رواية الزهـــور الذهبية للكاتبة امرأة من زمن الحب
عندما عاد (ألفريدو) مر بجانب الإسطبل فرأى (أنجيليتا) من بعيد تلاعب بعض الخيول وشعر انها تتعامل ببعض العصبية فاقترب منها وقال :
"أنظري ماذا أحضرت لك يا حبيبتي وأنا في طريق العودة......بعض الزهور التي تعشقينها....ألا تريدين أن تشتميها وتضميها إليك؟!...."
ولكنها ظلت متجاهلة له وقالت :
"لا شكرا....لست بحاجة للورود بعد الآن.....!!!"
فاندهش من لهجتها وقال لها :
"ماذا حصل يا عزيزتي هل هناك شئ؟!....."
فظلت بهدوءها وقالت :
"لا شئ......ولما يجب ان يكون هناك شئ؟!ّ....هل لأني لا ابتسم لك وأمازحك كالعادة؟!.......يجب أن تعلم اني لست دائما على استعداد لفعل ذلك ولست دائما في مزاج جيد للحديث معك"
"ما الأمر؟!....هل فعلت شيئا جعلك تغضبين؟!....ولكني لم أغب سوى ساعة ولقد كنا في افضل حال عندما كنت معك في الأسطبل......مالذي حصل منذ ذهبت وحتى أتيت...؟!......"
"قلت لك لم يحصل شئ.......والآن ابتعد عن طريقي أنت تؤخر عملي..."
فأمسك بذراعها مانعا إياها من الحركة وقال : "أنظري إلي.....أخبريني ماذا حصل....تكلمي يا (أنجيليتا) "
"ولماذا يجب أن تعرف؟!.....ابتعد عني..."
فهتف ظافرا :
"هناك شئ إذن.....لن أتركك حتى تخريني.....هيا..!!!"
"كفى...كفى ابتعد عني لن أخبرك شيئا......ولما افعل؟!..."
ودفعته بغضب فعلى الرغم من حبها الشديد له تمنت لو تضربه وهرولت مسرعة بينما تسارع تنفسه وشعر بغضب حقيقي لأنه لا يستطيع أن يفهم ما بها ثم قال فجأة جملته صارخا...كادت تجعلها تسقط على الأرض حيث قال :
"أريد منك أن تتزوجيني....!!!!!"
استدارت له مذهولة وكان هو مذهولا بكلماته مثلها تماما وكأنها خرجت من عقله الباطن فشعر بالغضب لأن هذا دمر كل مخططاته واقترب منها....كانت النظرة الذاهلة لا تفارق وجهها ثم قال مؤكدا :
"أجل أريد منك أن تتزوجيني..."
"....لا!!!!!!"
قالتها بصرخة فزع فجرحته الكلمة وقال :
"هل تنفرين من الفكرة لهذا الحد.....فكرة أن تكوني امراتي....أم أولادي؟!.."
"كفى لا تكمل....لا تكمل"
وحاولت الهرب مجددا ولكنها أم***ا بقوة هذة المرة وأدارها إليه وقال بعينين معذبتين :
"أحبك....أحبك كثيرا.."
"كفى ..!!!"
"وأريدك أن تكوني زوجتي...إلى أن يفرقنا الموت..."
"كفى ..!!!"
"وننجب أولادا كثيرين ونعيش ما تبقى من حياتنا سعداء لا ينقصنا شئ.."
"قلت لك توقف.!!"
ودفعته فكان هذة المرة وكأن الحزن تملكه وقال قانطا :
"لماذا لا تريدين الزواج بي؟!....لماذا؟!....ماذا تريدين أن تكون نهاية حبنا إذا؟!....."
"كفى كذبا ونفاقا....أهي الخطة التالية التي اتبعتها؟!....ماذا ستكسب من ذلك؟!.....لقد اكتشفت حبيبتك خدعتك فأردت التصرف بسرعة....ولكن ماذا ستجني من ذلك؟!....أن تستمتع بإذلالي؟!.."
كانت صدمته حقيقية وقال :
"عما تتحدثين؟!....."
"لا تحاول خداعي فلن تنجح بعد الآن.....وأنا التي احببتك وتوقفت عن الإستماع لعقلي لأني وثقت بك وقلت انه مهما حصل فلن تتركني ولن تتخلى عني ولكن كل هذا كان أوهاما.....العالم الذي بنيته كان وهما....لقد خدعتني وحطمت قلبي....كل هذا لأنك سيد المنطقة وأنا الخادمة؟!....ولكن ألا تعلم أن الخدم لهم مشاعر ايضا وأحاسيس؟!.....أنهم بشر مثلك....كيف فعلت بي هذا؟!....لقد دمرتني......حطمت قلبي..."
ووقعت على ركبتيها تبكي بحرقة فرفع (ألفريدو) رأسها بعنف وقال صارخا :
"ماهذا الهراء الذي يخرج من فمك؟!......ماذا جرى لك ؟!....تكلمي!!!!"
"لقد....سمعتك انت و (فلوريا).....سمعت كل شئ.....سمعت كيف توددت إليها حتى لا تنطق بحرف عن علاقتنا التي تمثل أكبر عار في حياتك....سمعتك وأنت تقول أن ذلك سيفسد حياتك ومخطاطك.....سمعت كيف أنفيت أي تأثير لعلاقتنا على حبك لها....."
"هذا إذن ما حصل؟!.....أيتها الحمقاء.....لابد انك لم تسمعي ما تبقى من الحديث.....ألم تسمعي كيف اعترفت لها بحبي لك وحاولت ان أفهمها بكلمات رقيقة أن حبها لن يجد له مقابل في قلبي لأني احبك انت؟!.....كم انت سريعة الشك.....كان عليك أن تثقي بي ولو قليلا...أما بالنسبة لمخططاتي فلم يكن منها أني سأطلب منك الزواج اليوم.....كنت سأفعل هذا يوم عيد ميلاك القريب وكنت سأقدم لك خاتم الزفاف كهدية عيد ميلادك ها هي أنظري..!!"
وأخرج علبة من جيبه وفتحها وظهر خاتم من الزمرد في وسطها....كان أروع خاتم وقعت عليه عيناها...كان بلون لازوردي مثل عينيه تماما وقالت وسط دموعها :
"هذا .....هذا غير حقيقي....انت تخدعني...."
فركع أمامها وقال بابتسامته العاشقة :
"ماذا؟!.....ألا تزالين تشكين بي؟!....من الصعب إرضائك أليس كذلك؟!....لقد كنت أخطط لهذا الأمر منذ زمن....أمر زواجنا والمكان الذي سنعيش فيه....وكيف سأطلع أبي وأبيك....وماذا سنفعل في شهر عسلنا وكل هذا كان سيدمر في حال حصل شئ مفاجئ وعلم أحد بما بيننا قبل أن أنفذ كل ما برأسي وقبل ان تكوني زوجتي حقا "
"أنت حقا تريد أن تتزوجني؟!...."
فقال يائسا:
"ماذا؟!....ألم تصدقيني الى الآن؟!...أرجوك إفهمي ما أقوله.....أنا لا أخادع أو أمزح...أنا أريد أن أتزوجك الآن وفورا.....وأتمنى لو تقولي نعم"
وقدم لها الخاتم وهو راكع الى جانبها وظلت تحدق به....كان أوسم من أي مرة رأته فيها في حياتها وطال صمتها والريح تداعب خصلات شعره بحيث انسدلت على جبهته فأيقتنت تلك اللحظة أنها لن تعشق في حياتها أي كائن كما تعشقه وايقنت أن سر ألمها القاتل ليس لأنه خدعها بل لأنها تخيلت أن علاقتها به ستنتهي هكذا وأنه سيكون من نصيب امرأة أخرى غيرها فشعرت أن قلبها سيتوقف عن الخفقان وايقنت أنها كانت تتمنى هذة اللحظة منذ أن رأته....أن يطلب منها ان تكون زوجته فابتسمت وهي تراه يتصبب عرقا منتظرا ردها ثم قالت :
"كيف عرفت مقاس إصبعي؟!..."
"هذا لا يهم.......هل انت موافقة أم لا؟!.."
فرفعت أصابعها تنظم خصلات شعره وقالت :
"انت الذي لا تثق بي الآن ولا تثق بقلبي وبما أحمله لك فيه...انت الذي تتشكك بي الآن......من المستحيل أن يكون جوابي هو لا..."
"أرجوك قوليها......قولي نعم..."
"نعم..!!!!!"
فعانقها بقوة....بقوة لدرجة أنها شعرت أنها ستختنق...كانت سعادته لا توصف وسمعت قلبه يدق بسرعة رهيبة يكاد يسابق قلبها ثم قال :
"الآن أنا رجل جديد....أشعر بروحي ترفرف في السماء....ستكونين زوجتي....لن أصدق حتى أضيف اسم عائلتي الى أسمك.."
فابتعدت عنه قليلا وقالت بجدية :
"ولكن يا حبيبي الحياة ليست وردية كما تتخيل.....ولا اظن أننا إذا تزوجنا سنعيش سعيدين كما نتصور وينسى كل من حولنا من نكون ويباركان زواجنا فلابد أن تقوم حرب لا طائل لها.."
"أعرف كل هذا وسلاحي هو حبي......لن أخسر هذة المعركة ولن أتخلى عنك ولو فارقت روحي جسدي أنت الآن جزء مني.....مسئوليتي...انت إمرأتي....ولن أسمح لمخلوق أن يمسك وسوف أفعل كل ما يتطلب الأمر لنعيش حياتنا بسعادة وليتقبل الجميع قراري وليعيش أولادنا سعداء هانئين ولكن قبل كل هذا.....فلتفعلي ما سأطلبه منك....انستطيع أن ننفذ كل ما في رأسي وإذا فعلت....فأنا واثق أننا سننجح"
"ماهو؟!......"
"فلنتزوج...الآن......رسميا و دون استشارة من أحد ونعود لنضعهم أمام الأمر الواقع بحيث لا يستطيع أن يفرقنا احد ولن يفلح أبي مهما فعل في تفريقنا فأنت ستكونين زوجتي أمام القانون سواء أعجبه ذلك أم لا..."
"ولكن.....هذا سيجعل السيد (فرناندو) يغضب غضبا فظيعا......وقد يقوم بطردك وحرمانك من رؤيته مدى الحياة...."
"أني المالك الرسمي لممتلكات العائلة فلقد بلغت سن الخامسة والعشرين كما أنني أدير كل املاك والدي حاليا وأصبح كل رجال الأعمال في السوق يعرفونني ولا يثقون إلا بي....لن يكون ترك كل هذا سهلا على والدي سوف يفكر في الأمر بعقل فهو يعشق المال أكثر بكثير من أن يفكر شخص زوجة أبنه وقد ينسى ذلك نهائيا...."
فشعرت (أنجليتا) بالريبة من توقعات (الفريدو) وهي تستحضر في ذاكرتها ذكرى اليوم الذي قابلت فيه السيد (فرناندو) وشعرت أنه قد يسحقها إذا علم بهذا ولكن (الفريدو) يعرفه أكثر منها وقد يكون محقا ثم قالت :
"وماذا عن أبي؟!....أرجوك لا أستطيع أن أتزوج دون أخباره....أنه أبي وهو أقرب الناس لي"
فقال بحنان : "أدرك ذلك يا عزيزتي وإن كان هذا يرضيك فسوف نعلمه بهذا.....ثم نتزوج في القرية ونقيم إحتفالا قصيرا هناك قبل عيد ميلادك بليلة.....و قد نقيم في أحد البيوت هناك ليومين أو ثلاثة بعيدا عن العالم لنعيش أيام شهر عسلنا ثم أعود لأخبر أبي وأقدمك له على أنك زوجتي......ماذا؟!......هل تشعرين بالتردد؟!..."
"لا ولكن......ماذا عن الشهود؟!....ألن يكون هناك شهود على زواجنا؟!....."
"سيكونون من رجال القرية...ويمكن أن نفكر في (اندريه) ليكون شاهد على زواجنا ولو أني لم أفكر في أخباره ولكن هذا لا يهم فهو الى جانبنا على أية حال والآن لنبقي هذة العشرة أيام قبل عيد ميلادك هادئين وعاقلين حتى ينفذ كل شئ كما نتمنى.....وأتركي لي أخبار والدك.."
كان اخبار السيد (خوسيه) برغبة (الفريدو) و(أنجليتا) بالزواج أمرا في غاية الصعوبة لذلك اتفق (الفريدو) و (أنجليتا) على أن أفضل شخص لهذة المهمة هو السيدة (سوزي) فهي تحبهما معا وتستطيع إقناع السيد (خوسيه) وقد تستطيع إقناعه بالجزء الأصعب وهو زواجهما دون علم أهل (الفريدو) ولكن الذي لم يتوقعانه أن إقناع السيدة (سوزي) نفسها كان صعبا فرأيها كان انهما يتحديان السيد الكبير وقد تكون تلك نهايتهما ولكن لم تكن لتصمد أمام توسلاتها وإلحاحهما فذهبت الى (خوسيه) وجلست معه قائلة أن لديهما أمر مهم حتى سمعا صوت السيد (خوسيه) يقول :
"لابد انك تمزحين.....لاشك أنها مزحة.....لا يمكن ان تكوني جادة.."
فنظرا إلى بعضهما البعض بقلق وقالت (أنجليتا) :
"كنت أعرف أنه لن يوافق مطلقا"
فرد (الفريدو) :
"لا لا تقولى هذا....لابد وأن تقنعه السيدة (سوزي) لن يكون هناك من يمنعنا من الزواج مهما كانت سلطته وسأقول لك شيئا وأرجو أن تكوني معي.....حتى لو رفض والدك فسوف نتزوج فإن ما نفعله هو إعلامه ليس إلا وليس أخذ رأيه....كما أني...."
ثم سمع صوت (خوسيه) يقول :
"ليستمتع معها قليلا ثم يتركها للذئاب ليلتهموها؟!.....يتركها مع أفراد أسرته يتقاذفونها ما بينهم؟!.....لن أسمح بهذا...."
فدخل (الفريدو) مندفعا وقال :
"لا يا سيد (خوسيه).....لم ولن يخلق من يستطيع أن يؤذي (أنجليتا) وأنا حي......إذا كانت في حمايتك في الوقت الحالي فكن واثقا أن حمايتي لها ستكون أضعافا عندما نتزوج..."
"أسمع يا سيد (الفريدو) ....ما من سبب منطقي يجعل رجل نبيل مثلك يختار ابنتي لتكون زوجة له مدى الحياة.....حتى لو كنت تحبها الآن....سيأتي اليوم الذي ستخجل فيه أن تواجه المجتمع معها فكل ما ستفعله حينها أن تلقي بها في الشارع وتختار لك ما تناسبك من طبقتك"
فتدخلت السيدة (سوزي) بقوة وقالت :
"لا يا (خوسيه)....لا تقل هذا على ابني (الفريدو)....نعم أناديه ابني وأعتبره منذ ولد كذلك وهو يعتبرني أمه ولم يفكر حينها إذا كنت أقل منه شأنا إن المشاعر الإنسانية لا تعترف بالفروق وليس لأنه من عائلة نبيلة فهذا يعني أنه من المستحيل أن يحب (أنجليتا) كما ان أبنتك نبيلة القلب وإن لم يكن أصلها كذلك كما أن النبل صفة وليست ألقاب تورث.....لقد شهدت حب هذين الإثنين لبعضهما وأعرف كل منهما حق المعرفة وأؤكد لك ان كل منهما خلق ليكمل الآخر وأنه لن يكون في هذا العالم رجل وامرأة يغرمان ببعضهما البعض كما فعلا....أرجوك يا (خوسيه) .....أنت تفهم ما اقول"
فقال بضعف :
"إذا كنت ستحميها يا (الفريدو) كما تقول فلما قررت أن تتزوجها دون علم أهلك؟!.....هل تريد أن تكون زوجتك في السر؟!.....هذا يؤكد كلامي الأول...."
"لا يا سيدي مطلقا.....إن تلك خطة.....فلو قلت لوالدي فربما أرسل جيشا ليمنع عيني من أن تقع عليها مجددا ولكن إذا تزوجتها رسميا فلن تستطيع جيوش العالم أجمعين التفريق بيننا حتى يفرقنا الموت.....أتوسل إليك يا سيد (خوسيه)......أرجوك بارك زواجنا...."
فأعطى ظهره لهم وهو يقول :
"لا......لا يمكن.....إنها ابنتي الوحيدة......إنها خطوة خطرة للغاية.....ليست تلك الحياة التي تمنيتها لأبنتي.....لا أريد للمخاطر أن تسير بطريقها.....لا أريد أن أرى دمعة تشق طريقها على خدها وبزواجها منك......فلن تفارق الدموع مقلتيها....لن أقبل هذة الزيجة.....!!"
وهنا نطقت (أنجليتا) لأول مرة وقالت :
"يا أبتي أدرك قلقك على.....وأدرك ما تحس به......وأدرك ما في إرتباطنا من جنون......ولكن أنا.....إني أحبه......كما أحببت أمي تماما......أردكت الآن الأحاسيس التي كانت تساروك والتي حكيت لي طويلا عنها كما أدرك عذابك القاتل بفراقك عنها وأتألم لأجلك......والآن.....والآن.....لا تفرقني عن (الفريدو)....فأحس بأضعاف ألمك.......فأمي ماتت ولن يفيد عذابك في رجوعها.....أما أنا..... فيكون حيا.......يتنفس الهواء الذي أتنفسه حتى لو حالت بيننا مئات الأميال فأصرخ ممزقة بألم فراقه......فهل ترضى لي هذا؟!....لم يعد بإمكان أحدنا أن يفترق عن الآخر....لقد أدرك كلانا هذا......أرجوك يا والدي..."
فالتفت لها بدهشة مشوبة بالأسى وقال :
"حتى أنت يا (أنجليتا)؟!......إذا كانت هذة مشيئتك......إفعلا ما يحلو لكما.....لكن لا تفكرا في بعد الآن......والآن أرجوكما أتركاني وحدي...."
فأخرجتهما (سوزي) وقال :
"لا تقلقا سأستمر بمحاولة إقناعه حتى يوم زفافكما........... والآن عليكما أن تستعدا جيدا فلم يبقى سوى أسبوع..!!!!"
نتااااااااابع كمان طيب