أخْرى
رآه خائِفاً مِنْ صَمْتِهِ
خائفاً مِنْ صَوْتِهِ
خائفاً مِنْ نَسْمَةِ الرّيحِ
وَمِنْ قَيْظِ السهوبْ
مَرَّةً أخْرى
رَأَيْت النّارَ في أَحْشائِهِ
وَالدَّمَ في مُقْلَتِهِ
ثم رَأَيْتُ البابَ تَطْويهِ الدُّروبْ
مَرَّةً أخْرى
تَجَلَّتْ في مَدى عَيْنَيْهِ
أَلْوانُ الغروبْ
حينها
قلتُ لَهُ:
ما لي أَراكَ
شارِداً
وَشَريداً
واحِداً
وَوَحيداً
منذ عامٍ وَعُقودْ ؟
لَمْ يُجِبْني
إنَّما مُقْلَتُهُ جادَتْ بِدَمْعٍ
بات يَنْساب كَما النهْرُ
عَلى مجرى الخدودْ
لَمْ يُجِبْني
بَلْ تَساوتْ عِنْدَهُ
أَزْمِنَةُ الشَّوْقِ، وَآلافُ الوُعودْ
وَتَعالى صَمْتُهُ
فَوْقَ مَرْقى صَمْتِهِ
حَتَّى تَجَلّى جَبَلاً
بَيْنَ الحُدودْ
***
هَكَذا
عادَ إلى عُزْلَتِهِ
مِنْ مُنْتَهى عُزْلَتِهِ
كَيْ يَعْتَلي نار القيودْ
وَيُجاري دَمْعَتي
تلك التي ساحَتْ
عَلى بَحْرِ الوُرودْ
هَكَذا
يَمَّمْتُ وَجْهي
صَوْبَ رُؤْياهُ
وَجِئْتُ المَوْجَ
مِنْ أَقْصى مَداهْ
وأخذتُ الرّيحَ
مِنْ مَرْسى سِواهْ
فَلِمَنْ أحمل بَوْحي
عِنْدَما أَعْبر مَقْصورَةَ دُنْياهْ ؟
وَلِمَنْ أَشْكو
سَراديبَ الَمتاهْ ؟