معاشر المؤمنين :
ومن المعالِم أيضًا: أن على عُلماء الإسلام والدُعاة والخُطباء
أن يُوجِّهوا الأمةَ بكل ما يتَّفِقُ مع الحكمة ودرء الفتنة،
وأن ينظُروا في العواقِب ومآلات الأمور،
وأن تكون مُنطلقاتُهم مما ينُصُّ عليه كتابُ ربِّهم وسُنَّةُ نبيِّهم
محمدٍ - صلى الله عليه وسلم .
ثم ليعلَموا أن النظرَ إلى مآلات الأمور قاعدةٌ كُبرى عد علماء الإسلام
مُتقدِّميهم ومُتأخِّريهم.
وعلى الجميع خاصَّةً وقت الفتن أن يحذَروا من الاجتهادات الفردية،
والفتاوى الأحادية في نوازِل الأمة، مما قد جرَّ ويُجرُّ إلى فتنٍ عمياء،
ومِحَنٍ شتَّى، لا تخدمُ دينًا ولا تُقيم دُنيا، والتأريخُ أعظمُ عِظةٍ في ذلك.
لا بُدَّ من تغليب الحكمة والأناة، واستِجلاب الكياسَة والحصافَة، فلا تنفعُ العواطِف،
ولا تنفعُ ظواهِرُ محبَّة الأمور بدون تقليبِها وفقَ المنظورِ العامِّ للمقاصِد الشرعيَّة
والقواعد المرعيَّة، لاسيَّما إذا اتَّقَدت العواطِف، والتهبَت المشاعِر،
فالحاجةُ للرأي الرشيد والقول السديد ماسَّة.
ورحِم الله بعضَ المُحقِّقين من عُلماء هذه الأمة حينما أرجعَ أحكام الإسلام
لقاعدةٍ واحدةٍ كُبرى، وهي: جلبُ المنافع والمصالِح، ودرء الشُّرور وسدِّ الأضرار.
إخوة الإسلام:
في أوقات الفتن تزداد الحاجةُ إلى الالتِفات إلى القيادات من أولِي الأمر المسلمين،
والعُلماء الربَّانيين الذين تقدَّموا في العلم عِتِيًّا، وفي العلم شأنًا كبيرًا،
وحينئذٍ إذا عُدِل عن هذا المنهج حصلَ مما لا يُحمَد عُقباه، ومما يُخالِفُ قولَ ربِّنا:
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }
[ النساء: 83 ].
ومن تلك المعالِم - عباد الله -: أنه في غَمرة أحداث الفتن المُتسارِعة
واجبٌ على أبناء أمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - الحذرُ من كل سببٍ يجلِبُ العداوةَ،
ويشرِخُ الصفَّ، ويكون سببًا للتحريش بين المُسلمين؛
فالشيطان حريصٌ أن يُحرِّشَ بين المُصلِّين خاصَّةً في جزيرة العرب.
الله - جل وعلا - يقول:
{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ }
[ الإسراء: 53 ]
فعلينا جميعًا الحذرُ من شائعات الإعلام المُغرِض،
وأكاذِيب تواصُل الشبكات الاجتماعية مما يُؤدِّي إلى مفاسِد خطيرة تُهدِّد بُنيان المُجتمع،
وتُقوِّضُ بناء الأمة.
فالمسلم شأنُه الالتزامُ بالأصل الشرعيِّ الذي أصَّلَه نبيُّ الرحمة والخير والعدل
والإصلاح حينما قال:
( المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه )
متفق عليه
ومن المعالِم - أيها الأحبَّة -:
أن نعلم أن من الفتن العمياء التي امتُحِن المسلمون بها عبر التأريخ،
وذاقَت من مرارتها شرًّا مُستطيرًا: فتنةُ التكفير؛ أي: تكفير من ظهر إسلامُه،
والتسارُع في ذلك، لا بحُجَّةٍ ولا بُرهان؛ بل بإلزاماتٍ تُشبه الهباءَ في الهواء،
والسرابَ في الصحراء.
في "الصحيحين" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حذَّر أمَّتَه فقال:
( أيُّما امرئٍ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهما،
إن كان كما قال، وإلا وجبَت عليه )
وفي "صحيح البخاري":
( من رمَى مُؤمنًا بكُفرٍ فهو كقتلِه )
فحُرُمات المسلمين في أديانهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم،
كل ذلك مُصانٌ بشريعة الإسلام.
يقول الغزالي - رحمه الله -:
[ والذي ينبغي الاحترازُ من التكفير ما وُجِد إليه سبيلاً
ثم قال: والخطأُ في تكفير ألف كافرٍ في الحياة أهونُ من الخطأ في سفك دمٍ مسلمٍ ]
وقال الشيخ المُجدِّد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -:
[ وبالجُملة فيجبُ على كل من ينصحُ نفسَه ألا يتكلَّم في هذه المسألة
إلا بعلمٍ وبُرهانٍ من الله، ويحذر من إخراج رجلٍ من الإسلام بمُجرَّد فهمِه
واستِحسان عقلِه؛ فإن إخراجَ رجلٍ من الإسلام أو إدخالَه من أعظم أمور الدين،
وقد أشركَ الشيطانُ أكثرَ الناس في هذه المسألة ]
حفِظَنا الله جميعًا والمسلمين من عواصِبِ الشرور والفتن، ومن أسباب الفساد والمِحَن.
أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ،
فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.