عرض مشاركة واحدة
قديم 23-01-2009, 01:55 AM   رقم المشاركة : 17
أنا راحل
( ود جديد )
 





أنا راحل غير متصل










15

لم أنم جيدا ً.

كنت قد قضيت الليلة أستعيد ما حدث، وأقلبه في ذهني، يملؤني شعور غريب، لم أفلح في تحديده.

لم آبه لوصولي للعمل متأخرا ً.

قدت السيارة بهدوء غريب، بعد أن أقنعت نفسي بالكاد بالذهاب وعدم الحصول على إجازة اضطرارية.

- السلام عليكم – وقد دخلت المكتب ووجدت سليمان واقفا ً -.

- وعليكم السلام، الحمد لله على السلامة، أين أنت؟ ولم َ هاتفك مغلق؟

- الله يسلمك... ماذا تريد؟

- اتصل ناصر يريدنا في اجتماع.

- لا... ليس هذا الصباح، أنا بالكاد نمت البارحة.

- سلامات؟

- كنت متعبا ً قليلا ً.

- لم َ لم تأخذ إجازة؟

- لا أدري.

- حسنا ً ستأتي أم ماذا؟

- أمري لله، ما دمت هنا فلنذهب.

دخلنا المكتب، وانتظرنا ناصر حتى التفت إلينا.

ناصر: كيف حالكما.

أنا وسليمان: الحمد لله.

ناصر: ماذا تم في المشروع الذي سلمته لكما قبل أسبوعين؟

سليمان: زرنا الإدارة وبدأنا بالتحليل المبدئي ولدينا اجتماع آخر معهم غدا ً بإذن الله.

ناصر: وأين خطة المشروع؟ لم تقدموا خطة المشروع مع أن هذه هي أول خطوة يفترض أن تقوموا بها، ثم أين وصلتم في التحليل؟

سليمان: نحن أخبرناك منذ البداية بانشغالنا، وتداخل المشاريع لدينا.

ناصر: بم َ أنتم مشغولون؟ نظام ( المالية) يعمل ويكفي أن يتابعه أحدكما، المستودعات لم تقوموا بالتحليل بعد، ولم تجتمعوا مع أحد من الإدارة.

أنا مقاطعا ً: لا... أنا اجتمعت بمدير المستودعات الاثنين الماضي.

ناصر مكملا ً من دون أن يهتم باعتراضي: وهذا المشروع بلا خطة ولم تخطوا فيه خطوة واحدة؟ ثم تقول لي أنكم مشغولون يا سليمان؟ مشغولين بماذا بالشاي والانترنت والثرثرة؟

سليمان: لا يوجد أحد في هذه الإدارة مشتت بين ثلاثة مشاريع سوانا، فلذا لا تلمنا على التأخير، وعلى التداخل في العمل، فقد أخبرناك منذ البداية بأن هذا سيحدث، ثم إننا كما أخبرتك زرنا الإدارة وقمنا بتحليل مبدئي وسنكمل التحليل في اجتماعنا معهم غدا ً.

ناصر: وأنا كيف أعرف ما تفعلونه إذا لم تقدموا لي خطة واضحة بالمهام وتواريخ تنفيذها؟ مشروع بلا خطة، هذه مهزلة، الآن تخرجون من هنا وتعدون لي الخطة، ولا أريدها خطة عامة، بل أريد خطة تفصيلية لكل مرحلة من مراحل المشروع، وأريدها على مكتبي قبل الظهر.

خرجنا من المكتب حانقين، وشعرت بضيق شديد زادته شتائم سليمان المتواصلة.

قال سليمان حالما وصلنا المكتب:

- هذا هو، يسلمك المشروع بابتسامة ومديح، ومن ثم يلعنك في كل مرحلة من مراحله.

- المهم الآن – قلتها بضيق ظاهر -، لنبدأ بإعداد الخطة، ونسلمها ونرتاح.

- أعدها أنت إذا أردت، أما أنا فلا يهمني هذا المعتوه، وليفعل ما بدا له.

انصرف إلى جهازه، فجلست أتأمل الصور العشوائية التي كانت تلتقطها شاشة التوقف من خبايا ملفاتي لتعرضها، حقل في الحصاد، طفلة تبتسم مغمضة العينين، فتاة جامعية تراجع دروسها في ظل شجرة، بدر مكتمل، رجل أسود يقود دراجة وقد احتضن ماعزا ً بنظرات فضولية، راحة يد بيضاء بلا خطوط، غلاف رواية ( بجعات برية)، صورة لي في إحدى رحلاتي الخارجية أتكئ على السياج الخارجي لفندق ومن ورائي بحر هادئ.

فهد بسخريته البغيضة: ها... هل ستبدأ بإعداد الخطة الآن أم أنك تفضل راحة قصيرة؟

أنا بحنق: أخرس.

فهد: أخبرتك بأن هذا ما ستجده هنا دائما ً، سيلقي عليك ناصر كل الأحمال التي يستطيع إلقاءها، وسيتملص سليمان من كل الأعمال التي يمكنه أن يتملص منها، وستجد نفسك خائضا ً في كل شيء، وستفقد بعد فترة لذة الإنجاز، وتجد نفسك غارقا ً في متاهة من المهام التي لا تنتهي ولا تقود إلى نهاية، على ناصر ومن وراءه سليمان أن يعرفا حدودك، تحتاج الآن وقبل أي وقت آخر أن تضع الحدود، وأن تجعلها ظاهرة، واضحة للجميع، أفعل ذلك الآن، ولا تأبه لأحد.

نقرت على لوحة المفاتيح فاختفت شاشة التوقف، وظهر سطح المكتب الذي تغطيه لوحة ( الشاعر) لليون جيرارد، والتي تناثرت فوقها ملفات كثيرة ومتنوعة الأهداف، قصدت البريد وافتتحت رسالة موجهة إلى ناصر، مع نسخة لسليمان، وأخرى لأبي نايف.

استنفدت مني الرسالة ساعة في صياغتها وفي التفكير في دلالاتها، وما يمكن أن تقدمه لي، وفي النهاية أرسلتها رغم ترقبي للعاصفة التي ستتلوها.

((

المكرم / رئيس قسم البرمجيات المحترم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة وبعد.

نظرا ً إلى تداخل المشاريع التي أعمل عليها، وتكثف العمل فيها، حيث أعمل في كل من ( مشروع المالية)، ( مشروع المستودعات)، و ( مشروع التنظيم الإداري)، ونظرا ً إلى أن دوري في كل مشروع من هذه المشاريع يتوزع على تحليل الأنظمة، تصميمها، ومن ثم تطويرها وتدريب المستخدمين لها، وهو جهد كبير جدا ً، ويراد مني إنجازه في نفس الوقت، ومن دون أي توزيع للعمل، وفي ظل تدخلات إدارية دائمة في أسلوب العمل وأولوياته، وحيث أنه ظهر من سعادتكم عدم رضا عن أدائي في المشاريع السابقة الذكر، فلذا آمل منكم التكرم بالتالي:

1. تحديد مسئولياتي ومسئوليات أعضاء الفريق في كل مشروع من المشاريع السابقة، بحيث تتم محاسبتي عند التقصير في أداء ما أوكل لي.

2. تحديد أولويات واضحة للمشاريع، بناء ً على الخطط المقدمة، بحيث لا يتم إهمال جزء من مشروع لصالح مشروع آخر.

3. التوجيه بالتغييرات التي ترونها لازمة لتطوير أسلوب العمل القائم حاليا ً.

وتقبلوا تحياتي.

))

* * *

يبدو أن سليمان لم ينتبه للرسالة التي أرسلتها، لأنه سألني وقد استدعانا ناصر بعد الظهر:

- هل أرسلت له الخطة؟

- لا.

بدا مستغربا ً، ولكنه لم يقل شيئا ً وأعد نفسه لعاصفة جديدة من ناصر.

كان ناصر يفتش أوراقا ً تكدست على أحد المقاعد، عندما دخلنا، أشار لنا بالجلوس وانهمك فيما يقوم به، وعندما لم يحصل على مراده، هز رأسه وزفر وعاد إلى مقعده.

ناصر: ما مشكلتكما الآن؟

سليمان: عذرا ً يا أبا خالد، الخطة بدأنا في إعدادها، ولكن لأنك طلبتها تفصيلية لم نستطع إنهائها في الوقت المحدد وسنعمل عليها هذا اليوم كله، وستجدها على مكتبك غدا ً صباحا ً بإذن الله.

قال ناصر باستخفاف وهو يطوح بيمناه: من الواضح أنه لا يوجد أي تنسيق أو تعاون بينكما.

تجاهل سليمان والتفت إلي: ما مشكلتك أنت؟

قلت بخفوت بعدما تنحنحت: الأعمال الموكلة لي كثيرة، وكما هو واضح من رسالتي أريد تحديدها بوضوح بحيث يمكنني إنجازها، ويمكنكم كإدارة محاسبتي لو كان هناك أي تقصير مني.

قال ناصر بهدوء شديد: أنا أوكل لكما مشروع واضح ومحدد، ولذا عليكما أنتما أن تحددا مهام كل مرحلة من مراحل المشروع، تضعان هذه المهام في خطة واضحة ومحددة، وتزوداني بالخطة لأتابع عملكما، بعد هذا توزعان هذه المهام بينكما وتنجزانها، أنا ليس لدي الوقت لآتي وأحدد لكل واحد منكما ما الذي عليه أن يقوم به، وكيف يقوم به، وإلا يمكنني إحضار أي شخص من الشارع وأجعله يدير هذه المشاريع، وأستغني عنكما.

أنا: وعندما نزودك بالمهام التي علينا أن نقوم بها، ويمر الوقت ولا نقوم بها، من الذي يتوجه له اللوم؟

ناصر بحنق: هذه مصيبة، ما تقوله أنت الآن مصيبة، أنتما فريق واحد، وعليكما أن تقوما بالمهام كفريق، كلامك هذا يعني أن كل واحد منكما يعمل لوحده من دون أي تعاون أو تنسيق، هل لديكما مشكلة معا ً؟ هل لديك مشكلة مع سليمان – وأشار إلي -.

أنا بتوتر أحاول إخفاءه: أنا لدي مشكلة مع مطالبتي بمهام كثيرة، وأن ألام على ما أقوم به وما لا أقوم به، فلذا أريد أن يحدد لي مهامي بوضوح بحيث ألام عندما لا أنجزها.

ناصر بصوت أعلى: قلت لك أنا أدير قسما ً كاملا ً، لا مشاريعكما، فلذا أنا أسلم لكما المشروع وأطلب منكما إدارته، لست متفرغا ً لأن أحدد لكما مهامكما في كل مشروع، ومن يقوم بماذا؟ هذه مشكلتكما أنتما ويجب أن تحلاها معا ً، تكلم يا سليمان، أنت الأقدم والأعرف بطريقة العمل، لم َ لم تحددا المهام التي يجب على كل منكما القيام بها؟

قال سليمان من دون أن ينظر لي: نحن نحدد المهام ونوزعها في بداية كل مشروع.

ناصر: إذن لم َ تزعجونني !

هز سليمان كتفيه ولم يرد، وصمت ناصر قليلا ً، ثم عاد ليقول: سأمهلكما إلى صباح الغد لترسلا لي الخطة كما طلبتها.

قلت: أنا ما زلت مصر على موقفي، أريد أن تحدد لي مهامي في كل المشاريع القائمة.

تأملني ناصر بثبات ثم التفت إلى سليمان وقال: أريد الخطة التفصيلية على مكتبي صباح الغد، مفهوم يا سليمان؟ سأحدد لك مهامك بإذن الله – وقد التفت إلي -.

* * *

- ما الذي حدث؟ - سليمان بغضب وقد خرجنا -.

- لا شيء، - من دون أن أنظر إليه - أريد أن أعرف الذي لي والذي علي في كل هذه المشاريع.

- طيب !!! كلنا متعبون من هذه المهام والمشاريع المتراكمة، أنا أعمل معك في ذات المشاريع، ولكن مع ذلك لم أعط الفرصة لهذا الكلب أن يهزئنا، ما الذي كتبته له؟

- ما قلته لك، أريد أن أعرف مهامي في كل مشروع، لا أريد أن تحول لي كل الأعمال التي لا يريدها أحد، وأن أطالب بالقيام بالأعمال المملة والكئيبة.

- ولم َ لم تخبرني قبل أن تكتب له؟

- أرسلت لك نسخة من الرسالة.

- أحسنت ! بعدما أرسلتها له ! ما الفائدة؟ أنت لا تعرف ما الذي سيحدث الآن، سيدقق ناصر علينا في كل خطوة نقوم بها، سيترصد لنا في كل شيء، سيلومنا على النقطة والفاصلة.

- دعه يفعل ما يريد بعد أن يحدد لنا مهامنا، عندما يكون لدي مهمة واضحة ومحددة سأقوم بها بشكل صحيح، وعندما سأخطئ سأعرف أين أخطأت وكيف، وسأتعلم من أخطائي، أما أن يطلب مني أن أقوم بالتحليل والتصميم والاختبار والتدريب، وإعداد الخطط في ثلاثة مشاريع، وألام لعدم قدرتي على ملاحقة كل هذه التفاصيل، فهذا طلب غير منطقي.

- أنا أعرف كل هذا، ولكن كان عليك أن تتفق معي قبل أن ترسل له الرسالة، هو الآن يظن بأننا لا نتعاون وأننا لا نوزع المهام بيننا، وهذا سيجعله يتدخل في كل شيء، ويحدد لكل منا مهام قد لا تناسبه، وندخل في دوامة من الصراع معه لن تنتهي.

- نحن في صراع معه من الأساس – وقد دخلنا المكتب الآن -، ثم لنتحدث بصراحة يا سليمان، أنا من يقوم بالكثير من المهام هنا، مشروع ( المالية) أنا من يتابع مشاكله ويحلها، بينما تستثقله أنت وتستثقل مستخدميه، مشروع ( المستودعات) بدأنا ثلاثة في المشروع، أنا وأنت وزيد، فقمت أنت وزيد بتوزيع العمل بحيث لا تلتقيان أبدا ً، فلم أعترض، ثم صرت كلما أطلب منك الذهاب معي للاجتماع ترفض وتتحجج ببغضك للإدارة ومديرها، ولأن زيد صار غير مفيد لنا بجرة قلم من ناصر، صرت أنا المسئول عن المشروع بكامله، والآن مشروع ( التنظيم الإداري) أطلب منك بالأمس الاجتماع معهم لأني مشغول تماما ً، وتصر على أن نجتمع معهم سوية، ليأتي ناصر اليوم ويلومنا معا ً، ثم تطلب مني أن لا أطلب توزيعا ً للمهام !!! يا أخي، حتى عندما طلب منا ناصر الخطة هذا الصباح، طلبت منك مساعدتي فيها ورفضت ! ماذا كنت تتوقع مني؟ أن أعدها بنفسي وأريحك كالعادة من هذه الهموم ! لا... فليحدد لنا ناصر مهامنا، وليقم كل منا بمهامه، وإذا قصر فيها يتحمل هو وحده عاقبة تقصيره، لا أن تعم العقوبة الجميع، أنت زميل عزيز يا سليمان ولكني مللت من القيام بالمهام التي لا تقوم أنت بها.