رواية الزهـــور الذهبية للكاتبة امرأة من زمن الحب
"لقد انتظرت هذة اللحظة طويلا جدا...انت وأنا...حبنا....أصبح الآن واضحا...لا إختلاف على وجوده...لقد نمى رغما عنا....وخرج عن سيطرتنا...سواء رغبنا أم لم نرغب....سواء قسونا..أو رحمنا أنفسنا...سواء بعدنا أو إقتربنا...انت وأنا المهزومان....والحب...حبنا...هو المنتصر مهما حاربنا...."
تلألأت الدموع في عينيها تأثرا وأمتدت يدها لوجهه...لترفع عنه اللثام ولكنه أمسك معصمها وقال :
"مهما أكون...هل سأكون..فارس أحلامك..؟!...الرجل الذي ستحبين؟!..مهماأكون؟!.." فقالت هامسة شوقا : "مهما تكون....لم أعد أكترث..!!"
فرفعت اللثام عن وجه....ووجدته لا أحد غير رب قلبها التي حاولت جاهدة تجاهله وحاولت مهما حاولت أن تحب غيره فوجدته هو نفسه مالك أمرها (ألفريدو) .....ولكنها لم تنفر ولم تجزع...فلم تعد تبالي (بفرناندو) أو (سيسل) أو أي أحد...لا يهمها العالم أجمع...هي تريده ...تريده لها وحدها.....ولا يهم أي شئ آخر...فوداعا لإعتراضات عقلها...فلم تعد تجدي...ولم يعد يجدي الحذر أو التجاهل..فلقد انفجر نبع حبهما بين رمال قلبها ليحولها الى جنات خضراء وقالت له مؤكدة :
"مهما تكن....لن أكترث...لا أكترث للعادات والتقاليد....لاأكترث للعالم أجمع....لا أكترث..."
فدمعت عينا (ألفريدو) وشعر أنه بعد كلماتها لن يكون أبدا الرجل الذي كان فهو رجل جديد وقلبه قلب جديد فإحساس أن تحب شخصا يجعل قلبك يرفرف سعيدا ويجعلك تشعر بسعادة لم تشعر بها من قبل لكن أن تشعر أن هذا الحب متبادل وأنه يحبك بقدر ما تحبه ويحمل لك نفس أنواع المشاعر التي في قلبك فهو شعور مختلف تمام يجعلك تشعر أنك سيد العالم ومالكه.... وقال لها :
"أني أحبك....يا (أنجيليتا) ....يا حبيبة روحي الوحيدة...."
وقبل راحة يدها ونزلت الدمعة من عينيه فسارعت يدها الى وجهه لتمسحها وقالت هي :
"وأنا أحبك يا (ألفريدو) .....يا أغلى ما في الوجود...."
وبقيا متعانقين ما تبقى من الليل.......
كانت الأيام التالية هي أجمل ما في عمرهما كان يأتي الإسطبل ليحدثها ويضاحكها وإذا كانا في حضرة من الناس فكانا يلتزمان الصمت ويتركان العنان لحديث عيونهما ولم تخبر (أنجيليتا) أحدا عن أمرها سوى السيدة (سوزي) التي كانت تشعر بقلق كبير عليها وعلى ابنها الذي ربته وإن لم يكن من دمها....خافت على مصير أحب ولدين إليها وتمنت من كل قلبها لو ينتهي حبهما نهاية سعيدة وراقب (خوسيه) ابنته وهي تتفتح يوما بعد يوم بعد أن يسقيها (ألفريدو) من رؤياه وعشقه....كان يعلم أن العالم كله لو حاول منع هذين الإثنين من أن يحبا بعضهما لما أفلح وبقي صامتا يرتقب جالسا في الهدوء ما قبل العاصفة........
ومن ناحية (ألفريدو) كان الوحيد الذي يعلم بحبه (لأنجيليتا) هو (أندريه) صديقه ولكنه لم يكن يزوره كثيرا في الآونة الأخيرة فلقد كان مسافرا لبعض الأعمال أما السيد (فرناندو) فلقد كان غافلا كليا عما يحصل في قصره وشعرت (فلوريا) هي الأخرى أن (ألفريدو) يقصيها عن حياته شيئا فشيئا ولكن (سيسل) لم تكترث لأي تغير من ناحية أخيها فلقد كان لقاءها بحبيبها (روبرتو) هو كل ما يهمها في هذا العالم.....كان (ألفريدو) يأتي ليلا ليجلس تحت نافذة (أنجيليتا) ويعزف لها لحنا على جيتاره فتستلقي هي على سريرها حالمة تفكر به وما إن ينتهي تظهر له وتبعث له قبلة في الهواء....فيقابلها بمثلها ويعود لغرفته متأخرا كل ليلة على هذة الحالة وأحيانا تذهب هي صباحا بالحصان (روبن) الى أقصى أملاك عائلة (فان دييجو) ويلحقها هو بجواده حتى يتحدثان لمدة ساعة أو ساعتين تحت ظل شجرة ومع زقزقة العصافير...كانت تراه دائما يضع قلادة من الذهب حول عنقه ولا يخلعها مطلقا تلك القلادة كانت حوتين ملفوفين حول بعضهما بحب وشوق وكأنهما عاشقان وسألته :
"لما ترتدي هذة القلادة دائما؟!..."
"هذة؟!....آه إني أرتديها منذ كنت في الثامنة فهي تخص أمي الراحلة ورثتها عن أمها فهي ترمز للحب وأذكر عندما البستني إياها قالت لي - فليغمر الحب قلبك ذات يوم ليجعلك أسعد مخلوق- وشعرت أني لطالما كنت مرتديا هذة القلادة فسيأتي الحب إلي لأعيش سعيدا بوجوده في قلبي الى الأبد.....كم كانت أمي محقة....فشعور الحب وحده من يجعل الإنسان يشعر بالسعادة الحقيقية ولا شئ آخر....أحبك"...
فابتسمت له وقالت :
"إذا كنت تحبني...أحضر لم من تلك الورود الذهبية هناك.."
"إنها زهور الكلوديا...إنها ليست في أملاكنا فهي تخص أملاك عائلة صديقي (أندريه ديميتريوس) لقد ابتعدنا كثيرا عن (كازا بيانكا) "
"ولكن هل يمنعك هذا من أن تقطف لي منها..؟!.."
"لا أبدا انتظري حتى أقفز فوق السياج لأحضر لك منها..."
وقفز هناك واختفى بين غصون الأزهار فابتسمت بفرح أنه يجعل قلبها يدق بأسرع مما لو ركضت ألف ميل ثم شعرت بحركة تجاهها فوقفت بقلق واتجهت الى حيث سمعت الصوت عند بقعة مختفية خلف الأشجار فرأت اثنان متعانقان وكأنهما بقيا هكذا ساعات وساعات...لم تستطع أن تتبين من تكون الفتاة وكذلك لم تعرف الشاب على الرغم أن وجهه في مقابلتها كان شابا يافعا وعلى الرغم من شكله المبالغ إلا أنه كان يبدو حقا في قمة عشقه لتلك الفتاة وما إن انفصلا حتى سمعت صوت (سيسل) تقول :
" (روبرتو)...كم انتظرت هذة اللحظة.....لقد اشتقت إليك كثيرا جدا....أرجوك لا تسافر وتتركني هكذا مجددا أبدا....فلم تكن رسائلك تفلح حتى في تهدئة نار شوقي وحنيني إليك..."
فقال الشاب :
"وماذا بيدي ياحبيبتي (سيسل)؟!...على أن أدرس لأحصل على شهادة عالية تكفي لتعادل قلة ثروتي أمام والدك حتى يقبل بي فتصبحبن عروسي ولا أنفصل عنك ما تبقى من عمرى أيتها الغالية.."
فعرفت (أنجيليتا) حقيقة الأمر وشعرت أن (ألفريدو) لن يكون سعيدا إذا رأى هذا فاتجهت بسرعة الى حيث كان وحاولت أن تشغله قدر الإمكان ثم طلبت منه أن يعودا سويا على أن يتقابلا غذا في نفس المكان ليقطف لها المزيد من زهور الكلوديا...
لا تدري لما فكرت (أنجيليتا) في اخفاء أمر (سيسل) وذلك الشاب عن (ألفريدو) ولكنها فضلت أن تقرر (سيسل) وحدها لحظة اخباره بالأمر فلابد أنها تخفي هذا الأمر لسبب ما وخصوصا أن (روبرتو) حضر لزيارتهم كثيرا في القصر وحل ضيفا على مائدتهم أكثر من مرة دون أن يبدو (ألفريدو) عالما بأي شئ وعامله بشكل محايد بينما أخفت (سيسل) تماما الألفة والمودة التي تجمعهما بل من يراهما يجدهما يتعاملان بتكلف النبلاء المعتاد ولا يمكن أن يشك في أنهما كانا عاشقان قبل ذلك بساعات قليلة....كما لم يبدو على أحد أنه علم بالأمر سواء (فرناندو) أو (أندريه) أو غيرهم.....
دخل (ألفريدو) ذات يوم الى المطبخ ونظر حوله فلم يجد سوى السيدة (سوزي) فشعر بالإحباط لأنه كان يتمني رؤية (أنجيليتا) فهو كان دائما يتذرع بأي حجة لينزل المطبخ ويراها ولكن السيدة (سوزي) رمقته بنظرة ناقدة وقالت له بتجهم :
" إنها ليست هنا..!!!"
فقال مستنكرا :
" ومن هي؟!....أتيت لآكل بعض الحلويات...."
"إن حبك لها سيزيد من وزنك دون شك....لاتتظاهر بأنك لا تعرف عما أتكلم فلقد كانت هي أكرم أصلا منك بأن باحت لي بكل شئ معتبرة أني أم لها وأنت....الذي ربيتك طوال عمري لم تفكر أن تبوح لي بشئ من هذا "
"أعذريني يا عزيزتي....لم اكن أفكر في إخبار أي أحد ولم أقصدك أنت...وبما أنك تعرفين فإنني أعترف لك أني لم أكن قط سعيدا كما أنا الآن ولم أكن عاشقا هكذا من قبل بل ولا أظني سأكون أبدا لسواها ما تبقى من حياتي"
فطلبت السيدة منه الجلوس واقتربت منه وركزت في عينيه بنظرة جادة وقالت بلهجة قوية:
"اسمع يا (ألفريدو)......رغم أني لم أعرف (أنجيليتا) إلا منذ أن جاءت الى هنا ورغم أن معرفتي بك تفوقها بكثير إلا أني أحذرك....إياك وأن تفكر لحظة في التسلية بها أو اللعب بمشاعرها أو خداعها.....فهذا دون شك سيقتلها وسيحطم كيانها كله.....وإن حدث ذلك.....فلن أسامحك طيلة حياتي ولن يريح أبدا السيدة (آنا) رحمها الله في قبرها....هل تفهم هذا؟!.."
"انت تخيفينني يا سيدة (سوزي) صديقيني لا يمكن في يوم من الأيام أن أفكر في حب أحد سواها أبد....آه لو تدخلين قلبي وتعلمين مقدار حبي لها....وترين كم اسمها محفور داخله بحروف من نار لا يمكن أن يطفئها أي شئ في هذا العالم....فلا تتعبي قلبك الرقيق في القلق عليها أو على علاقتنا فأنا وهي كيان واحد وقلب واحد وإذا ما هزها شئ فكوني موقنة أن هذا كفيل بقتلي قبلها ثم أنت تعرفين الطفل الذي ربيته طوال عمرك....فهل ترين هذا الوجه البرئ يمكن أن تكون لخائن أو مخادع؟!..."
ونظر إليها ببراءة واستكانة ممازحا فابتسمت السيدة (سوزي) فعانقها وضحكت هي من كل قلبها.....ورحل بعد ذلك ليكمل ما بقي من أعماله وبينما هو يسير اتجاه غرفته حتى ظهر السيد (فرناندو) من مكتبه وناداه بصوت قوي :
" (ألفريدو) ؟!...تعال أريد أن أتحدث معك..."
فذهب (ألفريدو) الى مكتبه قلقا وعندما جلس والده ولكن (ألفريدو) ظل واقفا مكانه في مقابلة ابيه الذي بقي يحدق به فلقد ظهرت ملامحه بجلاء تحت ضوء المكتب وظهر الشبه السافر بينه وبين أمه مما تسبب (لفرناندو) بالضيق حتى حل ربطة عنقه وقال له :
"اقترب فلا أريد الصراخ بصوت عالي حتى تسمعني......"
نتاااابع كمان طيب