قال :
{ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }
وهذه المراتب مترتبة في الفضل والكمال مثلا العلم بالنار
بتوسط النور أو الدخان هو علم اليقين والعلم بها بمعاينة جرمها
المفيض للنور عين اليقين والعلم بها بالوقوع فيها ومعرفة
كيفيتها التي لا تظهر بالتعبير حق اليقين ،
وبالجملة علم اليقين يحصل بالبرهان ، وعين اليقين بالكشف
، وحق اليقين بالاتصال المعنوي الذي لا يدرك بالتعبير.
وقيل: اليقين :
وكان الأئمة يدعون الله أن يكونوا مشتغلين بطاعة الله في كل أحوالهم
ومستغرقين في محبته وأن لا يغفلوا عن خدمته لحظة واحدة فقد قال منهم في بعض أدعيته :
« واشغل بطاعتك نفسي »
وعلق على هذه الفقرة بعض العلماء بقوله :
سأل عليه السلام أن يجعل سبحانه نفسه مستغرقة في طاعته تعالى ،
متوجهة بكليتها عن كل ما يوجب الالتفات عن حضرته المقدسة ،
من الاهتمام بعلائق أحوال الدنيا الواردة عليه من خير وشر ليكون هواه وإرادته
فيما أراده الله تعالى وقدره وقضاه ، فلا يحب إلا ما أحبه الله ،
ولا يسخط إلا ما سخط الله ، وهو مقام الرضا بالقضاء .
- إلى أن قال - وبالجملة : السالك إذا اشتغل بما يعنيه وترك مالا يعنيه حقيقة ،
وصل إلى مقام المشاهدة الذي هو عين اليقين ،
وإذا وصل إلى هذا المقام استولت على قلبه المحبة التامة ،
وإذا حصلت له المحبة ثبت في مقام الرضا ، فيرضى بكل ما صدر ويصدر منه تعالى ،
كما هو شأن المحب مع محبوبه ، فلا يحب شيئا مما سخطه ،
ولا يسخط شيئا مما أحبه ، بل يستقبل أحكامه بالفرح ، ولا يكون لنفسه معها مقترح ،
وأهل الرضا يرون من الرضا أن لا يذم شيئا ولا يعيبه ،
ولا يتسخط ما أراده وفجر مواده ، ولا يزري على ما أبدعه وخلقه وصنعه ،
بل يشاهد الصانع في جميع ما صنعه ، بل لا ينبغي أن يقول العبد :
هذا يوم شديد الحر ، ولا هذا يوم شديد البرد ، ولا يقول : الفقر بلاء ومحنة ،
ولا العيال هم وتعب ، والاحتراق كد ونصب ،
ولا يعقد بقلبه من ذلك مالا يفوه بلسانه ، بل يرضى القلب ويسلم اللسان ،
وتطيب الروح وتسكن النفس ، ويستسلم الفعل بوجود حلاوة القضاء والتقدير ،
واستحسان محكم التدبير .
ومثل هذه الحالة لم تكن ممكنة فقط بل مارسها ووصل إليها عدد
من المؤمنين الذين شملتهم عناية الله سبحانه بهم وفي مختلف الأزمنة