تتفقين معي في أن الحياة لن تسايرنا وِفق أهواءُنَا ورغباتنا
مهما كان لدينا من مقوّمات النجاح .. والثَّراء حتَّى ..
فكل منا يريد ان يكون في مَنأى عن المشاكل والهموم ..
وعن كل المنغصات الحياتية ..
التي تنغصُّ عليه راحته النفسية .. وتُفسِد عليه حياته ..
وتجعل منه إنسانا آخر لم يعهده من قبل ولكن هل يتحقق
لكل منا ذلك؟
ان ابسط الأماني والإحلام التي يريد ان يحققها الانسان
هو ان يعيش في سلام وهدوء ..
ان يحقق رغباته الشخصية المشروعة .. دون ان يضرُّ ..
بمصالح الآخرين ..
وان يعيش تلك السعادة التي يحلم بها بعيداً عن أعين ..
الحاسدين والحاقدين .. وأن يأوَي الى فراشه ..
ويضع رأسه على وسادته .. وهو قرير العين مرتاح البال
لا يفكِّر بما سيحدث في الغد .. يريد الانسان منا ..
الاّ يلتفت لأقوال الناس .. ويدير لهم ظهره ..
يريد الاّ يُعير بالاً لتفسيراتهم الحاقدة او اللامسؤولة ..
لأي تصرفات تصدر منه وهو يعتقد انها خاصة به وحده ..
دون سواه ..
وهو وحده المسؤول عنها ولكن هل يستطيع الإنسان منا
تحقيق ذلك أو جُزء منه؟
هناك اشخاص لديهم القدرة على ذلك اقصد امتصاص ..
تلك ( المشاعر السَّلبية ) نحوهم والتعامل معها بشكل
يساعدهم على مواصلة حياتهم اليومية بشكل عادي جداً
وكأن شيئاً لم يكن؟
ولكن كم نسبة هؤلاء من بين ملايين البشر؟
فأنتِ .. وَأرمِي إليكِ أستاذه قدِيرَة ( أجوَان ) بالفعل ..
تريدي أن تتداركِ نفسكِ .. تُريدِي أن تكوني بعيدة عن كل
ما يجلب لكِ القلق والتوتر والضِّيق والاحساس بالألم ..
ولكنكِ تفشلي مع الأسف ..
حتى في إقناع الآخرين بأنكِ لستِ المسؤولة عمَّا يحدث
من مشاكل لهم رغم صدقكِ مع نفسكِ اولاً ..
وثقتكِ بها وإحترامكِ وتقديركِ للآخرين ..
وهنا تكمن قمة الألم .. ويالهُ من ألَم؟
أحياناً تحاولي ان تداري المشكلة .. وتمنعي حدوثها ..
حينما تعلمي عنها ولكن ومن دون ان تدري تتفاقم المشكلة
او المشاكل التي تنظري اليها على انها شيء بسيط
شي لا يدعو للقلق ..
تتفاقم بشكل سريع جداً ودرامي لتصل الى ذروتها لدرجة
لا يعود بإستطاعتكِ احتواءها والسيطرة عليها والتحكم فيها
او حتى توجيهها او تخفيف حِدَّتها وتضييق هوّة إنتشارها..
ويزداد احساسكِ بالمرارة او المعاناة حينما تشعر بعجزكِ
وضعفكِ وقلَّة حيلتكِ ..
بل حينما تشعري انكِ تتحملي ( أخطاء ) وتبعات غيركِ ..
وتنسب اليكِ لدرجة .. تجعل منكِ كَبش الفِداء ..
لدرجة تتعبكِ نفسياً .. وتؤرقكِ وتصبح شغلك الشاغل ..
وتمحُو النَّوم من عينيكِ .. بل ربَّما جعلتكِ تبكي حُزناً ..
على الوضع المؤسف .. او المحرج الذي وُضِعتِ فيه ..
او الحالة المتردِّية .. التي وصلتِ اليها ..
ونحن حقيقة في مجتمع لا يرحم .. مجتمع يترصَّد لكِ ..
وكأنه يريد منكِ أي زلَّة .. او هَفوَة ..
كي يحاسبكِ عليها .. وهذا ليس تعميماً بالمناسبة ..
ولكنكِ تلاحظي انكِ محاسبة على كل شيء تقومي به
او تتفوهي به من قبل المجتمع رغم انه لا يهمه ولا يعنيه
من قريب أو بعيد ..
وبخاصة في الأمور الشخصية التي لا تعني سواكِ ..
ولأننا نعيش في مجتمع كهذا .. فلا بد لنا ان نتأثر به ..
والى حد كبير ..
بل ان الكثير من تصرفاتنا .. وقراراتنا الشخصية جداً ..
تجديها مرتبطة بما سوف يقول الناس وبما سوف يؤولونها
ولذلك تجدي انكِ تحرمي نفسكِ من ( مُتَع ) الحياة
التي أباحها الله لكِ .. ومن الحقوق المشروعة لكِ ..
لمجرد خوفكِ من الناس .. ومن ردود فعلهم إذا ما قمتِ بها
او اقدمتِ عليها .. أو مارستيها حتَّى !!
فالإنسان منا في بعض المواقف ليس مسؤولاً ..
عن تصرفات غيره .. مهما كانت درجة قرابتهم منه ..
مهما كانت صلتهم به ..
وبالتالي ليس هو ( المُلام ) ..
او من يوجه اليه اصابع الاتهام .. فالآباء والامهات مثلاً
أطال الله في اعمارهم..وحفظهم من كل شر قولي آمين
لا يلامون على كل تصرفات ابنائهم وبناتهم ..
ليسوا مسؤولين عن كل ما يحدث لهم ..
صحيح ان من حقهم الوقوف معهم ومؤازرتهم ومساعدتهم
وقت المحن والشدائد والأزمات ..
ولن يبخلوا بذلك طول العمر .. وصحيح ان للتربية ..
والتَّنشِئة الإجتماعية دوراً واضحاً في تصرفات الابناء ..
وتعاملهم مع غيرهم حتى بعد سن الرشد وما بعد الزواج
ولكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال ..
ان نسقط كل اخطاء الأبناء ..
او اغلب تصرفاتهم على الوالدين ابداً؟
الا يكفي هذين ( الوالدين ) العزيزين على قلوبنا الحانيَة
ما قاما به طوال حياتهما من تضحيات وما حملاه من هموم
وما أفنُوه من عمرهما في التربية ..فهل نحاسبهما ..
على أشياء خارجة عن إرادتهما .. وعلى تصرفات غيرهما؟
اننا هنا نتحدث عن تصرفات شخصية وفرُوقات بين الأجيال
نتحدث عن اشياء لا علاقة للوالدين بها ابداً ..
ان اشدّ ما يحزن الإنسان (( أنا وأنتِ وغيرنا )) الكثير ..
ان نكون سبباً في تعاسة الآخرين .. ومصدراً لشقائهم ..
في الوقت الذي يمكن ان نقدم لهم فيه كل الدعم والتشجيع
والمؤازرة والكلمة الحلوة ..
لأن الإنسَان هو الإنسَان أينما كان .. وإذا كنتُ شخصياً ..
أتمنَّى ان يحقق لي غيري اشياء جميلة احلم بها ..
او ان يعاملني معاملة راقية ويراعي مشاعري ويقدر ظروفي
فلا بد من باب أولى ان احقق له هذا الشي نفسه !!
أ ن أعامله نفس المعاملة وأن لم استطع ذلك فعلى الأقل
ابتعد عن كل ما يسيء اليه ويهينه ويجرح كرامته..
وحقيقة لاأمر ..
اننا أحياناً نتصرف تصرفات لا إرادية .. لا نرضاها لأنفسنا ..
تصرفات تجعلنا نتضايق من انفسنا .. تجعلنا لا نصدق ..
اننا نحن من يقوم بتلك التصرفات ..
نتمنى لو لم يحدث لنا ذلك ولكن هناك اشياء بداخلنا تقاومنا
وتدفعنا لتلك التصرفات التي تغضب الآخرين منا ..
رغم انها تريحنا وتشعرنا بالسعادة احياناً ولاسيما اذا حدثت
في الوقت المناسب .. وبالصورة التي نريدها ..
وفي الأجواء التي نحلم بها!!
نعم هناك امور تجبرنا على اتخاذ مواقف معينة ..
لا يرضاها الآخرون منا ..ومنها شعورنا بعدم الارتباح للوضع
الذي نحن فيه ..
او اكتشافنا لمعلومات جديدة او سماعنا لحقائق اضافية ..
او شعورنا بالتسرع .. وكل أمر من تلك الأمور له مبرراته ..
وتعتمد من شخص لآخر ..
ولكن السؤال هو كيف أفاتح بها غيري ممن يعنيه الأمر بها
ومتى؟
والأهم من ذلك .. هل أقابله للنقاش والأخذ والعطاء ..
ام ان المفاتحة في الموضوع هي لمجرد اخباره بالموضوع
وبالقرار المُتّخذ وكفى؟
ان مبدأ المصارحة لدينا مفقود في كل امورنا الحَيَاتيَّة تقريباً
وهذه مسألة مرتبطة جذورها بعوامل التنشئة الاجتماعية
التي مافتأة تترسَّب فينا مع مرور السنين ..
وتركت بصماتها الواضحة على حياتنا .. وطريقة تعاملنا ..
وإسلوب تفكيرنا.. أو تفاكيرنا !!
وأنتِ هنا أستاذه ( أجوَان ) ربما تساءلتِ ..
ترى هل البعد المَكانِي .. الذي نلجأ اليه ونُرغم عليه ..
هو الحل لمشاكلنا المستعصية وهمومنا الأزلِيَّة؟
هل السكوت القسري الذي نُرغم عليه هو السبيل لعدم
تأزُّم اوضاعنا الاجتماعية .. وحالاتنا النفسية وتفاقُمها؟
بل هل مجرد ازالتنا لشيء اسمه حلم جميل من عقولنا ..
وَوَأدِنَا لكل رغبة بريئة من نفوسنا هو الطريق للراحة النفسية
وعدم التفكير في الأمور المُزعِجة المنغِّصة لنا؟
نحن بشر يؤثر فينا كل شيء مهما كان بسيطاً ونتأثر به
ولكن هذا لا يعني ان نحكم على انسان ..
من خلال تصرفات الآخرين .. من خلال حكمهم عليه ..
ولو اضطررنا لذلك فحبذا لو كان هذا الحكم وقتياً يعبر عن ..
فَورَة الغضَب ..
ولا يتجاوز مرحلة زمنية طويلة .. لأن الإنسان لا يستحق ..
ان يخسر أخاه الإنسان .. مهما كانت المسببات ..
لأن الإنسان بحاجة ..
لأن يُزيل من قلبه ترسّبات الماضي المُؤلِمَة ..
وخبراته السلبية الماضية .. او على الاقل يدفنها ..
في اعماق سَحِيقَة ومظلمة .. ولو في اوقات معينة ..
تلك الأوقات التي يريد ان يعيش فيها الحياة ..
ويستعيد فيها الأمل وروح التّفاؤل .. ويرى من تلك الحياة
جمالها الحقيقي البسيط البريء ..
والذي لا يمكن ان يُرى بشكل ايجابي مشرق ونحن نحمل
في قلوبنا بعض ترسّبات الحقد .. والذكريات السَّيئَة!!
اعلم ان هذا قد يكون صعباً عليكِ استاذه قَدِيرة ( أجْوَان )
ان لم يكن مستحيلاً .. ولكن هلاّ حاولتي؟
مجرد محاولة فقط .. هذا ما أتمناه .. وأننتظر تحقيقه ..
لأنه بالفعل يستحق المحاولة .. ولأنها حقائق تستحق ..
التوقف عندها والتأمل فيها..
وحِنئِذٍ أستطِيع وبكل ثِقَة ( أشعُر أن الدنيا تُسًَاوِي شَيء ) ..
وليس لاشَيء .. كما جاءَ في عنوان موضوعكِ .. وشكراً؟
/
/
/
المَحبِرَة اللامُنتَهيَة
أستاذه ( أجوان ) ..
( حينما تشعري ان الدنيا لاتُسَاوِي شَيء ) !!
حينما يكون نصيبكِ ..
لا يتناسب مع تضحياتكِ ..
لا يمثل حقيقة من انتِ ..
/
/
فحينئذٍ ..
قد تُظلم الدنيا في وجهكِ ..
قد توصد الأبواب امامك..
قد يتملككِ الاحباط ..
قد تهتز صورتكِ أمامي ..
قد تفقدي ثقتكِ بنفسكِ ..
بكل المحيطين بكِ ..
* * *
ولكن حينما تكتشفي ..
انكِ لستِ بمفردكِ ..
وأنني معكِ ..
ان هناك من هو بجانبكِ ..
من يقدر وضعكِ ..
من يمد لكِ يد العَونِي ..
من يصرُّ على مساعدتكِ ..
/
/
حينها !!
سوف تتنفسي الصُّعداء ..
سوف تستشعري بشائر الأمل ..
سوف تستعيدي روح التفاؤل ..
سوف تشكري الله ..
لأنكِ سوف تدركِ ..
أن الخير ..
لا يولِّد سوى الخير ..
وان الحياة ..
بدأت من جديد ..
فماذا تريدِي أكثر؟
.