عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-2014, 12:46 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

فقال‏:‏ حدَّثنا سليمان بن أحمد، حدَّثنا حفص بن عمرو بن الصَّباح، حدَّثنا يحيى بن عبد الله البابليّ، أنَّا أبو بكر ابن أبي مريم عن سعيد بن عمر الأنصاريّ، عن أبيه قال‏:‏ قال ابن عبَّاس‏:‏ فكان من دلالات حمل محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم أن كلَّ دابَّة كانت لقريش نطقت تلك اللَّيلة‏:‏ قد حمل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورب الكعبة، وهو أمان الدُّنيا، وسراج أهلها، ولم يبق كاهن في قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها، وانتزع علم الكهنة منها، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدُّنيا إلا أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا ينطق يومه لذلك، وفرَّت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات، وكذلك أهل البحار بشَّر بعضهم بعضاً، وفي كل شهر من شهوره نداء في الأرض ونداء في السَّموات‏:‏ أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميموناً مباركاً‏.‏
قال‏:‏ وبقي في بطن أمِّه تسعة أشهر، وهلك أبوه عبد الله وهو في بطن أمِّه، فقالت الملائكة‏:‏ إلهنا وسيدنا بقي نبيَّك هذا يتيماً‏.‏
فقال الله تعالى للملائكة‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا له ولي وحافظ ونصير‏)‏‏)‏ فتبرَّكوا بمولده ميموناً مباركاً، وفتح الله لمولده أبواب السَّماء وجنَّاته، وكانت آمنة تحدِّث عن نفسها وتقول‏:‏ أتى لي آتٍ حين مرَّ لي من حمله ستة أشهر فوكزني برجله في المنام وقال‏:‏ يا آمنة إنَّك حملت بخير العالمين طراً، فإذا ولدتيه فسمِّيه محمَّداً أو النَّبيّ، شأنك‏.‏
قال‏:‏ وكانت تحدِّث عن نفسها وتقول‏:‏ لقد أخذني ما يأخذ النِّساء ولم يعلم بي أحد من القوم ذكر ولا أنثى، وإنِّي لوحيدة في المنزل وعبد المطَّلب في طوافه، قالت‏:‏ فسمعت وجبةً شديدةً وأمراً عظيماً فهالني ذلك وذلك يوم الإثنين، ورأيت كأنَّ جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي فذهب كل رعب وكل فزع ووجل كنت أجد، ثمَّ التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبناً وكنت عطشانة فتناولتها فشربتها فأصابني نور عال ثمَّ رأيت نسوة كالنَّخل الطِّوال كأنَّهن من بنات عبد المطَّلب يحدِّقن بي، فبينا أنا أعجب وأقول‏:‏ واغوثاه من أين علمن بي واشتد بي الأمر، وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول، وإذا أنا بديباج أبيض قد مدَّ بين السَّماء والأرض، وإذا قائل يقول‏:‏ خذوه عن أعين النَّاس‏.‏
قالت‏:‏ رأيت رجالاً وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة، وأنا يرشح مني عرق كالجُمان أطيب ريحاً من المسك الأزفر، وأنا أقول‏:‏ ياليت عبد المطَّلب قد دخل علي‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت قطعة من الطَّير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتَّى غطَّت حجرتي مناقيرها من الزُّمرُّد، وأجنحتها من اليواقيت، فكشف الله لي عن بصيرتي فأبصرت من ساعتي مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاث علامات مضروبات‏:‏ علم بالمشرق، وعلم بالمغرب، وعلم على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتدَّ بي الطَّلق جداً، فكنت كأنِّي مسندة إلى أركان النِّساء، وكثرن عليَّ حتى كأنِّي مع البيت وأنا لا أرى شيئاً، فولدت محمَّداً، فلمَّا خرج من بطني درت فنظرت إليه فإذا هو ساجد وقد رفع إصبعيه كالمتضرِّع المبتهل، ثمَّ رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السَّماء تنزل حتَّى غشيته فغيِّب عن عيني، فسمعت منادياً ينادي يقول‏:‏ طوفوا بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلَّها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا أنَّه سمي الماحيّ لا يبقي شيء من الشِّرك إلا محي به‏.‏
قالت‏:‏ ثمَّ تخلَّوا عنه في أسرع وقت، فإذا أنا به مدرج في ثوب صوف أبيض أشدُّ بياضاً من اللَّبن، وتحته حريرة خضراء، وقد قبض محمَّد ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرَّطب الأبيض وإذا قائل يقول‏:‏ قبض محمَّد مفاتيح النَّصر، ومفاتيح الرِّيح، ومفاتيح النُّبُّوة، هكذا أورده وسكت عليه وهو غريب جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/331‏)‏
وقال الشَّيخ جمال الدِّين أبو زكريا يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصاريّ الصَّرصريّ الماهر الحافظ للأحاديث واللُّغة ذو المحبَّة الصَّادقة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ فلذلك يشبَّه في عصره بحسَّان بن ثابت رضي الله عنه وفي ديوانه المكتوب عنه في مديح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد كان ضرير البصر بصير البصيرة، وكانت وفاته ببغداد في سنة ست وخمسين وستَّمائة قتله التَّتار في كل بنة بغداد كما سيأتي ذلك في موضعه في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى وبه الثِّقة وعليه التُّكلان‏.‏
قال في قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه
محمَّدٌ المبعوثُ لِلنَّاس رَحمةً * يُشيدُ مَا أوهى الضَّلالُ ويُصْلِحُ
لئنْ سبَّحَتْ صمُّ الجبالِ مجيبةٍ * لداودَ أَو لانَ الحَديدُ المُصَفَّحِ
فإنَّ الصُّخورَ الصُّمَّ لانت بكفِّهِ * وإنَّ الحصا في كفِّهِ ليسبِّحُ
وإنْ كانَ مُوسى أَنبعَ الماء منَ العَصَا * فَمِن كفِّهِ قدْ أصبحَ الماءَ يَطفَحُ
وإنْ كانَتْ الرِّيحُ الرُّخاءَ مطيعةً * سُليمانَ لا تألُو تَروحُ وتَسرحُ
فإنَّ الصَبا كانت لِنصر نبيِّنَا * بِرُعْبٍ على شهرٍ بهِ الخَصْمُ يُكْلَحُ
وإنْ أوتي المُلكَ العظيمَ وسُخِّرتْ * لهُ الجنُّ تُشفِي مارضيهُ وَتلدَحُ
فإنَّ مفاتيحَ الكُنوزِ بأَسرهَا * أَتَتْهُ فَرَدَّ الزَّاهدُ المترجِّحُ
وإنْ كانَ إبراهيمُ أُعطي خِلَّة * وَموسَى بتَكليمٍ على الطُّورِ يمنحُ
فهذا حَبيبٌ بلْ خليلٌ مُكَلَّمٌ * وخُصِّص بالرُّؤيا وبالحقِّ أَشرحُ
وخُصِّص بالحوضِ العَظيمِ وباللِّوا * وَيشفَعُ للعاصينَ والنَّارُ تَلفَحُ
وبالمقعدِ الأعْلى المقرَّبِ عِنْدَهُ * عطاءٌ بِبُشْراهُ أقرُّ وأَفرحُ
وبالرِّتبةِ العُليَا الأَسيلةِ دُونهَا * مَراتبُ أربابِ المواهِبِ تَلْمَحُ
وفي جنَّة الفِردوسِ أوَّل داخلٍ * لهُ سائرُ الأبوابِ بالخَارِ تُفْتَحُ
‏(‏ج/ص‏:‏6/332‏)‏
وهذا آخر ما يسَّر الله جمعه من الأخبار بالمغيبات التي وقعت إلى زماننا ممَّا يدخل في دلائل النُّبُّوة والله الهادي، وإذا فرغنا إن شاء الله من إيراد الحادثات من بعد موته عليه السلام إلى زماننا نتبع ذلك بذكر الفتن والملاحم الواقعة في آخر الزَّمان، ثمَّ نسوق بعد ذلك أشراط السَّاعة، ثمَّ نذكر البعث والنُّشور، ثمَّ ما يقع يوم القيامة من الأهوال، وما فيه من العظمة، ونذكر الحوض والميزان والصِّراط، ثمَّ نذكر صفة النَّار، ثمَّ صفة الجنَّة‏.‏
كتاب تاريخ الإسلام الأوَّل من الحوادث الواقعة في الزَّمان ووفيَّات المشاهير والأعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة‏:‏
تقدَّم ما كان في ربيع الأول منها من وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في يوم الإثنين وذلك لثاني عشر منه على المشهور، وقد بسطنا الكلام في ذلك بما فيه كفاية وبالله التَّوفيق‏.‏
البداية والنهاية
ابن كثير رحمه الله
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس