وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه
وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور
من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم
وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها .
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة
فقال عن المنافقين :
( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ )
المنافقون 4
وقال :
( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً )
مريم 74
أي أموالا ومناظر وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )
صحيح مسلم رقم 4651
وفي الحديث : ( البذاذة من الإيمان ) رواه ابن ماجه 4108
وأبو داود 3630 وصححه الألباني رحمه الله
وفصل النزاع أن يقال الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع
منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم
فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب
للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه فإن ذلك محمود
إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه
والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات
وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس
ليس لها همة في سوى ذلك
وأما مالا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين
فأوله معرفة وآخره سلوك فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء
ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده
أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل
وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس
والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار
فيعرفه بصفات بالجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة
فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه
فجمع الحديث قاعدتي المعرفة والسلوك .