فوائد صحبة الصالحين:
أيها الإخوة: إن مصاحبة الصالحين فيها فوائد كثيرة:
1- النجاة يوم القيامة : كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) .
2- النجاة من فزع ذلك اليوم : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:67-68] . فإذا كان معهم في الدنيا نَجَى مِن الفزعِ، ولعْنِ بعضِ الناس بعضاً يوم القيامة.
3- الانتفاع بدعائهم بظهر الغيب.
4- الانتفاع بمحبة الله لمحبتهم : لأن الله قال: (وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ) كما جاء في الحديث الصحيح القدسي.
5- بركة المجالس والخير الذي يعم : (فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله للملائكة: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) لا يحرم من الفضل وإن جاء لحاجة، ما دام جلس مع الأخيار فلا بد أن يناله نصيب.
قومٌ يذكرون الله فيناديهم المنادي من السماء: (قوموا مغفوراً لكم) فما أعظم النعمة بالجلوس معهم إذا كانوا سيقومون وقد غُفِر لهم؟!
6- جلساء الخير يعرفونك على إخوان الخير فتزداد المعرفة؛ فصاحب الخير يدلك على صاحب الخير، وهكذا تزيد الاستفادة.
7- التشبه بهم ثمرة من ثمرات مصاحبتهم : وإذا كانوا على خيرٍ صرت على خير.
8- يحفظون الوقت والعمر من الإهدار.
9- ذكر الله تعالى : قال عليه الصلاة والسلام: (أولياء الله تعالى الذين إذا رُؤُوا ذُكر الله عز وجل) .
وكان القعنبي رحمه الله إذا خرج على الناس قالوا: لا إله إلا الله. وكان من أهل الحديث.
10- هم الزينة في الرخاء، والعدة في البلاء : هذه العدة التي يحتاجها الإنسان.
11- وخير معينٍ على تخفيف الهموم والغموم : وكم في حياتنا هذه من غموم وهموم؟! وكم فيها من شدائد يحتاج الواحد إلى شخص يستمع إلى شكواه فلا يجد، ولو كان لا يريد منه شيئاً إلا مجرد السماع؛ لأن في بث الشكوى راحة، فبعض الناس من النعم التي حرموها أنهم لا يجدون أحداً يسمع شكواهم؛ لفَقْد صديق الخير، وصاحب الخير، لو ما سمع إلا الشكوى لكان في ذلك تنفيس وراحة، فكيف إذا كان سيعين ويساعد بعقله ومشورته، أو بماله وجاهه ومساعدته؟! خرج ابن مسعود مرةً على أصحابه فقال: [أنتم جلاء أحزاني]. وهكذا فعلاً يكون الإخوان تسليةً وتسريةً، يكون لقاء الأحبة مُصَفِّياً ومُنَقِّياً، ويكون طارداً للهم والغم.
12- وكذلك فإن من أعظم النعم بمصاحبة الصالحين إن أُحْسِن الاختيار: تعلم العلم الشرعي.
13- الإقبال على الدين.
14- تكميل الشخصية.
15- العون على العبادة.
16- الحماس للطاعة.
17- النصرة في الحق.
18- الإعانة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
19- السمو فوق عالم المادة.
20- النجاة من اليأس.
21- الرأي السديد.
22- التخلص من العادات السيئة.
23- البركة : كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البركة في ثلاث: الجماعة، والثريد، والسحور) . فإن قال قائل: أين أجد الصالحين؟ فنقول: من مظان وجود الصالحين، أعظم المظان على الإطلاق بيوت الله تعالى. عن الحسن بن علي قال: [من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثمان خصال: آية مُحكمة، وأخاً مُستفاداً، وعلماً مُستطرَفاً، ورحمةً منتظَره، وكلمةً تدله على هدى، أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياءً، أو خشية] . المنطَلََق من المسجد، وهكذا يعرف الإنسان الإخوان وينتقيهم.
اختيار الصاحب:
إذا قال قائل: إنني وجدت منهم عدداً، فأيهم الذي أصاحب؟
والجواب: نرجع إلى ما قاله السلف ، فإنهم كانوا يفاضلون بين الأشخاص بأي شيء؟ بالعلم، والسنة، والعبادة، وخدمة الدين، والخلق.
