فانظر إلى هذا الإمام العادل الذي اجتهد في مدة ولايته مع قصرها حتى رد المظالم،
وصرف إلى كل ذي حق حقه، وكان ينادي في كل يوم:
أين الغارمون؟ أين الراغبون في الزواج؟ أين اليتامى؟ أين المساكين؟
حتى أغني كلا من هؤلاء، ولذلك قال عنه الإمام أحمد بن حنبل:
" إذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز,
ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن من وراء ذلك خيرا إن شاء الله ".
حكاية فرتونة هذه على بساطة أحداثها أرخت لعصر ذهبي كان حافلا بقصص
عدل حقيقي تواتر نقلها في كتب التاريخ والسير رغم أنه عصر لم يحجز له على
صفحات الزمن أكثر من سنتين وخمسة أشهر وبضعة أيام أحصته لنا أصابع التاريخ يوما يوما..
ثم إنها أرخت كذلك لحاكم كان العدل شغله الشاغل إذ شكل له هاجس تحد منذ أول لحظة
باغتته الخلافة فيها.. وظل ذلك الهاجس يؤرقه ويأكل منه حتى تاريخ وفاته رضي الله عنه.
والآن دعونا نتساءل: كم من فرتونة...
سوداء كانت أم بيضاء بح صوتها وهي تستنجد من دون أن يسمعها أحد؟
كم من فرتونة تشكو اليوم لصوصا يتسورون جدارها
ويسرقون منها كل شيء ولا من مجيب؟.
لترجع شعوبنا اليوم إلى حكامها لتسألهم ذلك, بل لتسألهم قبلها:
من منكم سمع أصلا بحكاية فرتونة السوداء هذه؟.
فليقولوا لهم: أيها الحكام في بلادكم تهدمت جدرنا من جديد, وماتت الطيور
جوعا بموت من كان ينثر القمح لها على رؤوس الجبال,
وأكلت الذئاب شياهنا منذ زمن بعيد!..فإذا لم تأبهوا لكل ذلك فلأي شيء ستأبهون؟
قولوا لهم: إذن لمن ستبعث فرتونة بكتابها اليوم مستصرخة؟
إننا لنعجب كل العجب كيف ينام هؤلاء..! وكيف يشعرون بالراحه..
أليس لهم ضمـائر أو قلوب..؟!
هل يجد الواحد منهم مشقة أوتعبا إذا راجع نفسه قبل أن يخلد للنوم يتذكر أفعاله وأعماله,
ويشفق على حاله وهو مسؤول عن نفسه ..
وعمـا اقترفت أو اكتسبت يداه!
إننا نشفق والله على كل من قلد منصبا قياديا؛لأنه سيسأل يوم القيامة,
سيسأل عن كل شيء حتى عن خلجات نفسه وأفكاره.