"
رسالة لفضيلة الشيخ صالح اللحيدان ( لا إيلاف ولا غيرها تنال منكم يا فضيلة الشيخ )
بندر العتيبي
الحمد الله الذي جعلنا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، واختصنا بهذه الخيرية لنتميز عن باقي الأمم ، فالعالم والمتعلم والمربي والمسئول وجميع شرائح المجتمع عليهم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلا حسب استطاعته ، وحسب ما يقتضيه المقام ، ووفق الضوابط الشرعية .
هذه الميزة الرائعة جاءت متوافقة مع الطبيعة الإنسانية التي تميل غالباً إلى الشهوات ، وإلى الشبهات ، قال تعالى في قصة يوسف مع امراءة العزيز : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (يوسف : 53) ، هذه النفس تحتاج دوماً إلى من يذكرها بالله ، أو يردعها عن فعل الظلم والبغي ، قال تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )(الذاريات : 55) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه) ، فكم من ظالم ومظلوم في مجتمعنا اليوم بحاجة إلى نصرة وفق المنهج النبوي الرشيد .
واليوم ننعم في بلادنا المملكة العربية السعودية بتطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الجهاز الرسمي "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ، وكذلك من خلال جهود العلماء والدعاة الربانيين المخلصين الذين نحسبهم كذلك والله حسيبهم ، عن طريق الفتاوى والنصائح والإرشاد المسموع والمقروء ، ومن ذلك ما سمعناه من فضيلة الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان عضو هيئة كبار العلماء ورئيس مجلس القضاء الأعلى – حفظه الله- في سؤال موجه إلى سماحتة عبر برنامج نور على الدرب، بيَّنَ فضيلته أن أصحاب القنوات عليهم وزر كل من يشاهد ما يبثونه من خنا وفسق، وأن من يدعو إلى الفتن والفساد من المفسدين في الأرض، وإذا لم يندفع شرهم جاز قتلهم "قضاءً"
بعد هذه الفتوى تصدت عدد من القنوات الفضائية والمواقع على الانترنت لنشرها وتبنيها لكن ليس على محمل الاستفادة من الفتوى وإنزالها منزلها الذي قصده الشيخ ، وإنما للتجريح والتشفي من فضيلته وبتر كلام الشيخ وتأويله بما يوافق أهواهم ورغباتهم ، فجاءت العناوين رنانة تحمل في طياتها كثيرا من الحقد والغش والخداع ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
إن الدعوةَ إلى الله كما تعلمون يا فضيلة الشيخ هي طريقُ الأنبياء والمرسلين ، وعلى رأسهم أولو العزم منهم كما قال تعالى فيهم مثبتا نبيه صلى الله عليه وسلم على الصبر في سبيل الدعوة إليه: ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) ( الأحقاف : 35) ،
يا فضيلة الشيخ أن مما يدل على مصداقيتك في الدعوة – ولا نزكي على الله أحدا- أنك لم تقف موقف المشاهد لهذا الزخم الكبير والمتلاطم من الافتراءات على فضيلتكم ، ولم تكتفي ببيان صحفي تختفي خلفه ، بل صدعت بالحق جهارا نهارا ، وعلى مرأى ومسمع من الجميع ، فلله كم هو جميل ورائع أن تضرب مثلا للكل في كيفية الصبر والاحتساب في سبيل تبصير الناس بدينهم ، وفي الرد على الشبه والفتن بكل حكمة وتأن ، وكيف أن الداعية يجب أن ينطلق من ثوابت راسخة وقوية ، ومن ثم يتمسك بها ويدعو إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن لا يتزعزع ويغير مبادئه عند أدنى مواجهة .