ولذلك فإن الإنسان لا يعْدِم مِن الموازنةِ التي تقوده إلى صاحبه الذي يخالطه، ويتابعه، ويعاشره، ويأوي إليه. فانظر فيهم: مَن أزكى علماً، وأشد اتباعاً للسنة، وأحسن خلقاً، وأكثر حرصاً على خدمة الدين والدعوة إلى الله؟ فعند ذلك تعرف من تخالط.
ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: "فالعجب ممن يترخص في المخالطة وهو يعلم أن الطبع يسرق، وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل ليُستفاد منه، فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي، إلا إذا كانت للتذكير والتأديب" وهذه كلمةٌ عظيمة. إن كنت أنت الذي تدعوه وهو دونك فنَعَم، وتعلمه وهو دونك فنَعَم، وإلا فإن الإنسان يحرص دائماً على صحبة الأرفع والأعلى والأكثر فائدة. وتأمل في علاقة الإمام أحمد رحمه الله بـمحمد بن نوح كيف كانت متبادلة من الأعلى إلى الأدنى ومن الأدنى إلى الأعلى.
قال الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن نوح الشاب: ما رأيت أحداً على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد خُتِم له بخير. وذلك لأنه لما أخذا معاً إلى المأمون في فتنة خلق القرآن مقيدَين فمات محمد بن نوح في الطريق، فغسله الإمام أحمد رحمه الله وكفنه وصلى عليه، وقال هذا الكلام في شأنه: إني لأرجو أن يكون قد خُتم له بخير.
قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله ! الله.. الله.. إنك لست مثلي! أنت رجلٌ يُقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك لِمَا يكون منك، فاتقِ الله، واثبت لأمر الله. قال: فمات، وفُكَّ قيدُه، وصليت عليه، ودفنته يرحمه الله. اللهم ارحم موتانا، اللهم إنا نسألك صحبة الأخيار، وعيشة السعداء، وميتة الشهداء، وحياة الأتقياء، ومرافقة الأنبياء، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
صحبة الأشرار وأضرارها:
الحمد لله، وسبحان الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ الرحمة المهداة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: إن الله تعالى حذَّّرنا من أهل السوء، قال : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] .
يا من تُعاشِر صاحب سوء وأهل السوء! فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] لا تقعد بعد الذكرى مع أهل السوء؛ فإن الله نهاك عن ذلك: فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] هؤلاء الذين يتبرأ بعضُهم من بعض، ويقول الواحد منهم يوم القيامة: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] . ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ في دعائه من صاحب السوء كما قال: (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة) لأنه ملازم؛ فإذا كان صاحب سوء فكيف يسلم من شره. (أعوذ بالله من صاحب السوء) قرين السوء الذي لا يمكن أن تأمنه على شيء؛ لا على عرض، ولا على مال، ولا على سر، لا يعينك على خير، ويزين المعصية، ويحث على الخبث. لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإذا أنعمت عليه كفَرك، وإذا أنعم عليك مَنَّ عليك. ينبغي أن يُخْتَبَر الناسُ قبل مؤاخاتهم وذلك عند الهوى إذا هوى، وعند الغضب إذا غضِب، وعند الطمع إذا طمِع، ليُنْظر ما حاله في هذه المواقف الثلاثة! قال شيخ الإسلام رحمه الله: الناس كأسراب القَطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض. ولا تقل: إنه لا يضرني، فالصاحب ساحب، والتشبه حاصل.
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً فكلُّ قرين بالمقارَن يَقتدي
مَن الذي علم أصحاب المخدرات المخدرات؟! ومَن الذي جر الفحش إلى كثير من أهل الفحش؟! ومَن الذي أعطى القصص الخليعة وروايات السوء إلى من تأثر بها؟! َمَن الذي جلب إليهم الأفلام؟! مَن الذي سافر معهم إلى بلدان الشر والفساد؟! مَن الذي ضيعهم عن أهليهم؟! مَن الذي جعلهم يضيعون أماناتهم، وزوجاتهم، وأولادهم؟! إنهم قرناء السوء، أثرهم واضح في الواقع، يضيِّعون العمر، إنهم مَرَضٌ وهَمٌّ، وغَمٌّ وعجز. أيها المسلم! يا عبد الله! قد تكون أنت من أهل الخير، ولكن في نفسك شيء من الهوى إلى الجلوس إلى بعض أهل السوء، فإياك.. إياك.. أن يأخذك إلى أي مكان؟! إن صاحب الخير يأخذك إلى مسجد، أو حلقة علم، أو زيارة نافعة، أو عبادة وطاعة، أو قربة، أو يصحبك في حجٍ أو عمرة. أما ذلك فيأخذك إلى مكان دمَّر حياةَ كثير من الناس! فهل من توبة؟! وهل من عودة؟! وأقل ما في صحبتهم: ضياعُ الأوقات. حدثني واحدٌ قال: ذهبنا ووقفنا على أرجلنا إلى الساعة الواحدة ليلاً، ننتظر عملية القمار والميسر، ماذا ستكون نتيجتُها؟! ومَن الذي سيفوز بالسحب؟! ضاع الوقت، وضاع العمر، ومشاهدة المعصية، وهكذا الفكر الخالي، والعقل الخالي، والقلب الخالي؛ يسهُل جَرُّ صاحبِه. والناس إذا كانوا أصحاب تفاهات لو قيل لهم: إن في فَتِّ البعر سراً لأقبلوا على فَتِّه؛ لأن كثيراً منهم ليسوا بأصحاب عقولٍ راجحة، فيسهل الضحك عليهم، ويسهل خداعهم، وهذا حال كثير من الناس. فإذا لم يُوَفَّق الإنسان بصاحب عقلٍ راجح فكيف يكون العيش؟! وإذا كان الإنسان في مكان لم يجد فيه قريناً صالحاً، قد يعيش في مَجْمَع سكني، أو مكانٍ ناءٍ لا يجد فيه صحبة صالحة، يُبْتلى العامل بعمال حوله من النصارى والهندوس، أو غير ذلك ممن يكونون معه، فربما لا يجد أحداً من أهل الخير، فماذا يفعل عند ذلك؟ قال العلماء: فالأَولى للرجل في هذه الحالة ألا يزور إلا المقابر، ولا يفاوض إلا الكتب، وليستعن بالله على التوفيق، ويجعل خلوته أنساً بالله تعالى. إذا لم تجد أصحاباً فخالط كتب العلماء، وإذا لم تجد صالحاً تزوره فزر القبور. أيها الإخوة: كثيرٌ من الناس لا يغيرون العلاقات السيئة؛ لِقِدَم العهد وجريان العادة، فهو لَمَّا تعود على هذه الشلة لا يريد أن يفارقها؛ إن هناك جاذبيةً، إن سريان الوقت قد جعله متعلقاً بهم، فانتشال النفس من بينهم يحتاج إلى دينٍ، ومجاهدة، وإرادة قوية لا يُرْزَقُها إلا من أخلص النية لله من أجل الخلاص. يا أيها الأب: ساهم في توجيه ولدك إلى أهل الخير في الوقت المبكر؛ فإن الولد إذا كَبُر فَبَنَى علاقاته بنفسه، فإنه يصعب عليك جداً أن تغيرها أنت، اختَر له قبل أن يختار هو، فإذا رأيته مال إلى أهل الخير فشجِّعه، وأيِّده، وانصره، ووافقه على ما مال إليه؛ لأنه فيه صلاح دينه ودنياه. وبعضهم يقول للأخيار: أدفع لكم نقوداً وخذوا ابني. وبعضهم اعتَبَر بضياع الولد الأول، فلا يريد أن يضيع الثاني، والذي رأى تجارب غيره لا يحتاج أن يجربها. وهذه من مسئوليات الآباء في اختيار الأولاد الصالحين لمرافقة أبنائهم منذ السن المبكرة، وأن يتعاون الجميع على أن يوجدوا بيئات صالحة؛ وإيجاد البيئات الصالحة مسئولية عظيمة، وصدقة جارية، والله إن الذي يوجِد مجموعةً صالحة يعيش فيها ولده وولد غيره وولد جاره صدقةً جارية، تكون له في كل علم اكتسبوه، وخلق انتفعوا به. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين ينشغلون بذكرك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم اجعلنا ممن يصاحب الأخيار يا رب العالمين! اللهم لا تجعلنا من النادمين، اللهم لا تجعلنا من النادمين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين. اللهم انصرنا على أعداء الدين، اللهم عجِّل فرج المسلمين. اللهم إنا نسألك أن تهلك الكفرة الذين يعادون رسلك ويكذبون وحيك يا رب العالمين! اللهم أنزل بهم بأسك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ونجنا برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين..