رواية الزهـــور الذهبية للكاتبة امرأة من زمن الحب
فابتسمت انجيليتا وهي تسمع هذا وخرجت من المطبخ بطريق مختلف لاتؤدي الى الحديقة مباشرة بل تؤدي الى ممرات القصر وظلت تفرج على التحف واللوحات لأفراد الأسرة على مر العصور حتى وقعت عيناها على صورة امرأة شقراء فاتنة للغاية عيناها لازوردية تبتسم لتضيف لسحرها سحرا آخر فظلت تحدق بها مدهوشة وقالت بشهقة إعجاب :
"كم هي رائعة"
فسمعت صوتا من خلفها يقول :
"هذا أكيد فهي أمي (آنا ڤان دييجو) "
فاستدارت (أنجيليتا) لترى محدثتها وكانت شابة في مثل سنها شعرها بني داكن لكنها كانت عادية الجمال وعرفت على الفور أنها (سيسل فان دييجو) كانت تحمل عينا والدها الباردتان التي تحدق بأي شئ أدنى منها بكبرياء واحتقار لاذع وقالت لها دون أن تحيها :
"والآن وبعد أن انتهيت من التطلع لصور أفراد عائلتنا الأفضل أن تعودي لعملك "
فرحلت (أنجيليتا) مسرعة شاعرة بالإحراج فهي لم ترتح (لسيسل) كذلك هل أفراد هذة الأسرة بهذا البرود والتعالي ؟!....وعادت الى المطبخ مجددا لأنها لن تستطيع الخروج من الباب الرئيسي وقابلت السيدة (سوزي) وهي رئيسة الخادمات والمربية التي ربت أبناء السيد (فرناندو) منذ ولدا لقد كانت سيدة طيبة للغاية سمينة وقصيرة ولكنها ذات صحة قوية وكالعادة رحبت بها بشدة حيث أنها قالت لها في أول يوم رأتها أنها تشبه ابنتها التي توفيت منذ خمس سنوات وقالت لها هذة المرة :
"عزيزتي (أنجيليتا) تبدين شاحبة ....يبدو أن الطعام الإيطالي لايعجبك أو لايتناسب مع ذوقك"
فردت (أنجيليتا) :
"ماذا تعنين ياسيدة (سوزي) هذا مستحيل فلا يوجد ماهو أشهى من الطعام الإيطالي ولكن ماكل هذا الطعام هل هناك حفل ما ؟!.."
"نعم حفل العائلات أننا نسميها هكذا لأن السيد (فرناندو) يجمع فيه جيرانه من عائلتي (ديميتريوس) و (فلاديمير) ليأكلا عنده آملا أن يحقق ماكان يصبو إليه دائما"
"أتعنين أن يزوج ابنه (ألفريدو) من (فلوريا فلاديمير)؟!..."
"نعم هذا صحيح أنه من ناحيته يرغب بذلك بشدة و (فلوريا) أصلا مدلهة في غرام (ألفريدو) منذ كانا صغارا أما والدتها (ساندرا) فإنها تفضل أن يدق لسانها على طاولة خشبية على أن تزوج ابنتها لرجل آخرغير (ألفريدو) "
"وماذا عن (ألفريدو) هل يحب (فلوريا) ؟!....."
" آه ياعزيزتي...... السيد (ألفريدو) صعب التكهن بمشاعره وأحاسيسه فكل مايهمه في العالم الفن والمسرح والروايات والأشعار مثل والدته السيدة (آنا) واعتقد في داخلي أنه قد يميل الى (فلوريا) ولكنه لايحبها.....أو على الأقل لايسهر الليالي يفكر بها....إنك لم تقابليه بعد أليس كذلك ؟!....."
"بل أتجنب مقابلته....مع كل أسفي اعتبر أفراد هذة الأسرة جميعا متحجري القلوب متعالون لايفكرون الا في أنفسهم ولاأريد مقابلة المزيد منهم أنا هنا للإهتمام بالخيول ولاشئ غير ذلك.....في كل مرة يأتي السيد الشاب ليأخذ فرسا ليمطتيه أحاول ألا أكون في طريقه فجل ماينقصني هو متكبر آخر!!!"
فضحكت السيدة (سوزي) ملئ شدقيها وقالت :
"لهذا السبب عندما يأتي ليكلمني في المطبخ يتساءل قائلا(ذهبت لآخذ جوادي (سيرجيو) ولكن مهلا....أين تلك الكولومبية التي يتحدث عنها الجميع) وحينهاأقول له أي حجة قد تكون سبب اختفاءك....ياعزيزتي لقد ورث السيد (ألفريدو) الكثير من صفات آل ( فان دييجو) ولكن أؤكد لك أنه ليس متكبرا بل طيب القلب ودائما يكسر قواعد العائلات النبيلة في التحدث الى الخدم بطلاقة وكأنهم أفراد أسرته ومصادقتهم وكسب ودهم فهو دائما يقول(إنهم يقومون على خدمتنا في كل وقت كما أنهم يتعايشون مع أحداث حياتنا بل ويكون لهم دور فيها وقد يسرون عنا في لحظات حزننا ويقيمون المآدب والزينة في لحظات أفراحنا فكيف لانعتبرهم من أهلنا)"
فابتسمت (أنجيليتا) لتلك المقولة وشعرت بشئ من الإرتياح لكلام (ألفريدو) ذاك وعادت الى الإسطبل لتكمل عملها وقررت داخلها أنها لن تختفي من مجرد مقابلته بعد الآن ثم دخلت على الحصان (روبن) الغير مروض والذي كلفها السيد (فرناندو) نفسه بترويضه......كان فعلا حصانا صعب المراس وهائج دائما لكنه كان فرسا رائع الجمال يقف بشموخ وكأنه يعتز بنفسه ولن يسمح لأحد بامتطاءه ولكنها كانت في الأيام القليلة السابقة تلاطفه وتجعله يعتاد على وجودها وتطعمه بنفسها فهي مؤمنة أن على الإنسان أن يصادق الحصان أولا قبل أن يفكر في امتطاءه وأحدث هذا تقدما ملحوظا فلم يعد يزمجر بغضب بمجرد اقترابها بل أحيانا يلمس رأسه بيدها الممتدة نحوه في مودة.......
بعد أن أنهت عملها في وقت قياسي شعرت ببعض الملل فلقد ذهب والدها للقرية لجلب بعض الأشياء وجميع الخدم مشغولون بمأدبة اليوم ففكرت أن تتمشى قليلا في أملاك عائلة (فان دييجو) وعندما مرت بجانب القصر أطلقت نظرة على الباب الرئيسي فوجدت سيارة تقف عند الباب وخرج منها شاب ومعه سيدة لاتصلح أن تكون قرينة له بل تبدو وكأنها أمه وقام (لوسيانو) رئيس الخدم بتحيتهم وارشادهم لدخول القصر فأكملت سيرها وهي مستغربة أن يأتي المدعوون باكرا هكذا وهذا يعني أنهم فعلا معتادون عليهم كثيرا وفكرت ربما يكون ذلك الشاب هو (أندريه ديميتريوس) وأمه.......
جابت الحقول الواسعة وتأملت الأزهار الجميلة فرأت زهرة بنفسجية فاتنة فقطفت إحداها واشتمتها بفرح ثم وضعتها في شعرها......لاتعلم كم من الوقت ظلت تسير وشعرت فعلا أنها ابتعدت كثيرا عن القصر وندمت لأنها لم تحضر معها جوادا...شعرت بتعب شديد فقررت أن ترتاح تحت شجرة ما....ومن استغرقت في النوم ولكنها صحت على صوت غراب يصدر صوتا مزعجا فشعرت بالفزع وتساءلت كم من الوقت نامت هنا ولكن الشمس كانت لاتزال مشرقة , ثم شعرت بحركة في الأوراق المتشابكة التي أمامهاوظلت متوجسة الى أن وجدت بندقية مصوبة ناحيتها فصرخت مذعورة قائلة :
"لا توقف!!!......توقف!!!..."
ونهضت واقفة ولكن قدماها لم تحتملاها فترنح حتى أمسكتها ذراعان قويتان وأحاطتا بجزعها فتماسكت وشعرت بدوار خفيف ولكنها سمعت صوت الرجل الذي يسندها قائلا قائلا:
"ياإلهي لم أظن أبدا أن أجد فتاة نائمة هنا.....ظننتك غزال وكنت أهم بصيدك فلا أحد يمكنه أن ينام هنا....لولا أنك صرخت فلم أكن لأعرف أنك هنا....لاأظن أن غزال سيقول توقف....توقف!!!!..."
وسمعت ضحكة رقيقة فرفعت رأسها لتنظر له......كان أطول منها بقليل بشرته بيضاء بياضا ناصعا وشعره كستنائي انفلق عند وسط رأسه لينساب على الجهتين بتماثل ولكنه كان مشعث قليلا نتيجة للقفزة السريعة كانت عيناه لازورديتان فاتنتان وحالمتان لأقصى درجة وتحت أنفه البارز كانت تقبع ابتسامة رقيقة حالمة جميلة.......كان باختصار فاتن للغاية فنظرت اليه ببرود لأنها عرفت أنه ابن(آنا) السيد (ألفريدو) لأنه كان يشبهها فعلا لحد رهيب وعرفت لما تدلهت (فلوريا) في هواه ولما أغرمت معظم الفتيات به فلايمكن لأحد أن يقاوم سحره ولكنها دفعته بقوة وقالت له:
"كدت تقتلني ذعرا ياسيد (ألفريدو) !!"
فاكتسحت وجهه الصدمة بطريقة سينمائية وقال مذهولا :
" هل أعرفك؟!.....لو رأيتك من قبل لكنت قد تذكرت بالطبع فلا يمكن أن أنسى امرأة رائعة الجمال هكذا وحادة الطباع أيضا.....كيف عرفت أني (ألفريدو)؟!.... "
"لاشئ .....لاتهتم.....عرفتك من صورة السيدة (آنا)..!!"
"آه هل رأيت أمي.....لكنك لم تخبريني بعد من تكونين..."
"أنا (أنجيليتا خوسيه) وأعمل في الإسطبل"
فضحك بمرح وقال :
"إذن انت هي الكولومبية...ياإلهي مايقولونه عنك صحيح فانت جميلة فعلا وتعرفين كيف تظهرين جمالك....إن لتلك الزهرة التي تضعينها في شعرك وقع مدمر علي وشعرك الأسود الرائع.....لا أظنني رأيت شعرا بهذا السواد في حياتي.....دعيني ألمسه من فضلك"
وهم بامساك أحد اطراف شعرها فدفعته بغضب وقالت :
"انك تشبة السيدة(آنا) ولكن لا يبدو لي أنك ورثت عنها أي شئ من اللباقة والإحترام"
"ماذا تقولين؟!....ومن أين تعرفين أمي لتقولي هذا....على أي حال آسف إن كنت أزعجتك ولكنك فعلا عصبية لحد رهيب.....ألا تخافين أن أطلب من والدي ألا يقبل عملك عنده لأنك عاملتني بجفاء ؟!...."
قال هذا بمرح وكأنه يحكي عن مسرحية كوميدية فقالت ببرود:
"وهل تغازلني وتتوقع مني أن أتقبل ذلك لمجرد أنني أعمل عندك.....إذن فلتعلم أنك مخطئ"
كانت تشعر أنها ضاقت ذرعا بتكبرهؤلاء القوم فقررت أن ترد لهم الصاع صاعين وشعرت في قرارة نفسها أنها لن تنال منه أي أذية بل شعرت بأنه يبدو رقيق القلب وضحك بطرب وأحضر جواده الذي كان قد لحق به وقال :
"يبدو أني أخفتك فعلا لأثير غضبك هذا لكن لاتهتمي...تبدين شاحبة للغاية وكأنك على وشك الإغماء أرجو منك أن تركبي على جوادي فلا يمكنك أن تعودي الى القصر سيرا على الأقدام وأنت بهذة الحالة.....هيا أصعدي....من فضلك هيا فلن أعضك..."
وساعدها على الصعود وكانت تشعر فعلا بإعياء شديد وربط بندقيته في جواده ثم نظر إليها بابتسامة ساحرة وقال :
"على الرغم مما قلتيه فأنا أظن أنك كنت مستمتعة فعلا بمغازلتي....كما لن تستطيعي منعي من مغازلتك وقول كل مايأتي ببالي فهذا طبعي ولن أستطيع تغييره مهما فعلت "
وحينها شعرت أن رأسها يكاد ينفجر غيظا ورأته منشغلا بأن يحكم ربط حزامه الذي يبدو أنه تراخى مع كل تلك الحركات فدفعت الحصان الى الركض سريعا وقالت في نفسها غاضبة:
(إذن فليعد الى البيت هو سائرا فلن أحتمل أن يركب ورائي ويكمل كلامه الوقح معي وليذهب الى الجحيم!!!!......)
نتاااااابع كمان ياحلوووين ...