عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 07:35 PM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏82 ‏:‏ 86‏)‏
‏{‏ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ‏.‏ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ‏.‏ وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ‏.‏ فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ‏.‏ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه، الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن بكوا، حتى أخضلوا لحاهم‏.‏ وهذا القول فيه نظر، لأن هذه الآية مدنية، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة، وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما‏:‏ نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته، فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا‏.‏ ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه‏.‏ وقال عطاء بن أبي رباح‏:‏ هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين، وقال قتادة‏:‏ هم قوم كانوا على دين عيسى بن مريم فلما رأوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا، واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة سواء كانوا من الحبشة أو غيرها‏.‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا‏}‏ ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود، ومباهتة للحق، وغمط للناس، وتنقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيراً من الأنبياء، حتى هموا بقتل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غير مرة وسمّوه وسحروه، وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة‏.‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله‏)‏ ‏
"‏رواه الحافظ ابن مردويه‏"‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتجدنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى‏}‏ أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والأرفة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية‏}‏، وفي كتابهم‏:‏ من ضربك على خدك الإيمن فأدر له خدك الأيسر، وليس القتال مشروعاً في ملتهم، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون‏}‏ أي يوجد فيهم القسيسون، وهم خطباؤهم وعلماؤهم، واحدهم فسيس وقس أيضاً، وقد يجمع على قسوس، والرهبان جمع راهب وهو العابد، مشتق من الرهبة وهي الخوف كراكب وركبان وفارس وفرسان‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ وقد يكون الرهبان واحداً وجملة، رهابين، مثل قربان وقرابين، وقد يجمع على رهابنة، ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحداً قول الشاعر‏:‏
لو عاينت رهبان دير في القلل * لانحدر الرهبان يمشي ونزل
وقال ابن أبي حاتم عن جاثمة بن رئاب قال‏:‏ سمعت سلمان، وسئل عن قوله‏:‏ ‏{‏ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً‏}‏ فقال‏:‏ هم الرهبان الذين هم في الصوامع والخرب، فدعوهم فيها، قال سلمان‏:‏ وقرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ذلك بأن منهم قسيسين‏}‏، فأقرأني‏:‏ ‏(‏ذلك بأن منهم صدّيقين ورهباناً‏)‏ فقوله‏:‏ ‏{‏ذلك بأن منهم قسيسين وهباناً وأنهم لا يستكبرون‏}‏، تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف، فقال‏:‏ ‏{‏وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق‏}‏ أي مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ‏{‏يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏ أي مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به، وقد روى النسائي عن عبد اللّه بن الزبير قال‏:‏ نزلت هذه الآية في النجاشي وفي أصحابه قال السهيلي‏:‏ هم وفد نجران، وكانوا نصارى، فلما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم بكوا مما عرفوا من الحق، وآمنوا، وكانوا عشرين رجلاً، وكان قدومهم عليه بمكة، وأما الذين قدموا عليه بالمدينة من النصارى من عند النجاشي فهم آخرون، وفيهم نزل صدر سورة آل عمران، منهم حارثة بن علقمة، وأخوه كرز وأسلم، ولم يسلم حارثة، ومنهم العاقب بن عبد المسيح، وفيهم نزلت‏:‏ ‏{‏فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم‏}‏‏.‏ ‏:‏‏{‏وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏‏.‏ عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏ أي مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، هم الشاهدون يشهدون لنبيهم صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ وللرسل أنهم قد بلغوا، وكانوا كرّابين يعني فلاحين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فلما قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما لنا لا نؤمن باللّه وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين‏}‏، هذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإنَّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه‏}‏ الآية، وهم الذين قال اللّه فيهم‏:‏ ‏{‏وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين‏}‏، ولهذا قال تعالى ههنا‏:‏ ‏{‏فأثابهم اللّه بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار‏}‏ أي فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق، ‏{‏جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها‏}‏ أي ماكثين فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون، ‏{‏وذلك جزاء المحسنين‏}‏ أي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأين كان ومع من كان، ثم أخبر عن حال الإشقياء فقال‏:‏ ‏{‏والذين كفروا وكذبوا بآياتنا‏}‏ أي جحدوا بها وخالفوها، ‏{‏أولئك أصحاب الجحيم‏}‏ أي هم أهلها والداخلون فيها‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏87 ‏:‏ 88‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ‏.‏ وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏ نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك - قالوا‏:‏ نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لمن يأخذ بسنتي فليس مني‏)‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم، وروى ابن مردويه نحوه‏"‏وفي الصحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم‏:‏ لا آكل اللحم، وقال بعضهم‏:‏ لا أتزوج النساء، وقال بعضهم‏:‏ لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، لكني أصوم وافطر، وأنام واقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني‏)‏ وعن ابن عباس‏:‏ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت للنساء، وإني حرمت عليَّ اللحم، فنزلت‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم‏}‏ وقال سفيان الثوري عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس معنا نساء فقلنا‏:‏ ألا نستخصي، فنهانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد اللّه‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم‏}‏ الآية، وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة، واللّه أعلم‏.‏ وعن مسروق قال‏:‏ كنا عند عبد اللّه بن مسعود فجيء بضرع فتنحّى رجل، فقال له عبد اللّه‏:‏ أدن‏.‏ فقال‏:‏ إني حرمت أن آكله، فقال عبد اللّه‏:‏ ادن فأطعم وكفر عن يمينك، وتلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم‏}الآية‏.‏

وقد ذهب بعض العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلاً أو ملبساً أو شيئاً ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه ولا كفارة عليه أيضاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم‏}‏، ولأن الذي حرّم اللحم على نفسه لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة؛ وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرّم مأكلاً أو مشرباً أو ملبساً أو شيئاً من الأشياء فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين كما إذا التزم تركه باليمين، فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزاماً له بما التزمه كما أفتى بذلك ابن عباس، وكما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغي مرضات أزواجك واللّه غفور رحيم‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم‏}‏ الآية‏.‏ وكذلك ها هنا لما ذكر هذا الحكم عقبة بالآية المبينة لتكفير اليمين، فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير، واللّه أعلم‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ أراد رجالا منهم عثمان بن مظعون وعبد اللّه بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية‏.‏ وقال ابن جرير عن عكرمة‏:‏ إن عثمان بن مظعون، وعلي بن أي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالماً مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين‏}‏، يقول‏:‏ لا تسيروا بغير سنّة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار وما هموا به من الاختصاء، فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إن لأنفسكم حقاً، وإن لأعينكم حقاً، صوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا‏)‏ فقالوا‏:‏ اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعتدوا‏}‏ يحتمل أن يكون المراد منه‏:‏ لا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم كما قاله من قاله من السلف، ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال، بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتك ولا تجاوزوا الحد فيه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكلوا واشربوا ولا تسرفوا‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏والذين إذا أنفقوا لم يسرقوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً‏}‏ فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه، لا إفراط ولا تفريط ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً‏}‏ أي في حال كونه حلالاً طيباً، ‏{‏واتقوا الله‏}‏ أي في جميع أموركم واتبعوا طاعته ورضوانه واتركوا مخالفته وعصيانه ‏{‏الذي أنتم به مؤمنون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏89‏)‏
‏{‏ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ‏}‏

قد تقدم الكلام على اللغو في اليمين في سوروة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا وللّه الحمد والمنة؛ وأنه قول الرجل في الكام من غير قصد لا واللّه، وبلى واللّه ‏.‏ وهذا مذهب الشافعي، وقيل‏:‏ هو في الهزل، وقيل‏:‏ في المعصية، وقيل‏:‏ على غلبة الظن، وهو قول أبي حنيفة وأحمد، وقيل‏:‏ في اليمين في الغضب، وقيل‏:‏ في النسيان، وقيل‏:‏ هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك، واستدلوا بقوله‏:‏ ‏{‏لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم‏}‏ والصحيح أنه اليمين من غير قصد، بدليل قوله‏:‏ ‏{‏ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان‏}‏ أي بما صممتم عليه منها وقصدتموها ‏{‏فكفارته إطعام عشرة مساكين‏}‏ يعني محاويج من الفقراء ومن لا يجد ما يكفيه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏من أوسط ما تطعمون من أهليكم‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي من أعدل ما تطعمون أهليكم وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة ، وقال عطاء‏:‏ من أمثل ما تطعمون أهليكم‏.‏ وقد كان الرجل يقوت بعض أهله قوت دون، وبعضهم قوتاً فيه سعة، فقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏من أوسط ما تعمون أهليكم‏}‏ أي من الخبز والزيت‏.‏ عن ابن عمر في قوله‏:‏ ‏{‏من أوسط ما تطعمون أهليكم‏}‏ قال‏:‏ الخبز والسمن، والخبز والزيت، والخبز والتمر‏.‏ ومن أفضل ما تطعمون أهليكم‏:‏ الخبز واللحم وهذا قول ابن سيرين والحسن والضحّاك واختار ابن جرير أن المراد بقوله‏:‏ ‏{‏من أوسط ما تطعمون أهليكم‏}‏، أي في القلة والكثرة، ثم اختلف العلماء في مقدار ما يطعمهم، فقال علي‏:‏ يغديهم ويعشيهم، وقال الحسن ومحمد بن سيرين‏:‏ يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلةً واحدة خبزاً ولحماً فإن لم يجد، فخبزاً وسمناً ولبناً، فإن لم يجد فخبزاً وزيتاً وخلاً حتى يشبعوا‏.‏ وقال آخرون‏:‏ يطعم كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر ونحوهما هذا قول عمر وعلي وعائشة ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والضحاك وقال أبو حنيفة‏:‏ نصف صاع بر وصاع مما عداه، لما روي عن ابن عباس قال‏:‏ كفّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس به ومن لم يجد فنصف صاع من بر؛ وقال الشافعي‏:‏ الواجب في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين ولم يتعرض للأدم، واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم للذي جامع في رمضان بأن يطعم ستين مسكيناً من مكتل يع خمسة عشر صاعاً لكل واحد منهم، وقال أحمد‏:‏ مد من بر أو مدان من غيره والله أعلم ‏"‏رواه ابن مردويه وأخرجه ابن ماجة وفي سنده ضعف‏"‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو كسوتهم‏}قال الشافعي رحمه الله‏:‏ لو دفع إلى كل واحد من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو عمامة أو مقنعة أجزأه ذلك، وقال مالك وأحمد بن حنبل‏:‏ لا بد أن يدفع إلى كل واحد منهم من الكسوة ما يصح أن يصلي فيه إن كان رجلاً أو امرأة كل بحسبه واللّه أعلم، وقال الحسن‏:‏ ثوب ثوب، وقال الثوري‏:‏ عمامة يلف بها رأسه وعباءة يلتحف بها‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أو تحرير رقبة‏}‏ أخذ أبو حنيفة بإطلاقها فقال‏:‏ تجزىء الكافرة كما تجزىء المؤمنة، وقال الشافعي وآخرون‏:‏ لا بد أن تكون مؤمنة، وأخذ تقييدها بالإيمان من كفارة القتل لا تحاد الموجب، وإن اختلف السبب، ومن حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه ذكر أن عليه عتق رقبة وجاء معه بجارية سوداء، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أين اللّه‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ في السماء، قال‏:‏ ‏(‏من أنا‏)‏ قالت‏:‏ رسول اللّه، قال‏:‏ ‏(‏أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏ ‏"‏رواه مسلم ومالك في الموطأ والشافعي في مسنده‏"‏الحديث بطوله، فهذه خصال ثلاث في كفارة اليمنين أيها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع، وقد بدأ بالأسهل فالأسهل، فالإطعام أسهل، وأيسر من الكسوة، كما أن الكسوة أيسر من العتق، فيرقى فيها من الأدنى إلى الأعلى، فإن لم يقدر الملكف على واحدة من هذه الخصال الثلاث كفّر بصيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام‏}‏، وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير والحسن البصري أنهما قالا‏:‏ من وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلا صام، واختلف العلماء هل يجب فيها التتابع أو يستحب ويجزىء التفريق‏؟‏ قولان‏:‏ أحدهما لا يجب، ولهذا منصوص الشافعي في كتاب الأيمان، وهو قول مالك لإطلاف قوله‏:‏ ‏{‏فصيام ثلاثة أيام‏}‏ وهو صادق على المجموعة والمفرقة كما في قضاء رمضان لقوله‏:‏ ‏{‏فعدة من أيام أخر‏}‏ ونص الشافعي في موضع آخر في ‏(‏الأم‏)‏ على وجوب التتابع كما هو قول الحنفية والحنابلة، لأنه قد روي عن أبي بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرأونها‏:‏{‏فصيام ثلاثة أيام متتابعات‏}‏ ‏"‏روى مجاهد والشعبي أنها قراءة عبد الله بن مسعود أيضاً‏"‏وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنا متواتراً فلا أقل أن يكون خبر واحد، أو تفسيراً من الصحابة، وهو في حكم المرفوع وقوله‏:‏ ‏{‏ذلك كفاة أيمانكم إذا حلفتم‏}‏ أي هذه كفارة اليمين الشرعية ‏{‏واحفظوا أيمانكم‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ لا تركوها بغير تكفير، ‏{‏كذلك يبين اللّه لكم آياته‏}‏ أي يوضحها ويفسرها ‏{‏لعلكم تشكرون‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس