عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2010, 06:05 AM   رقم المشاركة : 2
alraia
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية alraia

الكذب
عباد الله، ومن آفات اللسان والموبقات الكذب، وهو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الحقيقة،

وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب، ويكفي في التنفير منه أنه أول علامات النفاق، إذا حدّث كذب، هذه من علامات المنافق، وقد أجمع العقلاء على

قبحه، وتطابقت الملل والنحل على منعه،
وقد جاء في قوله تعالى : {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا

لَصَادِقُونَ}
(النمل: من الآية49).

وهذا دليل على أن الكذب عندهم ممنوع قبيح، ولذلك أقسم هؤلاء المفسدون أنهم صادقون لعلمهم بأن الكذب بين قومهم ممنوع، مع أن قومهم كانوا من

الكفار، والكذب قبيح حتى عند بعض غير العقلاء.

قال بن القيم رحمه الله : عن رجل رأى نملة خرجت من بيتها فصادفت شق جرادة فحاولتْ أن تحمله فلم

تطق, فذهبت وجاءت معها بأعوان يحملنه معها.
قال الرجل: فرفعتُ ذلك من الأرض، فطافت فلم تجده فانصرفوا وتركوها, فوضعتُه فعادت تحاول حمله فلم تقدر, فذهبت وجاءت بهم ، فرفعتُه ،

فطافت فلم تجده فانصرفوا ، فلما كان في المرة الأخرى استدار النمل حلقة ووضعوها في وسطها وقطعوها عضوا, عضوا..
قال ابن القيم: قال شيخنا – ابن تيمية - وقد حكيت له هذه الحكاية: هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب, وعقوبة الكذاب ".

شفاء العليل (1/69ـ70).
و

الكاذب متوعد بالويل، حتى لو كان يقصد إضحاك الناس، وقد ورد في حديث عذاب البرزخ في الرجل يشرشر شدقه ويقطع

بكلاليب من الأمام إلى الخلف، وعينه وأنفه وهكذا من اليمين والشمال ثم يعاد فتعاد العقوبة ويعود وجهه كما كان ثم تتكرر عليه هذه الشرشرة وهذا

الشق إلى أن تقوم الساعة،
من هو ؟ قال ((الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق)).


وقد علمنا ورأينا الآن انطباق هذه القضية بوضوحٍ وجلاءٍ وسهولة، من خلال هذا الإعلام الفضائي وهذه الشبكة العنكبوتية، وهذه الرسائل في الجوالات،

تنطلق الكذبة فتبلغ الآفاق في مدةٍ يسيرة جداً، وكم حدث بسبب الكذب من المصائب، وثارت من فتن وفضح من مستور ولذلك فإن الكذب من الفجور،

ويهدي إلى النار، أهل العتو والنفور، ويكتب صاحبه في سجل الكذابين، حتى يكتب عند الله كذابا،
وَمَا شَيْءٌ إذَا فَكَّرْتَ فِيهِ
بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوءَةِ وَالْجَمَالِ

مِنْ الْكَذِبِ الَّذِي لا خَيْرَ فِيهِ
وَأَبْعَدَ بِالْبَهَاءِ مِنْ الرِّجَالِ



وأعظمه الكذب على الله، بأن يفتي بغير علمٍ مثلاً، فيحلل حراماً، أو يحرم حلالا
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} (الزمر: من الآية60).

وقد شاع الكذب في زماننا، في البيع والشراء، والعهود والمواعيد، والاتفاقيات والمعاملات، تساهل فيه الكبار، ونشأ

عليه الصغار، وتعدد صوره وأشكاله، فهذا باللسان، وهذا بالقلم، وهذا بمسلسل، وهذا بفيديو كليب، وأصبح الناس يستحلونه ويسمون الكذبة بيضاء، وكذبة

خفيفة، وكذبة ابريل، ووقع في ذلك الكُتّاب والإعلاميون حتى عّدو الرذيلة مزحةً ومداعبة وإحياء لسنن الكافرين واعتداداً بأخلاقهم، وآثاره سيئة،

فكم تصور القضايا على غير ما هي عليه، ويصور البائع للمشتري الأمر والعقد والمعاملة والصفقة والمساهمة فيها ربح كثير والأمر

بخلاف ذلك، كذب في إخفاء عيوب السلعة، وكذب في جدوى المشروع الاستثماري، وكذب في مواعيد بيع المساهمة، وكذب في تحصيل الأرباح، وكذب

في وقت التوزيع، وكذب في مواعيد التسليم، وكذب في الإعلانات التجارية، والكذب في الغش والتدليس، وتصوير الحق باطلاً، والباطل حقاً، والمعروف

منكراً، والمنكر معروفاً، وهذا من أعظم الكذب يأتي به المنافقون والكتاب وغيرهم من الذين يخوضون في الإثم وهم يعلمون، حتى يستحسن الناس القبيح،

ويزين عندهم الأثم والشر، والكاتب لا يوفق للخير، قال الله : {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}

(غافر: من الآية28).

قال ابن القيم رحمه الله : والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه, ويثيب الصادق

بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته, فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة . الفوائد لابن القيم (1/146).

" فَالْكَذِبُ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَصْلُ كُلِّ ذَمٍّ لِسُوءِ عَوَاقِبِهِ. أدب الدنيا والدين (1/321).

ومن صور القبيحة له اليمين الكاذبة وشهادة الزور، وهؤلاء من الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة،

{وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: من الآية77).

يأخذون المال بالحلف الكاذب، ويزورون الشهادات، سواءً في الأعمال -الشهادات الجامعية- أو الشهادات عند

القضاة، وهكذا يكذب المتسولون، ويكذب على الناس وعلى المراجعين بعض الموظفين، ويكذب على المشترين الكثير من البائعين،


وأخوة يوسف لما كذبوا في موت يوسف صار عليهم من الشنآن والعيب ما صار، وصار أبوهم لا يصدقهم، حتى لما صدقوا استراب في خبرهم، قال

الشافعي رحمه الله : ما كذبت قط ، ولا حلفت بالله ، ولا تركت غسل الجمعة.

وقال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت منذ أن شددت عليَّ إزاري". الجزاء من جنس العمل للعفاني.
وقال الزهري: والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت.


ومن الذين لم يؤثر عنهم كذبة قط ربعي بن حراش، فهذا ممن عرف في تاريخ المسلمين أنه لم يكذب أبدا، ومعلوم

لزوم كعب بن مالك للصدق بعد توبة الله عليه، فلم يكذب أبدا، ومات رجل في الثمانين قالت زوجته : ما أذكر أنه كذب علي قط ، فإن طلبت منه شيئا

وهو يريد عمله قال: سأعمله ويصدق في ذلك، وإن كان لا يريد قال لا أريد أن أعمله.


هل يباح في الكذب شيء ؟ قال النووي رحمه الله

: "اعلَمْ أنَّ الكَذِبَ، وإنْ كَانَ أصْلُهُ مُحَرَّماً، فَيَجُوزُ في بَعْضِ الأحْوَالِ بِشُروطٍ .. وضابط ذَلِكَ: أنَّ الكلامَ وَسيلَةٌ إِلَى المَقَاصِدِ، فَكُلُّ مَقْصُودٍ

مَحْمُودٍ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِ الكَذِبِ يَحْرُمُ الكَذِبُ فِيهِ، وإنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ إِلا بالكَذِبِ، جازَ الكَذِبُ.
ثُمَّ إنْ كَانَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ المَقْصُودِ مُبَاحاً كَانَ الكَذِبُ مُبَاحاً، وإنْ كَانَ وَاجِباً، كَانَ الكَذِبُ وَاجِباً. فإذا اخْتَفَى مُسْلِمٌ مِنْ ظَالِمٍ يُريدُ قَتْلَهُ، أَوْ أَخذَ مَالِهِ وأخفى

مالَه وَسُئِلَ إنْسَانٌ عَنْهُ، وَجَبَ الكَذِبُ.
وكذا لو كانَ عِندَهُ وديعَةٌ، وأراد ظالمٌ أخذها، وجبَ الكذبُ بإخفائها". رياض الصالحين (2/328).


فإنه يجوز لمن أخفي عنه الرجل أو المال أن يكذب لإنقاذ روح المسلم البرئ ويكون الكذب حينئذٍ واجباً عليه .


فإن وجد مندوحة في توريةٍ صحيحةٍ فهي خير .

وَاسْتَدَل العُلَمَاءُ بِجَوازِ الكَذِبِ في هَذَا الحَالِ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ،

فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً)).
متفق عَلَيْهِ .
فهذا في الإصلاح، يكون بين اثنين وحشة أو خصومة، فيأتي مصلح إلى هذا فيقول : فلان يمدحك، ثم يذهب إلى الآخر فيقول : فلان يمدحك، مع أنه

لم يمدحه، فهذا مثال على ذلك، وكذلك تسعى جارة بين امرأة وزوجها قد حصل بينهما وحشة، فتكذب في أشياء لكي تحسن الزوج عند زوجته، وهكذا

يقوم زوجها الجار بالدور عند الزوج، فيحسن له زوجته ويقول نقلت لأم عيالي مدح عنك ونحو ذلك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا- أنتِ أحب امرأة

الي في الدنيا، ما رأيت مثل من طعامك - ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ))
الترمذي

(1939) وصححه الألباني. وأصله عند مسلم (2605).

الكذب على المرأة مِثْل أَنْ يَعِد زَوْجَته أَنْ يَكْسُوهَا كَذَا وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّه ذَلِكَ".

شرح مسلم (8/426).

وقد لا يكون ذلك، وفي رواية عن أم كلثوم: (ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس الناسُ كذبٌ إلا في ثلاث:

الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها)
. مسلم.
وهذا الحديث صريح في إباحة بعضه للمصلحة، والأحوط أن يورّي وأن يستعمل معاريض الكلام والتورية أن تأتي بعبارةٍ لها معنىً محتمل قريب يظنه

السامع، ومعنىً آخر محتمل بعيد تقصده أنت، كأن يقول : ما أذكر عند الإحراج مثلاً، فينوي بما النافية من الذكر، والآخر يظنها التذكر، وحُكِيَ عَنْ أَبِي

بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهجرة فَتَلْقَاهُ الْعَرَبُ وَهُمْ يَعْرِفُونَ أَبَا بَكْرٍ وَلَا يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللَّهِ ،

فَيَقُولُونَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا ؟ - ولم يكن أبو بكر يريد أن يكشف من هذا في الهجرة لخطورة الوضع- َيَقُولُ: هَادٍ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. الخصائص

الكبرى (2/358) وسبل الهدى والرشاد (3/251).
فظنوا أنه دليل يدل على الطريق، وكان يقصد بالطريق طريق الإسلام وهم يظنون طريق السفر
وعلى هذا حملوا قول إبراهيم في قوله تعالى : {إِنِّي سَقِيمٌ} (الصافات:89). مريض

القلب من شركهم، وهم ظنوه مريض الجسد، فلذلك يريد أن يتخلف في العيد ولا يخرج، وكذلك قول {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ

هَذَا}
(الانبياء: من الآية63).

وكذلك قوله في شأن ساره : إِنْ سَأَلَك فَأَخْبِرِيهِ أَنَّك أُخْتِي، فَإِنَّك أُخْتِي فِي الْإِسْلَام. البخاري (3358) ومسلم (2371).
لأن الجبار إذا علم أنها زوجته عرف أنه لا يمكن الوصول إليها إلا بقتله، أما إذا كانت أخته فربما يخطبه منه ويتزوجها، وهكذا استعمله يوسف عليه

السلام في أخذ أخيه، فأمر فتيانه بوضع السقاية في رحل أخيه، {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ

أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}
(يوسف:70) .

واستعملته أم سليم في إخبار زوجها أبي طلحة بوفاة ولده، وهو يحبه جداً ولم تكن تريده تفهمه الموت، فلما سألها

عنه ؟ قالت – وكان مريضاً الولد - : هو أسكن مما كان . ففهم من قولها أحسن مما كان . وهو ميت -أي الولد-، فكلامها صحيح وهذه

هي المعاريض.



اللهم إنا نسألك أن تجبر كسرنا، وترحم ضعفنا، وتغفر زلتنا، وتسدد ألسنتنا، وتطهر قلوبنا، وتحفظ فروجنا،اللهم إنا

نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفذ، وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر

إلى وجهك، والشوق إلى لقاءك ، في غير ضراء مضرة، ولا فتنةٍ مضلة، نسألك عيشاً رغيدا، ومستقراً سعيدا، نسألك عيش السعداء وموت الشهداء، اللهم

اغفر لنا يا عزيز يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .



من خطب الشيخ : محمد المنجد جزاه الله الفردوس الأعلى

وللإستماع للخطبة من الشيخ,اتبع الرابط التالي :
http://islammedia.tv/ref/1897


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة