لا تتكلم فيما لا يعنيك:
إن سبب الكلام فيما لا يعني حرص الإنسان أن يعرف ما لا حاجة له به, أو قضاؤه الأوقات في الحكايات التي لا فائدة فيها, أو فضوليته لمعرفة أحوال غيره أو استشراف ما خبئ عنه, وكلها أخلاق مذمومة ينبغي على أهل الإسلام التطهر منها والتنزه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الكلمة الموبقة:
وهي كلمة المعصية, يقولها الإنسان وقد لا يهتم بها, وقد ينساها, ولكن ربك لا يضل ولا ينسى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) أخرجه أحمد والترمذي
ليس المؤمن هكذا:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) أخرجه أحمد
والطعان الذي يطعن في خلق الناس وفي أعمالهم وصفاتهم بالسوء, واللعان الذي يكثر اللعن في كلامه وحديثه, والفاحش الذي لا يستحي من ذكر الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة, والبذيء هو عديم الحياء, فتأمل هذا الحديث وأدب نفسك بآدابه… تتأدب .
هل تمزح ؟
لا يليق بطالب العلم ولا الدعاة إلى الله كثرة المزاح والمداومة عليه والإفراط فيه؛ فإن الأمة الجادة لا تعرف المزاح, والمداومة على المزاح تسقط الهيبة والوقار, وتسبب كثرة الضحك, وأما الذي يليق بأهل الإيمان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أمزح ولا أقول إلا حقًا) أخرجه الطبراني في الكبير, وصححه الألباني.
وقال عمر بن الخطاب: من مزح استخف به, وقال سعيد بن العاص لابنه: يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك (يضيق صدره منك), ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك.
المؤمن لا يكذب: فالكذب في الكلام - ولو كان بكلمة واحدة - من قبائح الذنوب وفواحش العيوب, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إياكم والكذب, فإنه مع الفجور وهما في النار) أخرجه أحمد وابن ماجه
ما الغيبة؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : (الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه) أخرجه مسلم
قال القاسمي: "حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته".
هل الغمز من الغيبة؟
قال في موعظة المؤمنين: "وإنما حرم الذكر باللسان - الغيبة - لما فيه من تفهيم الغير نقصان أخيه وتعريفه بما يكرهه, ولذا كان التعريض به كالتصريح, والفعل فيه كالقول, والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة, وكل ما يُفْهِم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام".
هل أرد غيبة أخي؟
إذا جلست مجلسًا ذُكر فيه أخوك بما يكره وجب عليك أن ترد غيبته, فعن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موضع ينتهك فيه عرضه ويستحل حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصره, وما من امرئ خذل مسلمًا في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله
في موضع يحب فيه نصرته)أخرجه أحمد وأبو داوود, وفي رواية: (من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقًا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة).
6- ثورة الغضب:
إن الغضب شعلة نار مستكنة في الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد, ويستخرجها الشيطان اللعين ويزكيها داء الكبر في قلب الغضبان.
والغضب مفتاح كل شر, وقال الحكماء: رأس الحمق الحدّة وعموده الغضب. وقال الحسن: المؤمن لا يغلبه الغضب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أوصني. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب), فكرر مرارًا, فقال: (لا تغضب)البخاري.
هل يمكن زوال الغضب؟
نسمع كثيرًا من الناس يصفون أنفسهم بشدة الغضب ولا يجدون لذلك دواءً, وقد بين العلماء أن زوال الغضب يكون بالتدريب على ذلك ورياضة النفس عليه، فمن عود نفسه التحلم صار - بطول الوقت - حليمًا, وإنما الحلم بالتحلم, وليس التدريب ورياضة النفس لينعدم الغضب, ولكن ليستعمله على حد يستحبه الشرع, فيكون في محاب الله وليس انتصارًا للنفس, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم)حسنه الألباني.
7- الرفق الجميل:
إذا كان الغضب والشدة نتيجة الفظاظة والغلظة, فإن الرفق واللين نتيجة حسن الخلق والأدب, ولا يرفق إلا مؤدب, ولأجل هذا فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ في الثناء عليه.
* فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق)أخرجه أحمد.
* وعن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالرفق؛ فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه)أخرجه مسلم
وما أجمل طالب العلم والداعية إلى الله إذا اتصف بالرفق, ما أجمله! ما أجمله!
8- من آداب الصالحين :
روى الذهبي أن جابر بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب: "أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا".
وذكر الذهبي عن معاذ قال: "ما بزقت عن يميني منذ أسلمت".
وعن أبي رزين قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.
قال الذهبي: وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس فقلعه, فقال له العباس: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه, فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري ولتضعنه موضعه.
وعن أبي سلمة أن ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت, فأخذ له بركابه, فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: هكذا نفعل بعلمائنا.
وروى الذهبي عن مغيرة قال: خرج عديٌ وجرير البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة, وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
وعن عبد الرحمن بن رزين قال: أتينا سلمة بن الأكوع, فأخرج إلينا يدًا ضخمة كأنها خف البعير, فقال: بايعت بيدي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأخذنا يده فقبلناها.
وكان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته, لم يقل لأحد: الطريق, ويقول: هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدًا.
قال سفيان بن عيينة: لما مات مسلم بن يسار قال الحسن البصري: وامعلِّماه.
وقال ابن جريج عن عطاء: إن الرجل ليحدثني بالحديث, فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد.
وعن أيوب قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين, لو أتيت المدينة؛ فإن قضى الله موتًا في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إليّ من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلاً.
وعن عاصم بن أبي النجود قال: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبَّل كفِّي.
وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل, فذكر إبراهيم, وكان متكئًا من علة فجلس, وقال: لا ينبغي إن ذكر الصالحون فيُتكأ.
وعن يحيى بن يمان قال: كان سفيان الثوري إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم تحرز من الكلام (تأدبًا).
قال أبو مصعب: سمعت مالكًا يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
وقال: كان مالك لا يُحدث إلا وهو على طهارة إجلالاً للحديث.
وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه.
وعن مالك قال: ما جالست سفيهًا قط.
وعن مالك قال: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذهب بهاؤه.
وعن ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: حق على من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية.
وقال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة, لا يتغذى ولا يتعشى إلا مع الناس.
وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال: إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا.
قال إبراهيم بن الأشعث: رأيت سفيان بن عيينة يُقبل يد الفضيل مرتين.
وقال سَلْم بن جنادة: جالست وكيعًا سبع سنين, فما رأيته بزق ولا مس حصاة ولا جلس مجلسًا فتحرك, وما رأيته إلا مستقبل القبلة وما رأيته يحلف بالله.
قال الفلاس: ما سمعت وكيعًا ذاكرًا أحدًا بسوء قط.
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ ستة عشرة سنة.
وقال الشافعي: لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: سمعت يحيى بن معين يقول: الذي يحدِّث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق.
وقال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا.
وعن سهل بن عبد الله التستري قال: من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا وأن لا يغتابوا ولا يُغتاب عندهم, وأن لا يشبعوا, وإذا وعدوا لم يخلفوا ولا يمزحون أصلاً.
وعن ابن سيرين: أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن: اسمعوا له وأطيعوا واعطوه ما سألكم, فخرج من عند عمر على حمار فوكف, تحته زاده, فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف وعرق.
وعن مروان الأصفر, سمع الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل لذلك وإن تعذبني فأنا أهل لذلك.
وقال الأحنف: ثلاث فيّ ما أذكرهُن إلا لمعتبر: ما أتيت أبواب السلاطين إلا أن أدعى, ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما, وما أذكر أحدًا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.
وكان الأحنف إذا أتاه رجل وسع له, فإن لم يكن له سعة, أراه كأنه يوسع له.
وعن ثابت البناني: أن أبا برزة كان يلبس الصوف, فقيل له: إن أخاك عائذ ابن عمرو يلبس الخزّ (الثمين من الثياب), قال: ويحك ومن مثل عائذ؟ فانصرف الرجل فأخبر عائذًا, فقال: ومن مثل أبي برزة؟ قال الذهبي: هكذا كان العلماء يوقرون أقرانهم.
قال أبو المنهال: سألت البراء عن الصَّرف, فقال: سل زيد بن أرقم, فإنه خير مني وأعلم.
قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
وقال مورق العجلي: ما قلت شيئًا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي.
وعن جميل بن مرة قال: كان مورِّق العجلي رحمه الله يجيئنا فيقول: أمسكوا لنا هذه الصرة فإن احتجتم فأنفقوها, فيكون آخر عهده بها.
وعن عمرو بن مالك قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: ما لعنت شيئًا قط ولا أكلت شيئًا ملعونًا قط, ولا آذيت أحدًا قط ولا ماريت أحدًا قط, قال الذهبي: فانظر إلى هذا السيد واقتد به.
وقال وهب بن منبه: لباس الإيمان التقوى وزينته الحياء وماله الفقه.
وقال وهب: المؤمن ينظر ليعلم ويتكلم ليفهم ويسكت ليسلم ويخلو ليغنم.