( الجزء الرابع )
مرت الأيام تركض بواقعها الأليم
والفتاة تبكي حسرةً في كل ليلة على حظها وتندبُ نصيبها مع هذا الرجل في هذه القرية النائية عن أحلامها المُخملية
وما كان يهون عليها حقيقة هذا الواقع سوى حضن العجوز الطيبة
التي كانت تتعلم منها كل يوم
بأن الصبر هو مفتاح الفرج ولابد أن يأتي يوم ويكون لها هذا المكان الصغير كغيره في هذا العالم الكبير ..!
وكانت الليلة الخامسة التي تنام فيها الفتاة مع أم زوجها , بعيداً عن حياتها الزوجية
كان مطلق مُستلقياً على فراشه وحيداً يُفكر في حاله المُحزن
ويفكر إلى متى سيبقى بعيداً عن زوجته المُدللة وهو لا يجد من يراعي شعوره المُشتاق للحنان والعطف !!
دبت الأشواقُ من جديد في قلب الحياة الريفية
وعادت للعشاق أيام الخوالي !!!
ونام الليل في عيون السُكان , وكانت حكاية أخرى في حياة بطل قصتنا ( مطلق )
بعد تفكير عميق جف ريق مطلق , وأحتاج لبعض الماء ليبل ريقه العطشان
وقام ليشرب الماء من الزير الموجود في باحة المنزل
فإذا بذلك الحجر الصغير يسقطُ على الأرض ... آتياً من جهة سطح الجيران !!!
فراح يمشي باتجاهه بخطوات خفيفة جداً وكان حذراً في خطواته
مشى ومشى وصعد فوق السطح ليرى من هُناك
فإذا بصوتِ فتاة تقول أنا هُنا يا مطلق
دب الخوف في جسد مطلق وبدأ يرجف خوفاً
تراجع إلى الخلف يريد العودة إلى غرفته .. ظناً منه أنها جنية !!!!!!!!
فإذا بصوتِ بكاءٍ ينادي لا تذهب يا مطلق , لا تذهب تعال وتقدم إلى هُنا
فكانت شهامته تدفعه إلى التقدم لينقذ من تدعوه إليها
وتقدم قليلاً بخطوات راجفة من الخوف
فإذا بتلك الفتاة وبوجهها القمري تظهر نفسها أمامه
زفر مطلق بتلك الزفرة العميقة من بعد خوف كبير , وقال :
من أنتِ يا ابنة الناس وماذا تريدين مني في هذا الوقت ؟
من أنتِ , كأنني رأيتكِ من قبل !!
فقالت : أنا سلمى يا مطلق
أنا من أحببتك منذُ الصغر وأنت لا تعلم عن حبي
كنتُ أقف يومياً هُنا لأراك وأنت تمشي في المنزل
وكنت أقف على طريق ذهابك إلى السوق لألفت انتباهك لي لكنك لم تشعر بي يوماً
هل تزوجت يا مطلق , هل تركتني وأنا الأقرب منك ؟
لا تعلم كم بكيت عندما سمعت بزواجك من فتاة المدينة هذه
كم تعذبت , وكم سهرت الليالي وأنا في انتظار نبأ انفصالكما لأعود وأحلق النظر فيك من جديد وأحلم بقربك ..!
فقال : عودي إلى أهلكِ يا هذه واتركي هذا الكلام , أنا الآن متزوج وكفى كلاماً فارغ
هيا أذهبي قبل أن يرانا أحد , وتضعيني في موقف محرج مع أبيك , وأنا في غنى عنه يا مجنونة !!!
أذهبي يا ابنة الناس ولا تعودي إلى هُنا مرة أخرى ... ولا تفكري فيّ أبداً
فنزل من السطح مسرعاً وهو يفكر في حال هذه الفتاة المسكينة التي تعلقت في حبه المستحيل !!!!
وصل إلى فراشه ووضع رأسه على مخدة الأحلام , وكان حلُّم جميل ..........
رأى أنه تزوج بسلمى وهي ترقص أمامه بزيها الأخضر وشعرها الطويل الساحر
وكان سعيداً جداً في حياته معها
جاء وقت الفجر , وغردت عصافير الصباح , وأنتهت الأحلام
وبدأ يومٌ آخر , يحمل في طيات ساعاته الحزن والفرح والأمل والألم
كانت الأم تجلس صباحاً في باحة الدار
وزوجة ابنها تحضر القهوة والإفطار
ومطلق ينادي , يا أهل الدار , هل من إفطار ؟
والزوجة ترد , حاضر قادمة الآن
جاءت القهوة وجاء الخبز .. وكان لذيذاً في هذه المرة
لم يصدق مطلق مهارة زوجته في صُنع الخبز
فردد عبارات الإعجاب بالخبز , وأثنى على سرعة بديهتها ومهارتها في التعلم
وبعد أن انتهوا من إفطارهم , أخذت زوجة الابن إناء الحليب لتحلب الماعز
تفاجأ مطلق من هذا المنظر !!!
وهو يرى زوجته المُدللة تلبس البرقع وتحمل الإناء ذاهبة إلى خلف المنزل حيث الماعز
ذهب خلفها ليرى بعينه ........
رآها تحلب بمهارة وخفة , فجاء نحوها وقال :
ما هذا يا أم زيد متى تعلمتِ كل هذا ؟
أراكِ تعلمتِ بسرعة من أمي .. وأصبحتِ أفضل مني ومنها ..!
فقالت : هي امرأة طيبة جداً , تحملت جهلي وعدم وعيي وشجعتني على تكرار المحاولة إلى أن نجحت
فقد تعلمت منها الكثير والكثير , ليس هذا فقط .
هل تعلم يا أبو زيد ؟
هنيئاً لنا حقاً بأمٍ كهذه , فعندما أقارن بينها وبين أمي لا أجد أي توافق بينهما
رغم أنهما في نفس العمر تقريباً
إلا أن أمي لا تملك من الخبرة شيء ولا تعرف سوى التعالي والغرور
وأمك كنزٌ مفتوح وقريب من متناول اليد , يعطيك كل ما تريده بمجرد كلمات ونصائح
فقال : أطال الله بعمرها يا أم زيد , أتمنى أن تكوني بخير معنا فقط
ولا أريد أكثر من ذلك فأنتِ أمانة غالية علينا من عمي
أراكِ لاحقاً , أنا ذاهب لأرى أمور الحلال وأعود في المساء
ذهب إلى عمله ... ومر النهار يجري في ساعاته إلى أن غربت الشمس
وعمّ الظلام على القرية لتبدأ ليلة أخرى ....... هادئة !!
دخل زيد إلى غرفته , يحاول الراحة والنوم
فإذا بصوتِ خطواتٍ تقترب من الغرفة .... وتقترب , ففُتح الباب !!!
جاءت الفتاة المُدللة بحلةٍ أخرى , تلبس ثوباً طويل وغطاء وبرقع
ودخلت الغرفة تحمل أغراضها وتريد العودة إلى واقعٍ أصبح مُستساغاً في عالمها الجديد !!
نطقت السلام ورد أبو زيد في دهشةٍ من أمره
وسألها : ماذا تغير في الأمر يا امرأة ؟
فقالت : لاشيء أريد فقط أن أعود إلى طبيعتي كزوجة , تنام بقرب شريك حياتها ؟
اقتربت من الفراش , وكانت الأنفاس تترجم الأشواق في مشهدٍ مُظلم
وناما سوياً في هدوء وعمّ الوئام بينهما , وابتدأت حياةٌ أخرى مُختلفة
يتبع ( الجزء الخامس )