الموضوع: مالك بن أنس (2-10)
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2008, 01:23 PM   رقم المشاركة : 16
دامبيش
Band
 
الصورة الرمزية دامبيش
 







دامبيش غير متصل

مالك بن أنس (9_10)

سأله تلميذه: "وما رق الأحرار؟" قال الإمام مالك "كثرة الأخوان .. فإن كنت قاضيا ظلمت أو اتهمت بالظلم، وإن كنت عالما ضاع وقتك". وكان مالك يشكو كثرة الأصدقاء، إذ لا حيلة له معهم، فلا هو يستطيع أن يردهم عنه، ولا هم يتركونه يعمل أو يعتكف في داره للعلم كما ينبغي له ..
ومهاما يكن من أمر فقد أغنى مالك الفقه الإسلامي برأيه في المصلحة وجعلها مناط الأحكام وأساسه فيما لم يرد فيه نص ملزم بالإباحة أو المنع، وفي أخذه بالذرائع فما يؤدي إلى الحلال حلال، وما يؤدي إلى الحرام حرا .. فأنت حر في ملكك ولكنك في حريتك يجب ألا تضر غيرك فإذا حفرت بئرا خلف بابك تؤدي إلى سقوط الداخل إليك وهلاكه فهذا حرام .. لأن حفر البئر ذريعة لإهلاك الغير فهو ممتنع .. والبيع بأقساط ترفع الثمن الأصلي الذي تدفعه معجلا ذريعة إلى الربا فهو حرام ويجب على ولي الأمر منعه .. فالأقساط يجب أن تكون ذريعة للتيسير على المشتري لا ذريعة لقهرة على اقتراف الربا، وحمله على دفع ثمن اكبر.
وبهذا النظر حرام الاحتكار لأنه يحقق مصلحة لفرد أو لأفراد قلائل ويجلب الضرر على الآخرين .. فالمحتكر يغالي في السعر كيفما شاء، وعامة الناس مضطرون إلى قبول ما يفرضه وفي هذا ضرر بهم كبير والمحتكر ملعون، بنص الحديث الشريف. وقد أخذ الإمام مالك في فتاواه وآرائه بالقرآن والسنة والإجماع وعمل أهل المدينة ورعاية المصالح، أفتى بأمور كثيرة خالفه فيها بعض العلماء والفقهاء والمجتهدين.
فقد أفتى مالك بحق الزوجة في الطلاق إذا لم ينفق عليها زوجها، أو إذا ظهر لها عيب فيه لم تكن تعرفه وقت العقد .. عيب أي عيب جسديا كان أو خلقيا .. وأفتى أن ديون الله ـ كالزكاة ونحوها وما يمكن أن نسميه بالضرائب في أيامنا هذه ـ لا تؤخذ من التركة إلا إذا اعترف المورث بها قبل وفاته .. وحتى إذا ثبتت هذه الديون بأي طريق آخر من طرق الإثبات، فديون العباد مقدمة عليها .. لأن العباد "والأفراد" يضارون بعدم دفع ديونهم اكثر من الدولة .. أما عن ديون الله كالزكاة فالله غفور رحيم.
وأفتى بأن الحمل قد يستمر في بطن أمه ثلاث سنوات. ولقد سخر منه بعض خصومه وزعموا أنه يشجع على الفساد نساء غير صالحات من المطلقات أو ممن يغيب أو يموت عنهن الأزواج. وأفتى بأن من يبني جدارا في ملكه ليمنع الشمس والهواء عن جاره، معتد آثم يجب هدم جداره، وإن زعم أنه يقصد حماية أهل بيته من أعين الجيران.
وأفتى بعدم جواز صيام ستة من شوال (وهي ما نسميه بستة الأيام البيض). ورفض الاعتراف بالحديث الخاص بهذا الصيام وأنكره .. وصيام ستة أيام من شوال. يؤدي إلى زيادة رمضان. وهذا الامتناع عن صيام ستة من شوال هو ما يعمل به أهل المدينة .. سنة عن الرسول أخذها آلاف عن آلاف أولى بالاتباع من حديث نقله آحاد عن آحاد وأفتى مالك بوجوب وضع ضوابط لحق الرجل في الطلاق وفي الزواج بأكثر من واحدة بحيث لا تضار الزوجة أو الأولاد، وبحيث تكون مصلحة الأسرة هي العلة والأساس والأجدر بالرعاية.
وأفتى مالك بأن الأعراف والعادات يجب احترامها في استنباط الأحكام ما لم تتعارض مع نص صريح قطعي الدلالة. وأفتى بأن المحظور يجوز أن يقترف لأن فيه دفعا لمضرة اكبر .. أنه ليرى الشريعة مبنية على جلب المنافع والبعد عما يكون طريقا إلى المفاسد .. فكل وسيلة من وسائل العمل يجب أن ينظر إلى نتائجها فإن كانت النتيجة مصلحة فالعمل مباح وإن كانت فسادا وجب منع هذا العمل.
ولقد ذاع فقه مالك في كل الأمصار والأقطار، وكان في هذا الفقه ما يحمل له عناصر التجديد كالأخذ بمراعاة تحقيق المصلحة إن لم يوجد نص يبيح أو يمنع، وهو نظر أخذه من فقه الإمام جعفر الصادق بإعماله العقل في استنباط الحكم حيث لا يكون نص، وحكم العقل يقضي بالبحث عما يجلب المنفعة ويبعد الضرر. تحقيقا لمقاصد الشريعة.
وقد نما فقه مالك واتبعه وأغناه كثير من المفكرين والمجتهدين والفقهاء من بعده منهم فليسوف الأندلس ابن رشد .. غير أن بعض معاصري مالك عارضوه معارضة عنيفة وخالفه ونقده بعض أصحابه منهم الليث بن سعد فقيه مصر، وتلميذه الشافعي .. ولقد أرسل إليه صاحبه الليث بن سعد رسالة طويلة ذكره فيها بأن عمل المدينة لم يعد سنة بعد ولا يمكن اتباعه بعد عصر الرسول والخلفاء الراشدين فالصحابة خرجوا من المدينة بعد مقتل عمر، وتفرقوا في الأمصار، وبثوا فيها فقههم.