عرض مشاركة واحدة
قديم 23-02-2008, 12:44 PM   رقم المشاركة : 2
king-abdullah
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية king-abdullah
 





king-abdullah غير متصل

نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه وعندنا إنما أصابك هذا أن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك وهو قولهم إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برىء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون وهذا تحد منه لهم وتبر من آلهتهم وتنقص منه لها وبيان أنها لا تنفع شيئا ولا تضر وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا برىء منها لاعن لها فكيدوني ثم لا تنظرون أنتم جميعا بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ولا أفكر فيكم ولا أنظر إليكم إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم أي أنا متوكل على الله ومتأيد به وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه فلست أبالي مخلوقا سواه ولست أتوكل إلا عليه ولا أعبد إلا إياه وهذا وحده برهان قاطع على أن هودا عبدالله ورسوله وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ولا نالوا منه مكروها فدل على صدقه فيما جاءهم به وبطلان ما هم عليه وفساد ما ذهبوا إليه وهذا الدليل بعينه قد استدل به نوح عليه السلام قبله في قوله يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون وهكذا قال الخليل عليه السلام ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون استبعدوا أن يبعث الله رسولا بشريا وهذه الشبهة أدلى بها كثير من جهلة الكفرة قديما وحديثا كما قال تعالى أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وقال تعالى وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدي إلا أن قالوا أبعث الله شبرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ولهذا قال لهم هود عليه السلام أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم أي ليس هذا بعجيب فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته وقوله أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحى وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال
ربي انصرني استبعدوا المعاد وانكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها ترابا وعظاما وقالوا هيهات هيهات أي بعيد بعيد هذا الوعد إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحى وما نحن بمبعوثين أي يموت قوم ويحيى آخرون وهذا هو اعتقاد الدهرية كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة أرحام تدفع وأرض تبلغ وأما الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذه الدار بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة وهذا كله كذب وكفر وجهل وضلال وأقوال باطلة وخيال فاسد بلا برهان ولا دليل يستميل عقل الفجرة الكفرة من بني آدم الذين لا يعقلون ولا يهتدون كما قال تعالى ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون وقال لهم فيما وعظهم به أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون يقول لهم أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيما هائلا كالقصور ونحوها تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام كما قال تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد فعاد إرم هم عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام ومن زعم أن إرم مدينة من ذهب وفضة وهي تتنقل في البلاد فقد غلط وأخطأ وقال ما لا دليل عليه وقوله وتتخذون مصانع قيل هي القصور وقيل بروج الحمام وقيل مآخذ الماء لعلكم تخلدون أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارا طويلة وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم وقالوا له مما قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين أي أجئتنا لنعبد الله وحده ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه فإن كنت صادقا فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك كما قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين أما على قراءة فتح الخاء فالمراد به اختلاق الأولين أي أن هذا الذي جئت به الا اختلاق منك وأخذته من كتب الأولين هكذا فسره غير واحد من الصحابة والتابعين وأما على قراءة ضم الخاء واللام فالمراد به الدين أي أن هذا الدين الذي نحن عليه الا دين الآباء والأجداد من أسلافنا ولن نتحول عنه ولا نتغير ولا نزال متمسكين به ويناسب كلا القراءتين الأولى والثانية قولهم وما نحن بمعذبين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين أي قد استحقيتم بهذه المقالة الرجس والغضب من الله أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له بعبادة أصنام أنتم نحتموها وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان أي لم ينزل على ما ذهبتم إليه دليلا ولا برهانا وإذا أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد وقال تعالى قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم عثاء فبعدا للقوم الظالمين وقال تعالى قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين وقد ذكر الله تعالى خبر اهلاكهم في غير ما آية كما تقدم مجملا ومفصلا كقوله فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين وكقوله ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم الا بعدا لعاد قوم هود وكقوله فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبدا للقوم الظالمين وقال تعالى فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم وأما تفصيل إهلاكهم فلما قال تعالى فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما أستعجلتم به ريح فيها عذاب أليم كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب أنهم كانوا ممحلين مسنتين فطلبوا السقيا فرأوا عارضا في السماء وظنوه سقيا رحمة فإذا هو سقيا عذاب ولهذا قال تعالى بل هو ما استعجلتم به أي من وقوع العذاب وهو قولهم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ومثلها في الأعراف وقد ذكر المفسرون وغيرهم ههنا الخبر الذي ذكره الإمام محمد بن إسحق بن بشار قال فلما أبو إلا الكفر بالله عز وجل أمسك عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك قال وكان الناس إذاجهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمه ومكان بيته وكان معروفا عند أهل ذلك الزمان وبه العماليق مقيمون وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان سيدهم إذ ذاك رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت أمه من قوم عاد واسمها جلهدة ابنة الخيبري قال فبعث عاد وفدا قريبا من سبعين رجلا ليستقوا لهم عند الحرم فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر يغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية وكانوا قد وصلوا إليه في شهر فلما طال مقامهم عنده وأخذته شفقة على قومه واستحيى منهم أن يأمرهم بالانصراف عمل شعرا فيعرض لهم بالانصراف وأمر القينتين أن تغنيهم به فقال
ألا يا قيل ويحك فم فهيم * لعل الله يمنحنا عماما
فيسقي أرض عاد ان عادا * قد أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس نرجو * به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير * فقد أمست نساؤهم أياما
وإن الوحش يأتيهم جهارا * ولا يخشى لعادي سهاما
وأنتم ههنا فيما اشتهيتم * نهاركم وليلكم تماما
فقبح وفدكم من وفد قوم * ولا لقوا التحية والسلاما
قال فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم فدعا داعيهم وهو قيل ابن عنز فأنشأ الله سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب فقال اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه اخترت رمادا رمددا لا تبقى من عاد أحدا لا والدا يترك ولا ولدا إلا جعلته همدا إلا بني اللودية الهمدا قال وهو بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة فلم يصبهم ما أصاب قومهم قال ومن بقي من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة قال وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل ابن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فيقول تعالى بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها أي كل شيء أمرت به فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها فهد فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلما أفاقت قالوا ما رأيت يا فهد قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسحرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك قال واعتزل هود عليه السلام فيما ذكر لي في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ما يصيبهم إلا ما يلين عليهم الجلود ويلتذ الأنفس وإنها لتمر على عاد بالطعن فيما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وذكر تمام القصة وقد روى الإمام أحمد حديثا في مسنده يشبه هذه القصة فقال حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث وهو ابن حسان ويقال ابن يزيد البكري قال خرجت أشكو العلا بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي يا عبدالله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فهل أنت مبلغي إليه قال فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله وإذا راية سوداء تخفق وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها قال فجلست قال فدخل منزله أو قال رحله فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فسلمت فقال هل كان بينكم وبين بني تميم شيء فقلت نعم وكانت لنا الدبرة عليهم ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب فأذن لها فدخلت فقلت يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا فاجعل الدهنا فإنها كانت لنا قال فحميت العجوز واستوفزت وقالت يا رسول الله فإلى أين تضطر مضرك قال فقلت إن مثلي ما قال الأول معزى حملت حتفها حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت لي خصما أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد قال هيه وما وافد عاد وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه قلت أن عادا قحطوا فبعثوا وفدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر ويغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة فقال اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومى إلى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رمادا رمددا لا تبقى من عاد أحدا قال فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح الا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا قال أبو وائل وصدق وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وفدا لهم قالوا لا تكن كوافد عاد وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن زيد بن الحباب به ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر عن عاصم بن بهدلة ومن طريقه رواه ابن ماجه وهكذا أورد هذا الحديث وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين كابن جرير وغيره وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ولم تبن الا بعد إبراهيم الخليل حين أسكن فيها هاجر وابنه اسماعيل فنزلت جرهم عندهم كما سيأتي وعاد الأولى قبل الخليل وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى لا يشبه كلام المتقدمين وفيه أن في تلك السحابة شرر نار وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين هي الباردة والعاتية الشديدة الهبوب سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي كوامل متتابعات قيل كان أولها الجمعة وقيل الأربعاء فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية شبههم بأعجاز النخل التي لا رؤوس لها وذلك لأن الريح كانت تجىء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس كما قال إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر أي في يوم نحس عليهم مستمر عذابه عليهم تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ومن قال إن اليوم النحس المستمر هو يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرآن فإنه قال في الآية الأخرى فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها مشؤمة وهذا لا يقوله أحد وإنما المراد في أيام نحسات أي عليهم وقال تعالى وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم أي التي لا تنتج خيرا فإن الريح المفردة لا تنثر سحابا ولا تلقح شجرا بل هي عقيم لا نتيجة خير لها ولهذا قال ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم أي كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وأما قوله تعالى واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم فالظاهر أن عادا هذه هي عاد الأولى فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود وهم الأولى ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عاد الثانية ويدل عليه ما ذكرنا وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها وأما قوله فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا فإن عادا لما رأوا هذا العارض وهو الناشيء في الجو كالسحاب ظنوه سحاب مطر فإذا هو سحاب عذاب اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر قال الله تعالى بل هو ما استعجلتم به أي من العذاب ثم فسره بقوله ريح فيها عذاب أليم يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحدا بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة فكما منوا بقوتهم وشدتهم وقالوا من أشد منا قوة سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة وأقدر عليهم وهو الريح العقيم ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقي منهم فأرسلها الله عليهم شررا ونارا كما ذكره غير واحد ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة مع الصيحة التي ذكرها في سورة قد أفلح المؤمنون والله أعلم
وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس حدثنا ابن فضل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها قالوا هذا عارض ممطرنا فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة وقد رواه الطبراني عن عبدان بن احمد عن إسماعيل بن زكريا الكوفي عن أبي مالك عن مسلم الملائي عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فتح الله على عاد من الريح الأمثل موضع الخاتم ثم أرسلت عليهم البدو إلى الحضر فلما رآها أهل الحضر قالوا هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا وكان أهل البوادي فيها فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا قال عتت على خزائنها حتى خرجت من خلال الأبواب قلت وقال غيره خرجت بغير حساب
والمقصود أن هذا الحديث في رفعه نظر ثم اختلف فيه على مسلم الملائي وفيه نوع اضطراب والله أعلم وظاهر الآية أنهم رأوا عارضا والمفهوم منه لمعة السحاب كما دل عليه حديث الحارث بن حسان البكري أن جعلناه مفسرا لهذه القصة وأصرح منه في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال
حدثنا أبو الطاهر حدثنا ابن وهب سمعت ابن جريج يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به قالت وإذا عببت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا امطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال لعله يا عائشة كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن جريج
طريق أخرى قال الإمام أحمد حدثنا هرون بن معروف أنبأنا عبدالله بن وهب أنبأنا عمرو وهو ابن الحارث أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم وقالت كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه قالت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم نوح بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا فهذا الحديث كالصريح في تغاير القصتين كما أشرنا إليه أولا فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبرا عن قوم عاد الثانية وتكون بقية السياقات في القرآن خبرا عن عاد الأولى والله أعلم بالصواب وهكذا رواه مسلم عن هارون بن معروف وأخرجه البخاري وأبو داود من حديث ابن وهب وقدمنا حج هود عليه السلام عند ذكر حج نوح عليه السلام وروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه ذكر صفة قبر هود عليه السلام في بلاد اليمن وذكر آخرون أنه بدمشق وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم

ونتابع معكم قصة صالح نبي ثمود عليه السلام إن شاء الله






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة