لذا فقد قررت. .
أن أبتكركداعية ناجح، آليات مثمرة لمعالجة كافة القضايا، تتمثل في العديد من وسائل الحكمة والتلطف في الحديث؛لإزالة الحواجر النفسية أولاًبينيوبين من أحاوره؛ كي تجد كلماتي القبول لديه؛ فأنجح في الحصول على المفتاح الذهبي لمسامع قلبه، ليصبح الطريقأمامي ممهداً؛لتأصيل ما أرجوه له من مبادئ الخير والحق!!
فما أروعأن نكون الصدر الواسعوالرحبلمن لم يعرفواالطريق إلى الله بعد؛ حتى نأخذ بأيديهم إليه؛ فنكون للناس سفن نجاة لهم في خضم هذاالبحرالهائجمنالفتن!!
ألم نكنمثلهم يوماً ما؟!ألم نكنغارقين في الشهوات والغفلات، ولكن الله سبب لنا من يأخذ بأيدينا إليه؛ فكتبت لناالنجاة؟!
أترون لوقوب لنا بالشدة والصدود والعبوس،فهل كانت قلوبنا ستقبل على الله؟!
ثم من قالأنه لابد من الشدةوالغلظةفي الدعوة إليهسبحانه؟!
ألم يمسح النبي صلى الله عليه وسلم على صدر ذلك الشاب الذي تجرأ، وسأله - وهو النبي الذي ينزل عليه وحي السماء – قائلاً : (ءإذن لي في الزنى يا رسولالله)!!
فهلعنَّفهالرسول صلى الله عليه وسلم أوصرخفي وجههأو أمربقطعرأسه؟!!
حاشا واللهوكلا!!وإنمااحتواه بحنان الأبوة، وخاطبه برحمة النبوة (صلى الله عليه وسلم) حتى يروي الشاب فيقول، فوالله لا أزال أستشعر برديديه (صلى الله عليهوسلم) على صدري، وقدأذهب الله عني ما كنت أجد من أثر الشهوة!!
وكم ترويقصص الدعاة الحكماء ألواناً من النجاحات في الأخذ بقلوب الخلق إلىالله؟!
يقول أحدهم :
أتعمددوماُ التبسط مع الناس في الحوار، حتى لو كانوا من أشد مخالفيني، عسى أن أزيلالحواجر النفسية بيني وبينهم في الحديث؛ فجمعني في المعتقل يوماً لقاء بيني وبين أشد رجال الأمنبغضاً للمتدينين!
حيث كان لايمكنه مطلقاً إخفاء مشاعرالكراهية حين ينظر إلينا!!
فأتى عليَّالدور؛ ليقوم بتفتيش محتويات الزيارة الغذائية التي أحضرتها لي أسرتي؛ فانتهزت فرصةخلونا معاً، ولم أدر ما الذي أنطق لساني بهذه الكلمات التي وقعت عليه وقعالسحر!!حيث لمأزد عن قولي : (مهماعملت في حياتك . . إياك أن تيأس من رحمة الله)!!
فواللهالذي لا إله غيره، توقففجأة عن تفتيش حقائبي!!ونظرإليَّ وهول المفاجأة يملأ عينيه، وسرعان ما تحولت ملامح وجهه من تلك الشراسةالقاتلة إلىبراءةعجيبة!!
وفوجئتواللهبالدموع تنحدرغزيرة من عينيه؛ وكأنيقد نكأت لهجرحاً غائراً!!
ولم يلبثأن أخذ يردد عبارة واحدة فقط!!يكررهاوالدموع تنحدر على وجنتيه :
حتى كدتوالله أشفق عليه مما رأيت!!ورفض بشدة إكمال عملية التفتيش!! والعجيب أننا لم نره فيالمعتقل بعد ذلك أبداً!!
وأرجو منالله أن يكون قد أكرمه بالهداية، ولكني أيقنت مما حدث؛ أن الكلمة الطيبة مع حكمةالموقف، تصنع الكثير!!
فكونواعباد الله مواطن رحمات الله على قلوب خلقه، تحظوابحب الله وحب الخلق معاً في الدنيا،وتفوزوابنعيم جنة الله يوم القيامة، فلقد خطلكم هذا الطريق، وسبقكم إليه، حبيبكم وحبيب رب العالمين، نبيكمالأمين(صلى الله عليه وسلم)!!
كنت أظن . . ولكني اكتشفت. . فقررت!!
. . الحلقة(12) . .
(الزهد في الدنيا!!)
كنت أظن . .
أنه طالما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزهد في الدنيا؛ فإنه يجب علي كراغب في بلوغ منزلة الزهد؛ أن أترك كل شيء!! فلا أهتم بملبسي، ولا مظهري، ولا بنوعية الطعام التي أتناولها، ولا بالفراش الذي أنام عليه، وإن اضطررت لشراء سيارة، وقدرني الله علي تدبير ثمنها؛ فلتكن من أقدم السيارات زمناً، وأن أسير بين الناس منكسراً، وأن يكون شعاري في الحياة برمتها (مشي حالك، فما أقرب ساعة الموت)!!
ولكني اكتشفت . .
أن الزهد عمل قلبي محض!!
ومقتضاه أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك!!
وإلا فما جدوى أن أبدو أمام الناس متقشفاً في الظاهر، ولكني أحمل بين جنبي أبشع القلوب جشعاً، وأحرصها على جمع متاع الدنيا الرخيص!! وإذا تعاملت بالدرهم والدينار، اكتشف الناس أنهم أمام غول شرس، ووحش كاسر، لا يبقي ولا يذر، ويريد أن يأكل الأخضر واليابس!! فتكون صدمتهم في أهل الدين أفظع مما يتصوره العقل!!
لذا فقد قررت. .
أن أكون العابد الزاهد، ولكن على النحو الذي رسمه لنا النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الإسلام الشامل!!
فأكون في غنى عثمان بن عفان رضي الله عنه إن استطعت، ولكن إذا دعت الحاجة (جهزت جيش العسرة)!!
وأن أملك تجارة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لو تمكنت، ولكن إذا دعت الحاجة (تركت لأهلي الله ورسوله)!!
وأملك قصواء النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أفخم المراكب ثمناً، ولكن (أعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً)!!