وهذا زمان الصبر من لك بالتي *** تفوز بها يوم اختلاف المصادر
ودارت على الإسلام اكبر فتننة *** وسلت سيوف البغي من كل غادر
ولنتأمل ما ذكره الشيخ عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله- في المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال حيث ذكر " فصل في إيذاء أهل الباطل لأهل الحق : وهذا شروع في الجواب المشار إليه سابقا، وقد كنت عزمت أن أتتبع كلامه وأجيب عنه تفصيلا، ثم إنه عرض لي ما يجب أن يكون هو المقصود بالذات مما قدمته حماية لجانب التوحيد والشريعة. ثم بدا لي أن أقتصر في جواب الرجل لما في الاقتصار من رعاية الصبر والاصطبار؛ لأنا لو أجبناه بكل ما يليق في الجواب لم نسلم من أمثاله ممن ينسج على منواله، كما هو الواقع من أكثر البشر قديما وحديثا مع كل من قام بالحق أو نطق بالصدق. فكل من كان أقوم في دين الله كان أذى الناس إليه أسرع والعداوة له أشد وأفظع. وأفضل خلق الله رسله وقد عالجوا من الناس أشد الأذى، حكمة بالغة. قال الله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) ،
والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدا. ينبئك عن تفصيل هذا ما ذكره الله تعالى في كتابه عن أنبيائه لما دعوا أممهم إلى التوحيد كيف قيل لهم؟ وما خوطبوا به؟. وتأمل ما جرى لخيار هذه الأمة كالخلفاء الراشدين وسادات أصحاب سيد المرسلين من أعدائهم كالرافضة والخوارج ونحوهم، وما جرى لأعيان التابعين ومن بعدهم من أعيان الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح وأحمد بن نصر الخزاعي وأمثال هؤلاء ممن لا يمكن حصرهم، ولو ذكرنا جنس ما جرى لهم من الأذى لطال الجواب. والقصد هو الاقتصار، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالسيَر والتاريخ ولله درّ أبي تمام حيث يقول:
وإذا أراد الله نشر فضيلة *** طويت أتاح لها لسان حسود
وقال أبو الطيب:
وشأن صدقك عند الناس كذبهم *** وهل يطابَق معوج بمعتدل؟
" انتهى المقصود
إن الكل يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقكم ، وإن كنتم يا فضيلة الشيخ تعملون في الخفاء ، إلا أن جهودكم الكبيرة حفظكم الله بارزة لا يستطيع أن يخفيها غربال من الجهل والتلبيس مما نشر من بعض الفضائيات والقنوات والمغرضين ، إن حياة الشيخ العلمية في الإفتاء وفي القضاء التي تتجاوز 50 عاما ، لهي أكبر دليل على التأصيل والقدرة العلمية والفقهية ، مما يمنع معه أن تصدر منه فتوى عن جهل أو عدم روية أو تخالف قواعد الشيخ التي قررها سابقا ،
وكما قال الشيخ النجيمي - وفقاً لجريدة "الجزيرة" السعودية - "فضيلة الشيخ هو من كبار العلماء وعضو في هيئة كبار العلماء منذ تأسيسها، وأن هناك قنوات سحر ومجون وعنف ومفسدة للأخلاق، والشيخ يتكلم بلغة قضائية عالية ومن منطق قضائي قانوني صحيح وهو التعزير، فهو يرى بجواز وصول التعزير إلى القتل كما يرى جمهور العلماء ولم يقل الشيخ بأنه يجوز للأفراد قتل هؤلاء بل يتم ذلك عن طريق القضاء"، فكلام الشيخ واضح ولا يعتريه شبهة إلا من كان في قلبه ريب أو ميل ، والله الهادي إلى طريقه القويم .
إن بثباتكم على الحق والاهتداء به يا فضيلة الشيخ ، واستمراركم في الدعوة والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قدوة حسنة تثبت الكثيرين ، وتردع الكثيرين ، إن في ثباتكم ثبات أقوام يا فضيلة الشيخ ، ولكم فيمن كان قبلكم أسوة حسنة ، فقد قال الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب في " قوله تعالى عن أصحاب موسى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ) (السجدة:24) ، فأخبر سبحانه أنه جعل منهم أئمة يأتم بهم من بعدهم، لصبرهم ويقينهم، إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فإن الداعي إلى الله لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه، وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة، وكف النفس عما يوهن عزمه؛ فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره سبحانه، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بهذا الوصف من أصحاب موسى، فهم أولى بمنصب هذه الإمامة " .
لمحة : لكل من تطاول على الشيخ واتهمه واتخذه ذريعة للبروز الإعلامي أو لتحقيق مآرب خاصة ، رويدا على نفسك ، و أقصر فإن الحق والهدى أبلج وأبقى ، والله من وراء القصد.