كانت فرحة الأم عارمة وهي تأخذ وليدا على راحلتها ميممين وجوههم نحو يثرب، غير آبهة بطول الطريق، ولا منتظرة قافلة تسير معها يكون طريقها يثرب!
وعندما غادرت مكة شاهدها (عثمان بن طلحة) وكان لا يزال على الشرك وسألها عن وجهة نظرها، فأخبرته أنها تريد اللحاق بزوجها .. وأدهشه أن تسافر وحدها. فأخذته الشهامة أن يقود بعيرها، وأن يرافقها حتى تصل إلى يثرب.!
لم يرفع إليها عينه طوال الطريق، وشهدت له أم سلمة بحيائه وشجاعته وإيثاره للخير .. وعندما لاحت له قباء تركها وعاد إلى مكة. وفي المدينة اجتمع شمل الأسرة. وفي هذا المجتمع الجديد شعرت بالأمن والأمان، وسكينة النفس تحت ظلال الإسلام.
وتمضي الأيام .. ويحقق المسلمون انتصارا مذهلا في "بدر" ثم تمضي الأيام ويحاول أهل مكة الانتقام لقتلاهم، وكانت معركة "أحد".
وفي هذه المعركة خرج زوجها مجاهدا في سبيل الله، وأصابه سهم كان سببا في استشهاده بعد ذلك بشهور. وعندما حضرته الوفاة دعا لها قائلا:
ـ اللهم ارزق أم سلمة بعدي خيرا مني .. لا يخلها ولا يؤذيها. وفكرت أم سلمة كثيرا في هذا الدعاء.
من هذا الذي يكون خيرا من زوجها الذي هاجر الهجرتين، ومات شهيدا. ومرت الأيام .. وبعد العدة خطبها أبو بكر فردته .. وخطبها عمر بن الخطاب فردته أيضا.
بعد ذلك أرسل لها الرسول عليه الصلاة والسلام رسولا طالبا الزواج منها فقالت لمن بعثه الرسول:
ـ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيري، وأني مصبية (عندها صبية)، وأنه ليس لي أحد من أوليائي مشاهدة، وأني عجوز قد كبرت سني.
وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقول لها:
ـ :أما قولك أني مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك إنك غيري فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، أما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضى، وأنا اكبر منك سنا".
فقالت لولدها عمر:
ـ قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأصبحت أم سلمة أما من أمهات المؤمنين.
وكانت بها بقية من جمال، حتى أن عائشة غارت منها وقالت:
ـ "لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكر لنا من جمالها، فتلطفت لها حتى رأيتها وهي لا تعرفني فرأيت أضعاف ما وصف لي من الحسن والجمال فرجعت من عندها تأكلني الغيرة منها".
وقلت لحفصة عما رأيت.
فقالت لي: أن هذا من الغيرة يا عائشة .. نظرت إليها وأنت تغارين منها.
قلت لها: فاذهبي أنت إليها.
فذهبت (حفصة) متخفية كما فعلت ورجعت تقول:
ـ أنها جميلة ولكن ليس كما تقولين يا عائشة، فإن الكبر يظهر عليها. لقد ذهب معظم شبابها مع الأيام وبقيت منه بقية لا تصبر على الزمن طويلا".
ففرجت علي ما كانت تضيق به نفسي.
ـ فقلت اذهب إليها مرة أخرى لأتحقق من قول حفصة فرأيتها كما وصفتها فحمدت الله أنها لم تكن شابة تنازعني حب رسول الله وحبه لي".
ومن هذه الرواية يتضح مدى غيرة عائشة رضي الله عنها من أم سلمة .. على بقية من جمال جليل لم تأخذه الأيام.