمتدُّ إلى الجنة،
فيصعَدُ أهلُ القرآن درجَات الجنة بمِقدار ما يقرؤون ويُرتِّلون،
يقال لصاحبِ القرآن:
( اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزِلَتك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها )
هذا التنافُسُ المحمودُ الذي ربَّانا عليه الإسلام، يُولِّدُ التفوُّق، ويُعزِّزُ الطموحَ،
ويزيدُ التنميَةَ والإنجازَ، ويستعذِبُ فيه المُسلمُ المُرَّ،
ويستقرِبُ البعيد، ويتجاهَلُ المُعوِّقات.
يسمُو التنافُسُ بصاحبِه إلى المراتِبِ السنيَّة حين يُؤسَّس على نيَّةٍ خالِصةٍ صادِقة،
ويُطهَّرُ من لَوثات القلوبِ التي تُفسِدُ العمل وتجعلُه هباءً منثورًا.
أما موتُ رُوح التنافُس فإنه يُحوِّلُ الأمةَ إلى مُجتمعٍ مُتهالِكٍ مُتهافِت،
يسُودُه التواكُل والتخلُّف، ويُفرِزُ البَطالَةَ والقُعود، ويُنشِئُ جيلاً هزيلاً فَاتِرَ العزيمة.
وفي المُقابِل .. نهَى الإسلام عن التنافُس المذموم،
ومَنشَؤُه التنافُس في الدنيا واتباعُ الأهواء،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( فواللهِ ما الفقرَ أخشَى عليكم، ولكنِّي أخشَى أن تُبسطَ عليكم الدنيا
كما بُسِطَت على من قبلَكم، فتنافَسُوها كما تنافَسُوها، وتُهلِكَكم كما أهلكَتهم )
يكونُ التنافُسُ مذمومًا على الدنيا حين تُلهيكَ عن الله والدار الآخرة،
وتحمِلُك على القبائِح والمُنكَرات، وتقُودُك إلى منعِ واجِبٍ، أو أخذِ حرامٍ،
أو اعتِداءٍ على حُقوقِ الآخرين.
أدَّى التنافُسُ على الدنيا إلى التصارُع بين الإخوة والأقارِب،
وسبَّب القطيعةَ والبَغضاءَ والشَّحناءَ، فكثُرَت الخُصومات، واشتدَّت المُنازَعات.
وكان الحسنُ - رحمه الله - يقول:
[ من نافسَك في دينِك فنافِسه، ومن نافَسَك في دُنيا فألقِها في نحرِه ]
الحسَدُ - عباد الله - من أشدِّ أسباب التنافُس المُهلِك الذي يُقوِّضُ بناءَ الأُخُوَّة الإسلاميَّة،
ويُفقِدُ المُسلمين الأمنَ؛ لأن الحاسِدَ يتمنَّى زوالَ نعمةِ أخِيه،
وقد يتسبَّبُ في زوالِها بالقوَّة.
ومن المُنافسَة المذمُومَة: ما يحصُلُ بين الأقرانِ والمُتقارِبين في الفضائِل،
أو الرِّئاسَة الدينيَّة أو الدنيويَّة، وقد يذمُّ المرءُ غيرَه بذِكرِ مساوِئِه
وغضِّ الطرفِ عن محاسِنِه؛ لوجود عداوةٍ أو بَغضاء،
قال الله تعالى:
{ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ }
وقد تُفضِي المُنافَسَة إلى المُجافاة والتحقير والبغي والعُدوان والاستِطالة على الآخرين،
وقد تقعُ المُنافَسةُ المذمومةُ في التجارة،
لذا ضبَطَ الإسلامُ المُنافَسةَ في الأعمال الاقتِصاديَّة بقواعِد وأحكامٍ شرعيَّة.
رسَّخ القِيَم والمبادِئ والأخلاق، فحرَّم الاحتِكارَ بكل صُورِه،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( لا يحتكِرُ إلا خاطِئ )
حرَّم الحِيلَ، والغشَّ، والغَرَر، والخِداعَ، والتدليسَ،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( ومن غشَّنا فليس منَّا )
أعطَى الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - الحقَّ في الخِيار لمن كان في عقلِه ضعفٌ،
كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -:
أن رجُلاً ذكرَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يُخدَعُ في البُيوع، فقال:
( إذا بايَعتَ فقُل: لا خِلابَة )
قال الله تعالى:
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }
[ آل عمران: 133 ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ،
فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الحمد لله، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أحمدُه - سبحانه –
وأشكرُه في الحال والمآل،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرباب،
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه نبيُّ الهُدى بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم،
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أمابعـــد ...

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102 ]
ومن التنافُس المذموم: تنافُس القنوات الفضائيَّة في إغواء الناس وإغرائِهم بالمُحرَّمات؛
حيث يُزيِّنُ لهم الشيطانُ سوءَ أعمالهم. يتنافَسُون على الخُسران المُبين،
فتفسد العقول، وتُلوَّثُ الفِطَر، وتُحطَّمُ الأخلاق.
ومن التنافُس المذموم: الإسرافُ والبَذخُ في الأفراح، وعدمُ احتِرام النِّعمة،
والمُنكَرات المُخالِفةُ في هذه الاحتِفالات في ظلِّ غِيابِ مُراقَبَة الله والعقلِ والحِكمة،
مع عدمِ الاعتِبار بما يمُوجُ في العالَم من فقرٍ وشِدَّةٍ وضِيقِ حالٍ.
ومن التنافُس المذموم: المُمارساتُ الخاطِئة في الميدان الرياضِيِّ الذي أدَّى إلى التناحُر
والتنافُر والتنابُذ والتباغُض، حتى انحرَفَت عن أهدافِها ومقاصِدها.
قال الله تعالى:
{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
[ الحديد: 21 ].
وصلُّوا - عباد الله - على رسول الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابه فقال:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب: 56 ].
اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم،
وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ،
وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ،
وعن الآلِ والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك ومنِّك يا أرحَمَ الرَّاحِمين.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس