عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2008, 09:16 AM   رقم المشاركة : 2
king-abdullah
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية king-abdullah
 





king-abdullah غير متصل

ومن ذلك البحر الذي يخرج منه المد والجزر عند البصرة وفي بلاد المغرب نظيره أيضا يتزايد الماء من أول الشهر ولا يزال في زيادة إلى تمام الليلة الرابعة عشر منه وهو المد ثم يشرع في النقص وهو الجزر إلى آخر الشهر وقد ذكروا تحديد هذه البحار ومبتداها ومنتهاها وذكروا ما في الأرض من البحيرات المجتمعة من الأنهار وغيرها من السيول وهي البطائح .
وذكروا ما في الأرض من الأنهار المشهورة الكبار وذكروا ابتداءها وانتهاءها ولسنا بصدد بسط ذلك والتطويل فيه وإنما نتكلم على ما يتعلق بالأنهار الوارد ذكرها في الحديث وقد قال الله تعالى ( الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) ففي الصحيحين من طريق قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر سدرة المنتهى قال فإذا يخرج من أصلها نهران باطنان ونهران ظاهران فأما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات وفي لفظ في البخاري وعنصرهما أي مادتهما أو شكلهما وعلى صفتهما ونعتهما وليس في الدنيا مما في الجنة إلا سماوية وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر عن خبيب بن عبدالرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة .
وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ويزيد أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وكأن المراد والله أعلم من هذا أن هذه الأنهار تشبه أنهار الجنة في صفائها وعذوبتها وجريانها ومن جنس تلك في هذه الصفات ونحوها كما قال في الحديث الآخر الذي رواه الترمذي وصححه من طريق سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم أي تشبه ثمر الجنة لا أنها مجتناة من الجنة فإن الحس يشهد بخلاف ذلك فتعين أن المراد غيره وكذا قوله صلى الله عليه وسلم الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وكذا قوله إذا اشتد الحمى فأبردوها بالماء فإن شدة الحر من فيح جهنم وهكذا هذه الأنهار أصل منبعها مشاهد من الأرض .
أما النيل وهو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير في خفته ولطافته وبعد مسراه فيما بين مبتداه إلى منتهاه فمبتداه من الجبال القمر أي البيض ومنهم من يقول جبال القمر بالإضافة إلى الكواكب وهي في غربي الأرض وراء خط الإستواء إلى الجانب الجنوبي ويقال أنها حمر ينبع من بينها عيون ثم يجتمع من عشر مسيلات متباعدة ثم يجتمع كل خمسة منها في بحر ثم يخرج منها أنهار ستة ثم يجتمع كلها في بحيرة أخرى ثم يخرج منها نهر واحد هو النيل فيمر على بلاد السودان الحبشة ثم على النوبة ومدينتها العظمى دمقلة ثم على أسوان ثم يفد على ديار مصر وقد تحمل إليها من بلاد الحبشة زيادات أمطارها واجترف من ترابها وهي محتاجة إليهما معا لأن مطرها قليل لا يكفي زروعها وأشجارها وتربتها رمال لا تنبت شيئا حتى يجيء النيل بزيادته وطينه فينبت فيه ما يحتاجون إليه وهي من أحق الأراضي بدخولها في قوله تعالى أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ثم يجاوز النيل مصر قليلا فيفترق شطرين عند قرية على شاطئه يقال لها شطنوف فيمر الغربي على رشيد ويصب في البحر المالح وأما الشرقي فتفترق أيضا عند جوجر فرقتين تمر الغربية منهما على دمياط من غربيها ويصب في البحر والشرقية منهما تمر على أشمون طناح فيصب هناك في بحيرة شرقي دمياط يقال لها بحيرة تنيس وبحيرة دمياط وهذا بعد عظيم فيما بين مبتداه إلى منتهاه ولهذا كان ألطف المياه قال ابن سينا له خصوصيات دون مياه سائر الأرض فمنها أنه أبعدها مسافة من مجراه إلى أقصاه ومنها أنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خز ولا طحلب ولا أوحال ومنها أنه لا يخضر فيه حجر ولا حصاة وما ذاك إلا لصحة مزاجه وحلاوته ولطافته ومنها أن زيادته في أيام نقصان سائر الأنهار ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها وأما ما يذكره بعضهم من ان أصل منبع النيل من مكان مرتفع اطلع عليه بعض الناس فرأى هناك هولا عظيما وجواري حسانا وأشياء غريبة وأن الذي اطلع على ذلك لا يمكنه الكلام بعد هذا فهو من خرافات المؤرخين وهذيانات الأفاكين .
وقد قال عبدالله بن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتح عمرو بن عاص مصر أتى أهلها إليه حين دخل شهر بؤنة من أشهر العجم القبطية فقالوا يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما ذاك قالوا إذا كان لثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فارضينا أبويها وجعلنا عليها من الجلى والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو أن هذا لا يكون في الإسلام وأن الإسلام يهدم ما قبله فأقاموا بؤنة والنيل لا يجري لا قليلا ولا كثيرا وفي رواية فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى وهو لا يجري حتى هموا بالجلاء فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبدالله عمر عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك فألقى عمرو البطاقة في النيل فأصبح يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم .
وأما الفرات فأصلها من شمالي أررن الروم فتمر إلى قرب ملطيه ثم تمر على شميشاط ثم على البيرة قبليها ثم تشرق إلى بالس وقلعة جعبر ثم الرقة ثم إلى الرحبة شماليها ثم إلى عانة ثم إلى هيت ثم إلى الكوفة ثم تخرج إلى فضاء العراق ويصب في بطائح كبار أي بحيرات وترد إليها ويخرج منها أنهار كبار معروفة .
وأما سيحان ويقال له سيحون أيضا فأوله من بلاد الروم ويجري من الشمال والغرب إلى الجنوب والشرق وهو غربي مجرى جيحان ودونه في القدر وهو ببلاد الأرض التي تعرف اليوم ببلاد سيس وقد كانت في أول الدولة الإسلامية في أيدي المسلمين فلما تغلب الفاطميون على الديار المصرية وملكوا الشام وأعمالها عجزوا عن صونها عن الأعداء فتغلب تقفور الأرمني على هذه البلاد أعني بلاد سيس في حدود الثلاثمائة وإلى يومنا هذا والله المسئول عودها إلينا بحوله وقوته ثم يجتمع سيحان وجيحان عند إذنه فيصيران نهرا واحدا ثم يصبان في بحر الروم بين أياس وطرسوس .
وأما جيحان ويقال له جيحون أيضا وتسميه العامة جاهان وأصله في بلاد الروم ويسير في بلاد سيس من الشمال إلى جنوب وهو يقارب الفرات في القدر ثم يجتمع هو وسيحان عند اذنة فيصيران نهرا واحدا ثم يصبان في البحر عند اياس وطرسوس والله أعلم .


الله اعلم

ونتابع معكم فصل قال الله تعالى ( الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) إن شاء الله.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة