إلخ الحديث
فاحفَظ لسانَك - أيها المسلم -، وصُن قلمَك وكتابتَك من نشر الأخبار
التي لا بُرهان على صحَّتها تسلَم وتغنَم، وإلا وقعتَ في الإثمِ المُبين،
والإفكِ العظيم مما لا فائِدَةَ له في دُنياك، ومما فيه ضررٌ على دينِك.
في "سنن أبي داود" بسندٍ صحيحٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( بئسَ مطيَّة الرجل: زعَموا )
وفي "صحيح مسلم":
( من حدَّثَ بحديثٍ يُرى أنه كذِبٌ فهو أحدُ الكاذِبِين )
ومعنى يُرى أي: يظنُّ.
إخوة الإسلام:
إن المسلمَ لا بُدَّ له من موقفٍ قويمٍ،
ومسلَكٍ مُستقيمٍ تُجاه الإشاعاتِ التي تُنقلُ مُجرَّدة،
ومن تناقُل الأقوال المُتنوِّعة التي لا يعلمُ المُسلمُ صحَّتَها، ولا يتيقَّنُ صِدقَها.
إن موقفَه الواجِب: هو سلوك المنهَج الإلهيِّ، والالتِزامُ بالهديِ النبويِّ
الذي أرشدَ إليه المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، يقول الله - جل وعلا -:
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }
[ النور: 14، 15 ].
ويقول - جل وعلا -:
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }
[ النساء: 83 ].
إن موقِفَك - أيها المسلم - يجبُ أن يكون هو مبدأُ التثبُّت والتبيُّن،
وألا تستعجِلَ - أيها المسلم - في نشر ما لا مُستنَد لصحَّته، يقول الله - جل وعلا -:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }
[ الحجرات: 6 ].
وفيما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
( التأنِّي من الله، والعجَلةُ من الشيطان )
قال الحسنُ - رحمه الله -:
[ المسلمُ وقَّافٌ حتى يتبيَّن ]
فمن السلامة العظيمة والأمن التامِّ:
سلامةُ المُسلم من الوُلوج في نشر الأكاذِيب، والوقوع في إشاعة الأباطيل.
ثم إنه يتأكَّدُ على المُجتمع المُسلم تُجاه ما يُشاعُ عن إخوانهم المُسلمين
مما لا دليلَ على صحَّته، خاصَّةً فيمن عُرِف فضلُه أن يتأدَّبُوا بآداب القُرآن المُثلَى،
ويلتزِمُوا بتوجيهاتِه الفُضلى:
{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ }
[ النور: 12 ].
ويقول - جل وعلا -:
{ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }
[ النور: 16 ].
على المسلم أن يتجنَّب كل ما ينشرُ الأقاويلَ السيئة، ويُذيعُ الأخبارَ الفاضِحةَ،
خاصةً وأن كل مُسلمٍ في الغالبِ معه هذه الأجهزة التي انتشَرت بين الناس،
مما قد يُوقِعُه الشيطان، مما يضُرُّ دينَه ودُنياه.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -؛ فإنما خُلِقتم لطاعة الله - جل وعلا -،
فلا يسلَمُ المسلمُ من الإثم العظيم، والذنب الجَسيم إلا حينما يُلزِمُ جوارِحَه –
ومنها اللسان - بتقوى الله - جل وعلا -، وأن يعلمَ بأنه عليه رقيبٌ عتيدٌ.
يقول - جل وعلا -:
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }
[ النور: 19 ].
يقول أهل العلم:
[ هذه الآية أصلٌ في مُحاصرة الفواحِش بكل أنواعها،
وفي منع إشاعتها حتى لا تراها عينٌ، ولا تسمعُها أذنٌ، ولا يتحدَّثُ بها لسان ]
هذا شأنُ المُجتمع المُسلم الذي أرادَه الله - جل وعلا - أن يكون مُجتمعًا للمُسلمين.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، والتزِموا بآداب كلام الله - جل وعلا -،
وهديِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - تُفلِحوا وتسعَدوا في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول،
وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ لله وكفَى ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى،
وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الذي فتح الله به قلوبًا غُلفًا،
وأعيُنًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه الأوفِياء الأتقِياء.
أمابعد ...
فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حقَّ تُقاته، اتقوا الله؛ فمن اتقاه وقاه، وأسعدَه ولا أشقاه.
أيها المسلمون:
إن ظاهرة الإشاعة في المُجتمعات آفةٌ مرضيةٌ تُهدِّدُ كِيانَ المُجتمع،
وقد أصبحَ منها في هذا العصر ما هو عملٌ مُنظَّمٌ يقومُ على أُسسٍ مدروسةٍ
وفقَ أهدافٍ مُحدَّدة، عبر وسائل تسيرُ بها سيرَ النار في الهَشيم،
وسُرعة الصوت والضوء، عن طريق هذه الآلات الإعلاميَّة الحديثة.
فواجبُ المُجتمع المسلم الذي رسمَ له النبي - صلى الله عليه وسلم –
سبيلَ النجاة والفوز أنه يكون مُحارِبًا للإشاعة بأنواعها،
وأن يقضِيَ عليها في مهدِها وفقَ التوجيهات الإسلامية السابِقة.
وعلى الإعلام المُسلم أن يتَّقِي الله - جل وعلا -،
وأن يلتزِمَ بالمعايير الصحيحة في نقل الأخبار الصادِقة، وأن يتثبَّت من النشر؛
فأهلُ الإعلام مسؤولون أمام الله - جل وعلا - عن هذه الأمة، مُؤتمَنُون عل أفكار
وعقولِ المُسلمين، وأمنِهم وأمانِهم، ومن ضيَّع الأمانةَ خابَ وخسِر
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
[ الأنفال: 27 ].