عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-2012, 03:29 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

عجبـــــــــاً يا أمى
الجزء التالت و الأخير
عجبًا يا أمي!
كيف يساوم الغنيُّ - وقد وجد كلَّ شيءٍ -
الفقيرَ على راحة فكرِه وهدوء بالِه،
وهو لا يملك سواها، ولكنَّه لا يستبدلها بكلِّ مال الغني؟!
رأيتُ عزَّة النَّفس مدوَّنة في أعين المتعفِّفين عن السؤال؛
بل حتَّى عن قبول العطيَّة.
رأيتُ مَن أخرج الجوعُ ضلوعَه من مواضعِها،
ويأْبَى أن يُلقَى له الطَّعام كما تُلْقَى العظام للكلاب.
رأيتُ عجبًا عجابًا يا أمي.
رأيت أناسًا لا يمنعهم التّرحال ولا قفْر الرمال ولا تزاحُم الأشغال عن تعْفير جباهَهُم سُجَّدًا، على وقت الأذان، خضوعًا للرَّحمن،
ورأيتُ - يا أمي - مَن جمع الخَمْس، ومَن لا يدري هل صلَّى بالأمْس،
ومن يترفَّع عن البكاء خشيةً ورهبةً؛ لأنَّ البكاء ليس من شِيَم الأبطال!
عجبًا يا أمِّي عجابًا،
كيف نسيتْ ذاتُ الحجاب حجابَها معلَّقًا وراء الباب،
وتجاوزتْ دونه الأعتاب، وخرجت تطوفُ بالشَّوارع دون وازع،
تُجادل وتنازع،
وتُطالب بالحقوق ونسِيت أعظم الحقوق معلَّقة خلف الأبواب؟!
ليْس فقط الحجاب يا أمّي، ليس فقط الحجاب،
بل الأولاد والزَّوج والأهْل والدِّين، وقبلَهم ربّ الأرْباب،
نَسِيتْ يا أمّي، وهل يؤاخَذ المرْء بالنِّسيان؟!
لكنَّها حتمًا ستذْكُر يوم تقف للديَّان، لا مال ولا أهْلَ ولا خلاَّن،
ستذْكُر كلَّ الحقوق الَّتي أسقطتْ أوراقها من حقيبتِها.
ورأيتُ - يا أمي - مَن انتُزِعَ الحجاب عن وجهها انتزاعًا،
فأخفت وجهَها بيديْها وبكت بالتياع،
وتذكَّرتُ مَنْ صرخت: وامعتصماه!
لكن لا عاصم اليوم - يا أمِّي - إلاَّ الله.
عجبتُ لِمن تقتلُه الوحدة رغْم كلِّ الصَّخب من حوله والضَّجيج،
عجبتُ لِمن لم يبحث عن الأُنس حيث يوجد،
ومضى يَهيم على وجهِه باحثًا عنْه
حتَّى إذا أعْياه التَّعب رفع طرفَه للسَّماء فوجده هناك،
وعلم أنَّه
"ليس وحيدا أبدًا من كان مع الله".
فتاب وأناب، ودعاه:
"إني أسألك الأنس بقربك".
يا ساتر الأسرار استُرني بالليل والنهار.
عجبتُ لنفوسٍ تَضيق عن احتِمال سرِّها فتبوح به ثمَّ تغْضب مِن انتشاره، وأُخرى يستُرُها الله ثمَّ تفضح أمرَها وتجاهر به،
ولنفوس أُخرى أشغلها في الحياة البحثُ عن أسرار النَّاس،
وأخرى تبحث في أسرار الحياة.
تتأمَّل، وتتفكَّر، وتفكِّر،
وفي نهاية الأمر تنكصُ على أعقابِها وتتردَّى إلى مهاوي الجحود،
عجبًا يا أمي!
عجبٌ يا أمّي حال هذه الحياة.
تناقُضات وتباينات واختلافات، ونزاعات وخلافات،
والتِزامات وارتِباطات ومسؤوليَّات، ومشْكِلات وأزمات،
واختِناقات وبعض انفِراجات.
إنَّه الكَبَد يا أمّي.
وبعده، يأْتي الممات.
نسأل الله الثبات، يا أمي.
نسأل الله الثبات






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة