وإليكم التتمة
الحلقة الثانية:
من ذاق عرف/:
ولقد ذقت طعم محبتك فلم أجد أحلى ولا أفضل ولاأكمل منه بعد لاوة العبادة والطاعة لله .
ولن يستطيع أي لسان مهما كانت بلاغته وفصاحته أن يصفه.
فهي حلاوة أوجدها الله عزوجل للمتحابين فيه.
وكل من ذاق طعمها لا يرضى بدونها بديلا ، فجميع لذات الدنيا تقف على استحياء بعيدا عنها .
وكل من جربها وذاق طعمها ثم حيل بينه وبين إخوانه لسفر أو غيره يجد مرارة الغربة تلازمه والشوق إلى ديار إخوانه وأحبابه لا يفارق قلبه.
فمساكين أهل الدنيا لو علموا ما نحن فيه من النعيم ،لتيقنوا أن جميع لذاتهم لا تساوي شيئا بجوار حلاوة الحب في الله ،ولحاولوا أن ينهلوا منها ، ولكن هيهات فالله عزوجل هو الذي يختار لها أهلها .
# أخي في الله :
رأيت علامات التعجب بادية على وجوه الكثيرين ممن يرونا ويرون مدى ما وصلت إليه علاقتنا .
لاحظت دهشتهم عندما يشاهدون المهندس يسير مع العامل ، والطبيب مع الفلاح ، والطالب مع المدرس، والغني مع الفقير ، والصغير مع الكبير.
سمعتهم يتساءلون : ما الذي جمع بين هؤلاء مع اختلاف مشاربهم وثقافاتهم ومكانتهم ؟
ما الذي جعلهم يتفانون في خدمة بعضهم البعض دون تبرم ،بل بسعادة وسرور؟!
ولماذا لا يحدث بينهم مثل ما يحدث بين بقية الناس من كبر وأثرة ومشاحنات وخصومات؟!
إننا يا أخي غرباء بين الناس ،فنحن نعمل على تطبيق الإسلام بيننا في الوقت الذي أصبح فيه الإسلام غريبا بين أهله كما أخبرنا بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم عندما قال(بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء )..
فلا تندهش من حولك عن سبب ما يحدث بيننا من الألفة وحب ونكران للذات وإيثار….ووووو……
فهؤلاء لم يتعودوا إلا على الأثرة وحب الذات والعمل على تحقيق مصالحهم على حساب الآخرين لأنهم بعيدون عن الإسلام ..
أخي في الله ..
أحذر نفسي وإياك من أن يحب أحدنا الآخر لذاته ،ولأنه يميل إليه ويجد متعة نفسية في وجوده معه،فلا يشاهد إلا معه في حله وترحاله ،وجده وهزله ،فيؤدي ذلك إلى الارتباط الشخصي ،وهذا من أخطر منعطفات الأخوة في الله حيث يتحول الحب من حب في الله إلى حب لذات الأشخاص فإذا انحرف أحدنا تبعه الآخر لأنه مرتبط به ،سائر في ركابه ولنتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما مات ،جزع الناس وفزعوا …فلما علم أبو بكر بذلك..صعد المنبر وقال للناس:من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت..وقرأ قوله تعالى ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ))آل عمران (144)
ففي هذه الكلمات الموجزة من أبي بكر رضي الله عنه _صحح المسار ،وربط الناس بربهم ..وخرج الناس كما تقول كتب السيرة _يرددون هذه الآية..
فلنتآخى جميعا ..ولنرتبط برباط الله لا برباط ذواتنا..
أخي في الله..
من علامات صدق أخوتنا وحبنا في الله :إعانة كل منا للآخر على التقرب إلى الله ، كما كان الصحابي يقول لأخيه :اجلس بنا نؤمن ساعة..
فيذكر كل منا الآخر بفعل الخيرات ،ويعينه على أدائها وينهاه عن فعل المنكرات ويعينه على اجتنابها ..
فنذكر الله ، ونقرأ القرآن ،ونقوم الليل ،ونصوم النهار ،ونتدارس كتب العلم سويا ،وغير ذلك من الفضائل التي حثنا الله عليها ما تيسر من ذلك_وبهذا يتحقق مقياس الأخوة الذي ذكره الله عزوجل على لسان موسى (((واجعل لي وزيرا من أهلي (29)هارون أخي (30)اشدد به أزري (31)وأشركه في أمري (32)كي نسبحك كثيرا (33)ونذكرك كثيرا (34)إنك كنت بنا بصيرا )))..
وبذلك يجذب كل منا الآخر إلى الأعلى ،فتصبح لقاءاتنا على ما يحبه الله ، وفراقنا بالتواصي على ذلك أيضا فنصير بحق كالرجلين اللذين أشار إليهما صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة اللذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ،ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)…….
يتبع