عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2009, 09:18 PM   رقم المشاركة : 49
أريستاراخ
( ود نشِـط )
 






أريستاراخ غير متصل




كثيرةٌ هي الرغبات فيها ، والأكثر منها الأماني العريضات ، والأكثر منهما كومة الحجارة التي تصدم بها الرغبات والأماني ، فكم مرة تمنيت ألا أصل لمرحلة الشيخوخة المُخجلة ، وأن أتكل حتَّى في قضاء حاجتي إلا أحدٍ غيري ، وأكون همَّاً مؤرقاً لأولادي أو أخواني أو حتَّى دار العجزة ، أنا أريد يا رب أن أموت في عمر ال 50 لا أكثر من ذلك ، أريد أن أموت وأنا لم أحقق كل رغباتي ، أريد أن أموت وأنا لا أزال في قمّة النضج ، وفي حالة صالحة للزواج و التربية وممارسة الرياضة والتدخين وشرب الشاي الحالي وأكل أصناف التمور وقيادة السيّارة والذهاب لصلاة الجمعة مشياً على الأقدام ، و أريد أن أموت وأنا لا أحمِلُ " جميلة " عليَّ من أحد ، أريد أن أموت هكذا ، لا لي ولا عليّ ، صافي الذهن قرير العين ، بل أتمنى أن أذهب للمستشفى بسيارتي الخاصة ، وحالتي الصحيّة جيدة جداً ، فقط أشتكي من آلام في القلب ، وبعد أن أرقد على السرير الأبيض ظهراً ، وأبنائي في المدرسة ، أُسلم روحي للخالق ، ويبُلغ أبنائي عصراً بخبر وفاتي بعد أن يأخذوا نصيبهم من قيلولة الظهر ، هكذا أريد أن أموت ، لا أريد أن يحمل همَّ موتي إلا أنا ، أريد أن تكون وفاتي طبيعية جداً ، بل أكثر من ذلك إن أمكن ، حتَّى زوجتي أريد أن يختار الله بيننا الفراق وأنا بعمر 42 كي لا تُصيبها مُصيبة الوفاة ، فتنزل منها منزلة عظيمة ، قد تُعكر صفو حياتها .

الزوجة التي أريدها ، والتي أخاف عليها الآن وأنا لم أعقد قراني عليها ، المرأة التي لا أعرفها ولا تعرفني ، أُكن لها حب عظيم جم ، بل إني لا أستطيع النوم بعض الليالي بسبب خجلي من بعض الأفعال التي قد تزعجها لو عرفت ، زوجتي أعرف أنها ستكون أنيقة ومهذبة ، وعلى قدر كبير من رحابة الصدر وسعة البال ، فمن يحتملُ رجلاً مثلي إلا هي .. لعلي أجد مثلها .. !

في بعض الليالي كنت أجلس على الأرض متكئاً على الجلسة العربية أكتب أموراً غريبة وغبية في الوقت نفسه ، وأطحن أسناني وأنفث دخان سيجارتي ، وأصب اللعنات على نفسي ، و رئيسي في العمل ، و صديقي فهد الذي توفي على مقربة مني ، ما هي إلا لحظات من الغضب ثم تأتي بنورها الهادئ ، كأم تأنف رؤية صبيّها مصاباً برشح بسيط ، فتهدئ من سيل اللعنات ، وتربت على ظهري بحنوٍ نادر ، أستحيل بعده إلى أشلاء من العواطف الدقيقة المتناثرة ، وأعود طفلاً ساذج يبحث عن سريره بعد أن أضناه اللَّعب .

كنت أستمتع كثيراً بالإصغاء إلى قضايا غرامها معي ، وقد كانت تُحدثني عنها في أسلوبٍ أخَّاذ وفي صراحة مُطلقة تُثير ارتباكي في كثير من الأحيان ، كانت تُرسم لي ضاحكة ، وكلماتها تشبه ضربات قلب رشيق ، حدّثتني عن رصيف بلغراد الذي سيقع عليه كوب القهوة بعد أن ضحكتُ بشدة عليها في شهر العسل لأنها لا تستطيع فتح المظلة لتتقي بذلك شر المطر المتساقط .. !!

حدّثتني عن مشكلتنا الأزلية بعد الزواج ، فهي لا تُحب أن تذهب لأهلي في يوم الأربعاء ، وأهلها في يوم الخميس ، وأنا مُصر على ذلك الرأي ، لأن أخوتي يجتمعون في يوم الأربعاء ، وأحرص على أن يتصل أبنائي مع أبناء عمومتهم .

بل حتّى كانت تصف لي كيف هو شكلي وأنا في ال 40 من العمر ، قالت أني سأكون رجلاً متقلب المزاج ، قليل الابتسامة ، كثير الشكوى وأبحث عن دقائق الأمور وتفاصيلها ، ثيابي كلها صفراء ، ولا أنتعل إلا الأسود ، والشماغ سيكون بمرزام مع قليل من النشأ ، وستتكون لدي ندبة في كتفي الأيمن من الخلف ، تكوّنت بسبب حرق وأنا في ال 32 من العمر ، بعد مزحة ثقيلة من أحد الأصدقاء في البر .. !

كانت نغمة صوتها وقورة مضيئة وهي تروي لي تلك الأمور ؛ ولم أكن في مسيس حاجة إلى مثل هذه المعرفة الغيبية ، وكلنها معرفة على أيّة حال ، فنهلتها على شره .

قلت لها ذات مرة وهي مُستلقية بين ذراعي مُستحمة بنور القمر الأزرق :

- الفارق بين الزوجة وسائر النساء قد يكون ذاته كالفارق بين يدك اليمنى واليسرى .

أنتِ اليد اليمنى .. !

يا إله السماوات والأرض ، أرزقنا الفتاة البريئة كزوجة ، آمين يا رب العالمين .


أو ، لنمت أطفالاً أبرياء بعد صرخة الوضع .







التوقيع :
نسبة الدم في الكحول 2%