وأخيرا وصلت قافلة الوزير العربي لمبنى الوزارة. ترجل سعادته من سيارته بشوشا ومعانقا للوزير الأوروبي:
- اسف يا سعادة الوزير.. مشاغلنا مرهقة ، قضيت ليلتي أعالج مشكلة عويصة تتعلق بشبكة شوارع جديدة ستكلف الدولة ملياران ونصف المليار يورو ، ولا نعرف من سيقدم لنا الدعم المالي ، صندوق النقد الدولي يريد الإشراف على التنفيذ والدفع، ونحن لا نقبل ان يتدخل احد بشؤوننا الداخلية. هذه وقاحة استعمارية، أيدي الصهيونية الدولية ورائها .. ربما تقنعوهم الدفع بلا تدخل..؟ نأمل من حكومتكم بالطبع مساعدتنا لهذا المشروع القومي العظيم ، ونقترح ان نطلق على أحد هذه الشوارع اسم دولتكم الصديقة ، ليكون نصبا تذكاريا للصداقة والتعاون ، سنتحدث عنه في جلستنا .
قال الوزير الأوروبي :
- حسنا اعطونا تفاصيل المشروع لندرسه ، ستتلقون الجواب عن طريق سفيركم في عاصمتنا .
- بالطبع ، فكرة جيدة ، ولكن سعادتك يجب ان تتأكد بأن مبلغ المساعدة يجب ان يبقى سرا ، حتى لا تظن اسرائيل اننا نبني فرنا ذريا ، وان تتأكدوا بان لا تقصف طائرات العدو الصهيوني الشوارع بعد ان ننهي تعبيدها بحجة انها مصانع نووية او لإنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية ، هذا ما يجعلنا نصر على عدم تحديث شوارعنا وعدم ترقيع الحفر .
يبدو ان الوزير الأوروبي عجز عن فهم مخاوف الوزير العربي ، فهز رأسه علامة الموافقة، واصل الوزير العربي:
- خرائط المشروع القومي العظيم جاهزة ، ساطلب من سكرتيرة مكتبي ، الفتاة الجميلة التي رأيتها قبل دخولك ، ان تعد لك نسخة من المشروع ، ربما نسخا من المشاريع الأخرى لنوسع التعاون الحضاري بيننا وعلى فكرة هل لاحظت ان سكرتيرتي أجمل من العجوز الشمطاء العاملة في مكتبك ؟
قال الوزير الأوروبي:
- سيدي دعنا نتحدث حول التعاون ، قلت لي انكم بنيتم جسرا كبيرا مثل الجسر الذي شاهدته من غرفة مكتبي؟
- أجل ، سنذهب الى مشاهدته ، ما رأيك أن نؤجل الجلسة الى ما بعد ساعات الظهر ؟ . وربما نتحدث بالطريق ونتفق ، وفيما بعد يسجل المعاونون البروتوكول حيث نوقعه باحتفال خاص يحضره رئيس الجمهورية.. ما رايك ؟
وقبل ان يجيب الوزير الاوروبي واصل الوزير العربي قوله :
- هلم يا سعادة الوزير الضيف ، السيارات جاهزة للبدء في الجولة وستشاهد الجسر العظيم الذي بنيناه وأطلقنا اسم رئيسنا المبجل!!
انطلقت قافلة السيارات تسبقها الموتورسيكلات التي تطلق زعيقها المزعج . لم يطل الوقت ، ربع ساعة ووصلت قافلة السيارات الى ضفة نهر لا يزيد عرضه عن خمسة وعشرين مترا يمتد فوقه جسر حديدي صدئ بالكاد يتسع لسيارة واحدة في اتجاه واحد . . وعند عبور سيارتان ، تنتظر السيارة الأخرى حتى تعبر السيارة الأولى . كما ويمنع عبور المركبات التي يزيد وزنها عن أربعة أطنان .
ترجل الوزير الأوروبي وحاشيته من السيارات ، أخذوا يتفحصون حولهم بحثا عن جسر يشبه الجسر الذي بني في عاصمتهم .. وأخيرا ظنوا انها استراحة ليواصلوا بعدها السفر الى موقع الجسر .. ولكن الوزير العربي جاء ضاحكا ضحكة كبيرة تمتد من الأذن اليسرى الى الأذن اليمنى وقال مسرورا:
- سعادة الوزير الضيف .. هل رايت الجسر..؟
- أين الجسر ؟
- انه امامك .. سلامة نظرك ؟
- هذا ... هذا تسميه جسرا شبيها بجسرنا ؟
- من ناحية وقت العمل استغرق العمل فيه ثلاث سنوات ونصف أي أكثر من جسركم ، من ناحية الثمن كلف نفس الشيء ومن ناحية البناء بنته الأيدي الوطنية ورفض البنك الدولي الاستعماري ان يدعمنا الا بالقليل ، بنصف المبلغ فقط . وكان الحل ان نهرب الأفيون الى اوروبا والى أمريكا.. ونرفع الضرائب على المواطنين ، ونحصل على دعم مالي من الأشقاء ..لننجزنه.
- ولكنه لا يكلف مليار ونصف المليار يورو.. الا تبالغ في تقدير التكلفة ؟
-هذا صحيح يا سعادة الوزير الضيف. . انت لم تأخذ بالحساب عاداتنا القومية وقيمنا الأخلاقية .
- اذن أين ذهب المبلغ ؟
- سؤال وجيه جدا، نصف مليار وزعت على الوزراء وموظفي الدولة الكبار ليقروا المشروع بجلسة الحكومة بدون اثارة تساؤلات حول حجم الميزانية المقترحة للجسر ليجري تنفيذه على وجه السرعة . ربع مليار للمفاوضات والسفريات من والى البنك الدولي والدول المانحة، وللمحافظة على سرية المشروع اضطررنا للسفر بطائرات خاصة ، وتكلفة 100 مليون للمقاولين وتضمن تكلفة الجسر ، بالطبع هناك الهدايا والهبات للمؤثرين على القرار وهناك الولائم و ..عصير التفاح الفاخر.. وهناك هبات لبناة الوطن ، لأنهم محسوبون على سيادة الرئيس ولا يمكن المساس بحقوقهم.
- وبقية المبلغ ، اين ذهب ؟
- لم يبق الكثير ، تقصد ال 650 مليون يورو ، 150 مليون على الموظفين الكبار في وزارتي لضمان ولاءهم واخلاصهم ، هم يستحقون ذلك أيضا على اخلاصهم للوطن ورئيسه العظيم وجهودهم الكبيرة في تنفيذ المشروع على أكمل وجه، كذلك اعلاميا لا بد من تزويد الصحف الوطنية والعربية بأخبار تقدم البناء والإعمار في وطننا العظيم ودور الوزارة والوزير في التقدم الحضاري للدولة باصراره على تنفيذ المشاريع الضخمة ، انت تعرف ان الصحف لا تنشر شيئا بالمجان.. وال 500 مليون المتبقية وظفت في حسابي البنكي في سويسرا مقابل اتعابي وعمولتي من تحصيل الأموال من الدول الشقيقة والبنك الدولي ، الذي يرفض الأن دعمنا الا بالتدخل في شؤوننا الداخلية، بالطبع الهدف من الأموال في سويسرا هو هدف وطني قومي من الدرجة الأولى ، من أجل ضمان أمن الوطن والرئيس حبيب الشعب وقائد مسيرته النضالية ضد الاستعمار والصهيونية والإرهابيين والمتآمرين .
قبل ان يسال الوزير الأوروبي سؤالا لا حق له فيه ويعتبر وقاحة وتدخلا في شؤون دولة صديقة ، انطلق هتاف مستشار الوزير العربي لشؤون الاعلام :
- يسقط البنك الدولي الاستعماري الصهيوني ..
وهتف الوفد المرافق للوزير العربي بصوت جهوري قوي أرعب الوزير الأوروبي ووفده:
- يسقط .. يسقط .. يسقط !!
لم يفهموا سببا لهذا الصراخ المرتفع... فخيم الصمت على الجميع !!