الموضوع: مجنون ليلى
عرض مشاركة واحدة
قديم 23-12-2009, 04:37 PM   رقم المشاركة : 4
ماجد العساف
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية ماجد العساف

الفصل الثالث

( قطعة من الصحراء تبدو في يسارها طائفة من مضارب بني عامر ممتدة إلى ما وراء اليسار على سفح جبل توباذ – خباء مضروب إلى يمين هذه الطائفة من المضارب كأنه نهاية خيام الحي – على اليمين أشجار بان يقف في ظلها ابن عوف وحاشيته وقيس وزياد)

ابن عوف:

تراءى الحيُّ للركبِ \\\ وأشرفنا على الشِّعب
أفقِ قيسُ في رؤ /// ية الخيمات ما يُصبي
ألا تهتف بالشكوى \\\ إلى ليلى وبالعتب


قيس:

ديارَ الحي من ليلى /// سلامٌ من شَجٍ صَبّ
على الحي على الدار \\\ على ليلى على الحبّ
غدا الركب على طيبٍ /// كريح المندَل الرّطب
فيا ليلى عسى اليوم \\\ أبُلُّ الشوقَ بالقرب
عسى الخِطْبَةُ لا تنز /// لُ ف يناديك كالخَطب
عساهم لا يقولون \\\ فتى مشترَكُ اللب
ولا يهذبُ إحساني /// ولا يبقى سوى ذنبي
يقولون بها غنّي \\\ لقد غنّيتُ من كربى
سل تُربَك كم مَرّغــ /// ـت خدّيّ على التُرب
وكم جُدْتُ على الرمل \\\ ولم أبخل على العشب
بدمعٍ مل دمع الثُّكــ /// ـل مغروفٍ من القلب


(يتطلع ابن عوف إلى ناحية الحي):
ابن عوف: قيسُ انتبه قيس
قيس: من المنادي!
ابن عوف:

الحيُّ في السلاح سدَّ الوادي
وأنت قيسُ بعدَ حين غادي \\\ على خصومٍ لُدُدٍ شِداد
فالقَ الرجالَ صاحيَ الفؤاد /// لا تَلْقَهم مُضَيّعَ الرشاد


قيس: (متطلعا كذلك):


أتُبصِرُ يا بنَ عوفٍ حيّ ليلى \\\ تدَجّج في السلاح ولا تراها
فما لي لا أحقّقُّ غير ليلى /// وإن كر السواد لدى حماها
لقد ألقى هوى ليلى حجابا \\\ على عيني فلست أرى سواها
وبغّضت النصيحَ إليّ ليلى /// وسدّ مسامعي عنه هواها


(يسمع من بعيد ومن بعيد ناحية الحب لجب وقعقعة سلاح ويقترب الصوت ويتعالى شيئا فشيئا)


أرى حيّ ليلى في السلاح ولا أرى \\\ سلاحا كهجر العامريّة ماضيا
دمي اليومَ مهدورٌ ليلى وأهلِها /// فِداءٌ لليلى مهدراتُ دمائيا
ليَ الله ماذا منكِ يا ليلَ طاف بي \\\ وما ذلك الساقي وماذا سقانيا
دعوني وما عندي لليلى أقوله /// لليلى وأستنشى الذي عندها ليا
أهيم فأستعدي نهاري على الجوى \\\ وأقبَعُ ليلي أستجير القوافيا
( فما أُشرِفُ الأيْفَاع إلا صبابةً /// ولا أُنشدُ الأشعارَ إلا تداويا )
إذا الناسُ شَطرَ البيت ولَّوْا وجوههم تلمستُ ركنَيْ بيتها في صلاتيا
( أُصلي فما أدري إذا ما ذكرتها \\\ أَثِنْتَين صلّيتُ الضّحى أم ثمانيا )
توراتْ وراءَ الجَمع ليلى فخانها /// فَمٌّ كابتسام الصبح يأبَى التواريا
وطيبٌ به خُصّتْ حوى الطيبَ كلّه\\\ فقُلْهُ الأقاحي أو فقله الفواغيا
فأحسستُ من فْرعِي لساقيَّ هَزَّةً /// كأن عِيانا منكِ لاقى عيانيا
دعوني وما يبقى إذا ما فنيتُمُ فوالله \\\ ما شيءٌ خلا الحب باقيا
مشى الحبُّ في ليلى وفيّ من الصبا /// ودبَّ الهوى في شاء ليلى وشائيا
وإني وليلى للأواخر في غدٍ \\\ لشُغْلٌ كما كنا شغلنا الأواليا


(يبدو على وجهه الاصفرار والجهد ثم يترنح فيتلقاه زياد – تسمع أصوات الحي من قريب )

ابن عوف:

زياد أدركْه أدركْ /// إني أرى الداءَ عادَهْ
لقد تضاءل قيسٌ \\\ واصفرّ مثل الجراده
وليس قيسٌ بمُلقٍ /// إلا إليك قِياده
الآن أسعى لقيسٍ \\\ سعيا أخاف فساده
فَمِلْ بنا وبقيسٍ /// حتى يُصيبَ رشاده


(يحملون قيسا ويختفون به وراء شجر البان، وتظهر طلائع الحي من اليسار وعلى رأسها المهدي ومنازل، وكلهم شاكي السلاح)

المهدي:

يا قومُ إن البغْىَ شرٌّ مركبُهْ \\\ والخير في جانب من يُجنَّبُهْ
هذا ابن عوفٍ قد أظلّ موكِبُه /// وإن قيساً في الرّكاب يصحَبُه
جاء يرومُ سهرَكم ويَخْطُبُه \\\ وقد علِمتمْ كيف ساء مذهبُه
وكيف طال بابنتي تشبُّبُه


صوت:

كِلْه إلى سيوفِنا تؤدِّبُهْ /// لقد وجدناه وكنا نرقُبُه

المهدي:

لا ، دم قيسٍ دمُنا لا نَقرَبُه \\\ يَكفيه منا أننا نُخَيِّبُه
ونَصرِفُ الأمير عما يطلبه


صوت آخر:

شيخَ الحمى لا تضعُفِ /// ولا تردَّدْ وقِفِ
ذُد عن عقيلة الحمى \\\ وامنعْ حياضَ الشرفِ
لا تُضِعْ للشافع في/// قيس ولا المستعطفِ
ليس ابن عوفٍ في الذي \\\ سعى له بالمنصف
أبِالأمير بعد ما /// أجار قيسا تحتفي !
لا تَخْشَ بأسَه ومنْ \\\ رجاله لا تخف
نحن كعثمانَ وليــ /// ـلى بيننا كالمُصحَف


(يظهر ابن عوف وحاشيته من وراء الشجرة ومعهم زياد)

ابن عوف: عِمْ أبا ليلى صباحا
المهدي: عِمْ صباحاً يا بنَ عوف
ابن عوف:

قل لهم يُلْقُوا السلاحا \\\ ليس ذا مَوْطِنَ خوفْ

صوت من الحي:

يا بن عَوف يا أميرْ /// ليس ذا شأْنَ الوُلاةِ
كيف تحمي وتُجيرْ \\\ مُستبيحَ الحُرُماتِ ؟


ابن عوف:

عامِرُ يا أجاوِدَ البِطاحِ /// وأسمَحَ الناس بُطون راحِ
ما لي وللسيوف والرماح \\\ ضيفٌ أنا ، وما من السماح
رَدّك وجه الضيف بالسلاح /// ما جئتُكم يا قومُ للكفاح
بل جئتُ للتوفيق والإصلاح


(تحدث ضجة في جانب الحي وتصايح وتهامس ثم يلقى كثير منهم السلاح ويغمد السيوف)

صوت من الحي:

يا أبا ليلى بليلى \\\ جُدْ لقيسٍ بالحياةِ
إنه شاعرُ نجدٍ /// ونَجِيُّ الظّبَيات


صوت آخر:

قيسُ أخٌ وابنُ عمِّ \\\ وليس أهلا لذمِّ
نجمٌ أضاء بنجد /// سما على كل نجم
هبوه جُنَّ بليلى \\\ ليس الغرام بجُرم


منازل: (حيث يستقبل الجمعين خطيبا):


إن قيساً معشرَ الحي أخٌ /// وابن عمّ أفمنه تبرأونْ ؟

أصوات: لا ورب البيت
منازل:

أصغوا لي إذنْ \\\ ثم ظُنوا كيف شئتم بي الظنون
إنّ قيساً شاعرُ البيد الذي /// لا يُجارَى أفأنتم مُنكِرونْ ؟


أصوات: لا وربِّ البيت
منازل:

أصغوا لي إذنْ\\\ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون
إن قيساً سيِّدٌ من عامرٍ /// وابن سادات ، أفيه تمترون ؟


أصوات: لا وربِّ البيت
منازل:

أصغوا لي إذنْ \\\ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون
إن قيسا قد بنى المجد لكم /// ولنجدٍ أبقيس تكفرون ؟


أصوات: لا وربِّ البيت
منازل:

أصغوا لي إذنْ \\\ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون
إنّ قيساً كاملٌ في عقله /// أوَ آنستم على قيس الجنون ؟


أصوات: لا وربّ البيت
منازل:

أصغوا لي إذنْ \\\ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون
أنا لم أعدِلْ بقيسٍ شاعراً /// لا ولا أنتم بقيس تعدِلون ؟


أصوات: لا وربِّ البيت
منازل:

أصغوا لي إذنْ \\\ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون
أنا في وُدّي وإعجابي به /// لا يدانيني الرواةُ المعجبون
شعره يبقى ويفنى غيرهُ \\\ ليس كل الشعر ترويه القرون
شعرُ قيس عبقريٌّ خالدٌ /// ليته لم يتخلَّلْه المُجون
ولو أن المتجنّى شاعرٌ \\\ غيرُ قيسٍ أوشك الخطب يهون
رُبّ شعرٍ قال في ليلى ، به /// هتف البدْوُ وضجّ الحاضرون
إنني أخشى عليكم عارَه \\\ رُبّ عار ليس تمحوه السّنون
ضجرتْ ليلى وضجّت أمها /// وأبوها وتأذّى الأقربون
وغدا كل فتى من عامرٍ \\\ حين يلقى الناس، مَحنِيَّ الجبين

أصوات كثيرة: هو ما قلتَ
منازل:

إذن ما بالكم /// لم تثوروا، ما لكم لا تغضبون؟
هو ذا قيسٌ مع الوالي أتى \\\ يطأ الحيّ وأنتم تنظرون
وأبو ليلى امرُؤٌ أدرِي له /// رِقَّةَ القلب وأخشى أن يلين
بعد حين يعبث الثوم بكم \\\ ومن الحي بليلى يخرجون
آن يا قومُ لكم أن تعلموا /// أن قيساً هتك الخدرَ المصون
قيسُ لم يترك لليلى حُرمةً \\\ ما الذي أنتم بقيسٍ فاعلون ؟


صوت: ماجِنٌ لا بدّ من تأديبه
صوت آخر: إنّ بالسَّوْط يُرَبَّى الماجنون
صوت: نأخذ الحيّ عليه
آخر:

ولنفق /// دون ليلى وحماها كالحصون

منازل:

حلّلَ السلطان بالأمس لكم \\\ دمَ قيسٍ ما الذي تنتظرون

صوت:

حلّل السلطان بالأمس لنا /// دمَه !

أصوات أخرى: إنا بقيسٍ فاتكون
(ضجيج واندفاع)
صوت:

مُناز ، يابنَ العم ما هذا الخبرْ \\\ رفعت قيساً فجعلته القمرْ
والآن أغريبَ بقتله الزُّمَرْ /// كفعل جزّار اليهود بالبقر
برّأها من العيوب وعَقَرْ


(يصعد بشر منبرا للخطابة فيجتمع حوله جماعة من الناس):

قائل:

ارجعوا يا قومُ هذا منبرٌ \\\ وخطيب

( يسأل أحدهم): ليت شعري من يكونْ
آخر: أوَ أعمى أنت هذا بِشْرُ
آخر:

هل /// يحسن الخطبةَ بشرٌ ويُبين

( يحاول منازل أن ينسل من الجماهير):
بشر:

