عرض مشاركة واحدة
قديم 01-12-2007, 02:18 PM   رقم المشاركة : 43
هيثم التميمي
Band
 





هيثم التميمي غير متصل


.
.
.

:. أدلة المجيزين للغناء .:.



أدلة المجيزين للغناء :

تلك هي أدلة المحرمين , وقد سقطت واحدا بعد الآخر , ولم يقف دليل منها على قدميه . وإذا انتفت أدلة التحريم بقى حكم الغناء على أمل الإباحة بلا شك , ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد على ذلك غير سقوط أدلة التحريم . فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة , وروحه السمحة , وقواعده العامة , ومبادئه الكلية ؟
وهاك بيانها :
أولاً - من حيث النصوص :
استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة , منها : حديث غناء الجاريتين في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة , وانتهار أبى بكر لهما , وقوله : مزمار الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا يدل على أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم , فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبى بكر إلى هذا الحد .
والمعول عليه هنا هو رد النبي صلى الله عليه وسلم على أبى بكر رضى الله عنه وتعليله : أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة , وأنه بعث بحنيفية سمحة . وهو يدل على وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدى الآخرين , وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه .
وقد روى البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا عائشة , ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو » .
وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال : أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ‹« أهديتم الفتاة » ؟ قالوا : نعم . قال : « أرسلتم معها من يغنى » ؟ قالت : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الأنصار قوم فيهم غزل , فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟!
وهذا الحديث يدل على رعاية أعراف الأقوام المختلفة , واتجاههم المزاجي , ولا يحكم المرء مزاجه هو في حياة كل الناس .
وروى النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال : دخلت على قرظة بن كعب وأبى مسعود الأنصاري في عرس , وإذا جوار يغنين . فقلت : أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا : اجلس إن شئت فاستمع معنا , وان شئت فاذهب , فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس .
وروى ابن حزم بسند« عن ابن سيرين : أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتى عبد الله ابن جعفر فعرضهن عليه , فأمر جارية منهن فغنت , وابن عمر يسمع , فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة , ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن , غبن بسبعمائة درهم ! فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم , فإما أن تعطيها إياه , وإما أن ترد عليه بيعه , فقال : بل نعطيه إياها . قال ابن حزم : فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية , وهذا إسناد صحيح , لا تلك الملفقات الموضوعة .
واستدلوا بقوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما , قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة , والله خير الرازقين ) .
فقرن اللهو بالتجارة - وهى حلال بيقين - , ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما - بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحا بها - من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم , وتركه قائما .
واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم : أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه وهم القوم يقتدى بهم فيهتدى . واستدلوا بما نقله غير واحد من الإجماع على إباحة السماع , كما سنذكره بعد .

وثانياً من حيث روح الإسلام وقواعده :
( أ ) لا شئ في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس , وتستطيبها العقول , وتستحسنها الفطر , وتشتهيها الأسماع , فهو لذة الأذن , كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة , والمنظر الجميل لذة العين , والرائحة الذكية لذة الشم …. الخ , فهل الطيبات - أي المستلذات - حرام في الإسلام أم حلال ؟
من المعروف أن الله تعالى كان قد حرم على بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم على سوء ما صنعوا , كما قال تعالى : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً * وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ) , فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم جعل عنوان رسالته في كتب الأولين أنه : ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) . فلم يبق في الإسلام شيء طيب - أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة - إلا أحله الله , رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها . قال تعالى : ( يسألونك ماذا أحل لهم , قل أحل لكم الطيبات ) .
ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم على نفسه أو على غيره شيئاً من الطيبات مما رزق الله , مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه , فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده , وليس من شأن عباده, قال تعالى : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل ءآلله أذن لكم , أم على الله تفترون ) , وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات , كلاهما يجلب سخط الله وعذابه , ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين , والضلال البعيد , قال جل شأنه ينعى على من فعل ذلك من أهل الجاهلية : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله , قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) .
( ب ) ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية , حتى إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه , وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه . ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم . بل نقول : إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتى قال الغزالي في الإحياء : « من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال , بعيد عن الروحانية , زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور وجميع البهائم , إذ الجمل - مع بلادة طبعه - يتأثر بالحداء تأثراً يستخف معه الأحمال الثقيلة , ويستقصر - لقوة نشاطه في سماعه - المسافات الطويلة , وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه . فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها , وتصغي إليه ناصبة آذانها , وتسرع في سيرها , حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها » .
وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا , إنما جاء لتهذيبها والسمو بها , وتوجيهها التوجيه القويم . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها .
ومصداق ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما , فقال : « ما هذان اليومان »؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال عليه السلام : « إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر » ( رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) .
وقالت عائشة : « لقد رأيت النبي يسترني بردائه , وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد , حتى أكون أنا التي أسأمه - أي اللعب - فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو » .
وإذا كان الغناء لهواً ولعبا فليس اللهو واللعب حراما , فالإنسان لا صبر له على الجد المطلق والصرامة الدائمة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة - حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده , وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا حنظلة , ساعة وساعة » (رواه مسلم ) .
وقال علي بن أبى طالب : روحوا القلوب ساعة بعد ساعة , فإن القلوب إذا أكرهت عميت .
وقال كرم الله وجهه : إن القلوب تمل كما تمل الأبدان , فابتغوا لها طرائف الحكمة .
وقال أبو الدرداء : إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لها على الحق .
وقد أجاب الإمام الغزالي ممن قال : إن الغناء لهو ولعب بقوله : « هو كذلك , ولكن الدنيا كلها لهو ولعب . . . وجميع المداعبة مع النساء لهو , إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد , كذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال , نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة .
وأي لهو يزيد على لهو الحبشة والزنوج في لعبهم , فقد ثبت بالنص إباحته . على أني أقول : اللهو مروح القلب , ومخفف أعباء الفكر , والقلوب إذا أكرهت عميت , وترويحها إعانة لها على الجد , فالمواظب على التفقه مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة : لأن عطلة يوم تساعد على النشاط في سائر الأيام , والمواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يعطل في بعض الأوقات , ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات , فالعطلة معونة على العمل , واللهو معين على الجد , ولا يصبر على الجد المحض , والحق المر , إلا نفوس الأنبياء , عليهم السلام .
فاللهو دواء , القلب من داء الإعياء والملال , فينبغي أن يكون مباحاً , ولكن لا ينبغي أن يستكثر , كما لا يستكثر من الدواء. فإذن اللهو على هذه النية يصير قربه , هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها , بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة , فينبغي أن يستحب له ذلك , ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه . نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال , فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق , ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين , ومن أحاط بعلم علاج القلوب , ووجوه التلطف بها , وسياقاتها إلى الحق , علم قطعا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه » . . انتهى كلام الغزالي , وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحق .

.
.
.