عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-2008, 01:14 PM   رقم المشاركة : 2
دامبيش
Band
 
الصورة الرمزية دامبيش
 







دامبيش غير متصل

أم حبيبة .. بنت أبي سفيان (2-3)

كان من الممكن أن تعيش حياتها في الغربة كما يعيش أي مهاجر أرض غريبة، محتسبة عند ربها هذه الغربة إلا أنها ذات يوم قامت من نومها فزعة، فقد رأت زوجها في صورة قبيحة!! وتحيرت وهي تحاول تفسير هذه الرؤيا العجيبة، ولكن سرعان ما فهمت تأويل رؤياها عندما عرفت أن زوجها ارتد عن الإسلام وتنصر .. استهوته الخمر والحياة على هواه وكان يحز في نفسها أنها أنجبت منه (حبيبة) .. التي أصبحت تكني (بأم حبيبة)..
زادت أحزانهما في الغربة. فأبوها (أبو سفيان بن حرب) واحد من أشد الناس كراهية لمحمد وما جاء به من الحق .. وكأنه وهب عمره للقضاء على الدعوة وصاحب الدعوة .. وهو لا يقل عداء للدعوة عن أبي جهل. وزوجها هو الآخر قد باع دينه بدنيا فانية.
وهي وحيدة مع طفلتها التي ولدت على أرض غريبة .. ما أعظم أحزان هذه السيدة الجليلة. وإسلامها يأبى عليها أن تعود إلي أبيها في مكة .. وردة زوجها أصابتها بخنجر في الصميم .. من أعماق .. أعماق نفسها..!
لقد بعثت مكة "بعمرو بن العاص رسولا من قبلها إلي النجاشي يؤلبه بما أوتي من مكر ودهاء على المسلمين .. وهناك على تلك الأرض الغريبة صمد المسلمون لهذه المحنة .. وأخذ جعفر بن أبي طالب .. أحد مهاجري مكة في الحبشة .. يرد على عمرو بن العاص أمام النجاشي .. ليكشف أمره .. وكان صورة مشرفة للمسلم الواعي المحافظ على دينه وشرف عقيدته .. ونبل الرسالة التي يؤمن بها.
قال جعفر للنجاشي وهو يشرح له الدين الذي من أجله هاجروا إلي بلاده تحسبا من بطش كفار مكة وجبروتهم.
ـ أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة .. ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار ويظلم القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته، فدعانا إلي عبادة إله واحد، وأن نخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من أحجار وأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم .. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فآمنا به، واتبعناه فيما جاء به، فعدا علينا قومنا .. فعذبونا ليردونا عن ديننا إلي عبادتهم، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك".
وتأمل النجاشي فيما يسمع وطلب من جعفر أن يقرأ عليه شيئا من القرآن الكريم فقرأ له:
{قالوا تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون "151" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون "152" وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون "153" } (سورة الأنعام)
وصمت النجاشي وهو متمعن فيما يقول جعفر وقال:
ـ أن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة وقال لابن العاص وزميله عبد الله بن أبي ربيعة:
ـ انطلقا إلي قومكما، فوالله لا أسلمهم لكما أبداً".
ولكن عمرو بن العاص وصاحبه لا يريدان أن يستسلما للهزيمة فحاولا أن يكيدا للمسلمين، وأن يوقعا بين النجاشي وبين من حولا ضيوفا عليه.
فسأل النجاشي: ماذا يقولون في عيسى؟
ـ ورد جعفر نقول فيه ما قال الله بشأنه .. وتلا قوله تعالى: