فأحوال النّاس مع القرآن في رمضان أحوال عجيبة. فمن النّاس من
لا يعرف القرآن في رمضان ولا غير رمضان. ومن النّاس من لا يعرف القرآن
إلّا في رمضان فتجده يقرأ القرآن في رمضان لعدة أيام ثم ما يلبث أن
يترك القراءة وينكب على اللعب واللهو، فهذا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ومن النّاس من يختم القرآن الكريم في رمضان ولكنه لاه القلب أعمى البصيرة لا يتدبر ولا يتأمل كلام الله عز وجل، وكأنّه في سجن؛ فإذا انسلخ شهر رمضان وضع المصحف
وأحكم عليه الوثاق ولسان حاله يقول: وداعاً إلى رمضان القادم، وكأنّه أيقن أنّه سيدرك رمضان القادم. فلا حول ولا قوة إلّا بالله. قال صلى الله عليه وسلم:
«إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين».
هذا هو كتابنا إن لم نقرأه نحن فمن الذي سيقرأه إذن. أننتظر
من غيرنا أن يقرأ كتابنا، والله تعالى يقول:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}
[الإسراء:9].
أخي المسلم، أختي المسلمة:
الواجب علينا تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر فهو سبب
لحياة القلوب ونورها، وقوة الإيمان، وطرد الشيطان، وإيّاكما وهجران القرآن؛
فهجرانه يورث النفاق، وعمى القلب، والغفلة، وتسليط الشيطان.
فهذا هو الحال مع القرآن في شهر رمضان؛ فإلى الله نشتكي هذا الهجران،
والبعد عن قراءة القرآن. نشكو إلى الله قسوة القلوب، وكثرة الذنوب،
فأين المشمِّرون؟ وأين الراغبون فيما عند الله تعالى؟
فينبغي على المسلم المداومة على قراءة القرآن في شهر رمضان؛
لأنّه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. وينبغي على المسلم أن يغتنم هذه
الفرص في هذه الأوقات الفاضلة، وفي هذا الشهر خصوصاً؛ لأنّ فيه ليلة
هي خير من ألف شهر. فأي خسارة لمن مر عليه رمضان ولم يستفد منه،
وأيُّ تضييع لمن مرَّ عليه رمضان ولم يقتنص تلك الفرص.
فيا من فرط في شهرِه وأضاعهُ، يا من بضاعتُه التسويف والتفريطُ! بئست
البضاعة، يا من جعل خصمه القرآنُ وشهرُ رمضان، كيف ترجو ممن
جعلته خصمك الشَّفاعة؟!
هذا هو حالنا مع القرآن في رمضان، فكيف كان حال السلف رضوان الله عليهم؟