قف منازِ اسمعْ سمعتَ الرعد \\\ من جانبي صاعقةٍ فيها المَنون
وسمعتَ الذئبَ في جَوْز الفَلا /// وسمعتَ الليثَ في جَوف العرين
أخطيبٌ أنت أم خطبٌ وإن \\\ لم تَهُن والخطبُ أحيانا يَهُون


منازل: (صائحا): بشر ،
بشر: قف!
منازل:

ما لك يا بشرُ ولِي ؟ /// إن حربَ الأهل والصحب جُنون

بشر:

لِمْ إذن حاربت قيساً لم تصن \\\ حرمةَ ابن العم أو حقّ الخدين ؟

منازل: قلتُ بشرُ الحقّ
بشر:

خلِّ الحق ما /// أنت والله على الحق أمين
إنما أنت لقيس حاسدٌ \\\ منطوي الصدر على الحقد المَهين
كلما حدّثتَ عنه عامراً/// قرأتْ في وجهك الداءَ الدفين
ترسلُ الزفرة تتلو أختها \\\ وتَفُشُّ الصدر من حين لحين
يا منازِ يا بن عمي أصغ لي /// أنت دونٌ أنت دون أنت دون !


منازل: دعوني
بشر: (من المنبر): دعوني فلا بدّ لي
رجل: أناتك
بشر: لا بد أن أقتله
منازل:دعوني
بشر: دعوني
رجل: دعوه اتركوه
آخر: ومن كتَّفَ النذلّ أو كبّله ؟
منازل: دعوني
رجل: دعوني
آخر: كلا البطلين يقولُ الوعيد ولن يفعله
بشر: دعوني
رجل: تقدّم
منازل: دعوني
رجل : انطلق
بشر: دعوني
رجل: جئه
منازل: دعوني
رجل: امش له
آخر:

تنحّوْا وخلّوا سبيليهما \\\ ولا تخشوا الوقعة المقبلهْ

بشر: منازل في عقله كاملٌ
منازل: وعقلك يا بشر ما أكملهْ
بشر:

أننزو على الحيّ نزوَ /// الديوك ونقفزُ كالأكْبُش المُرسلهْ
وتَفْلَقُ رأسى كرمانة \\\ وأفلَقُ رأسك كالحنظلهْ
فماذا يردُّ عليك العويلُ /// وماذا انتفاعيَ بالولولهْ


زياد:

منازلُ كنت كثير الكلام \\\ والله ما قلت إلا الكذبْ

صوت:

أتزعمه كاذبا يا زيادُ /// وقد زاد عن حُرُمات العرب

زياد:

رويدك لا تنخدع يا فتى \\\ ولا تأخذ الأمر دون السبب
فلم يبلغ إلا خداعَ الجموع /// وجلْبَ الظنون وخلق الريب
وأثّر فيكم وفي آخرين \\\ وأفرغ فيكم سُمومَ الرُّقُبْ


صوت:

منازل دافع عن سُنّة /// مُعَظّمةٍ من قديم الحقب

زياد:

تأمل منازل سُخْطَ الجموع \\\ وجهلكَ ماذا عليهم جلَبْ
أجل قد غضبت ولكنما /// لنفسك ليس لليلى الغضب
تحضُّ على قتل الرجال \\\ لتحظى بليلى إذا ما ذهب


أصوات: يريد ليحظى بليلى؟
زياد: نعم
صوت: تكلم
صوت آخر: أبِنْ
ثالث: إن هذا عجب
زياد:

ألمْ يَكُ يغشى النّدِىّ /// ويطلب ليلى أشد الطلب

صوت يخاطب المهدي:
إذن كان يخطب ليلى؟
المهدي: نعم
صوت: إذن قد تجنّى
صوت آخر: إذن قد كذب
زياد:

منازلُ، قل لهم كم ضرعْـ \\\ ـتَ لليلى وكم أعرضتْ لم تجبْ

صوت: منازلُ ، اخدعْ وغُشَّ
آخر: قد جاز إلا عليّ كذبُكْ
ثالث:

ما أنتَ إلا جوٍ شقيُّ /// تحبُّ ليلى ولا تحبكْ