.
.
.
.:. قيود وشروط لا بد من مراعاتها .:.
قيود وشروط لا بد من مراعاتها :
ولا ننسى أن نضيف إلى هذا الحكم : قيوداً لا بد من مراعاتها في سماع الغناء :
1. نؤكد ما أشرنا إليه أنه ليس كل غناء مباحاً , فلا بد أن يكون موضوعه متفقاً مع أدب الإسلام وتعاليمه .
فلا يجوز التغني بقول أبى نواس :
دع عنك لومي , فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء !
ولا بقول شوقي :
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
وأخطر منها : قول إيليا أبى ماضي في قصيدته « الطلاسم » :
جئـت لا أعلــم مـن أيـن , ولكني أتيـت !
ولقــد أبصـرت قدامـى طـريقـاً فمـشيت !
كيف جئت ا كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدرى !
لأنها تشكيك في أصول الإيمان : المبدأ , والمعاد , والنبوة .
ومثلها : ما عبر عنه بالعامية في أغنية « من غير ليه » ا وليست أكثر من ترجمة شك أبى ماضي إلى العامية , ليصبح تأثيرها أوسع دائرة .
ومثل ذلك الأغنية التي تقول : « الدنيا سيجارة وكاس » . فكل هذه مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجساً من عمل الشيطان , ويلعن شارب « الكاس » وعاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل . والتدخين أيضا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال .
والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا , مخالفة لتعاليم الإسلام , الذي يلعن الظالمين , وكل من يعينهم , بل من يسكت عليهم , فكيف بمن يمجدهم ؟ا
والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحبة العيون الجريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ….. ) , ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) , ويقول صلى الله عليه وسلم : « يا علي , لا تتبع النظرة النظر» , فإن لك الأولى وليست لك الآخرة».
2. ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها , فقد يكون الموضوع لا بأس به ولا غبار عليه , ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول , وتعمد الإثارة , والقصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة , وإغراء القلوب المريضة ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع على الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلح على جانب واحد , هو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام , وإشعالها بكل أساليب الإثارة والتهيج , وخصوصا لدى الشباب والشابات .
إن القرآن يخاطب نساء النبي فيقول : ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) . فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير .
3. ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم , كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء , بلا قيود ولا حدود , وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم . وهى الصورة الماثلة في الأذهان عندما يذكر الغناء , وبخاصة غناء الجواري والنساء .
وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره : « ليشربن ناس من أمتي الخمر , يسمونها بغير اسمها , يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات , يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير » .
وأود أن أنبه هنا على قضية مهمة , وهى : أن الاستماع إلى الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء , ومخالطة المغنيين والمغنيات وحواشيهم , وقلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع , ويكرهها الدين .
أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلى الأغاني وهو بعيد عن أهلها ومجالسها , وهذا لا ريب عنصر مخفف في القضية , ويميل بها إلى جانب الإذن والتيسير .
4. الغناء - ككل المباحات - يجب أن يقيد بعدم الإسراف فيه , وبخاصة الغناء , العاطفي , الذي يتحدث عن الحب والشوق , فالإنسان ليس عاطفة فحسب , والعاطفة ليست حبا فقط , والحب لا يختص بالمرأة وحدها , والمرأة ليست جسدا وشهوة لا غير , لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية , وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل , وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا , وفى الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع , وفى الفرد بين عقله وعاطفته , وفى مجال العاطفة بين العواطف الإنسانية كلها من حب وكره وغيرة وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة واخوة وصداقة . . . الخ , فلكل عاطفة حقها.
أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة , فذلك على حساب العواطف الأخرى , وعلى حساب عقل الفرد وروحه وإرادته , وعلى حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته , وعلى حساب الدين ومثله وتوجيهاته .
إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شئ حتى في العبادة , فما بالك بالإسراف في اللهو , وشغل الوقت به ولو كان مباحا ؟!
إن هذا دليل على فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة , والأهداف العظيمة , ودليل على إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود وعمره القصير , وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع : « ما رأيت إسراف إلا وبجانبه حق مضيع » , وفي الحديث : « لا يكون العاقل ظاعناً إلا لثلاث : مرمة لمعاش , أو تزود لمعاد , أو لذة في غير محرم » , فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط , ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره : فيم أفناه , وعن شبابه : فيم أبلاه ؟
5. وبعد هذا الإيضاح تبقى هناك أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها , فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته , ويغريه بالفتنة , ويسبح به في شطحات الخيال , ويطغى فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحاني , فعليه أن يتجنبه حينئذ , ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه , فيستريح ويريح
.
.
.