الرفق بالحيوان
كذلك من أنواع الرفق: الرفق بالحيوانات، والرفق بالحيوانات أدلته كثيرة، وهذا الأدب العظيم الذي سبق الكلام به الرسول الكفار الغربيين بمئات السنين، وبعض الكفرة اليوم يتعالون على المسلمين الجهلة، ويقولون: انظروا إلى ما عندنا من المحاسن، نحن لدينا جمعيات رفق بالحيوان، ونفعل ونفعل. إذاً تعال معي -يا أخي المسلم- لأستعرض معك بعض الأحاديث التي تنسف ما زعمه هؤلاء، وترد هذا الجهل المتأصل في نفوس بعض المسلمين المخدوعين بما عند الغرب. روى أبو داود رحمه الله بإسناد صحيح عن عبد الله بن جعفر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا جملٌ في البستان، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجمل حن الجمل وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح سراته إلى سنامه، يعني: مسح ظهره إلى سنامه، وزجراه، يعني: أصل أذنه، فسكن البعير، لمسح الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، انظر الرفق! فقال: (من رب هذا الجمل؟) يعني: من صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله! فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه) يعني: تتعبه وتكده، وهذه من المعجزات. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم بمعنى الحديث: اتقوا الله في هذه البهيمة العجماء يعني: التي لا تنطق، ولا تشتكي، وهناك أناس اختصاصهم وهوايتهم تعذيب الحيوانات، ولذلك لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً يرمى إليه، كأن يضع أحدهم دجاجة، ويتسلى عليها في الرمي، أو يضع أرنباً ويتسلى عليه، وهذه المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت فدخلت النار، وامرأة من البغايا من الزناة من بني إسرائيل رحمت كلباً، فنزلت في بئر، فملأت خفها ماءً، فسقت كلباً قد عطش، فأدخلها الله الجنة بهذا الفعل. وكذلك عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل واضع رجله على صفحة شاة -على رقبة شاة- وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، هكذا يقول الراوي: فقال: (أفلا قبل هذا؟) يعني: أفلا حددت الشفرة قبل هذا؟ (أتريد أن تميتها موتتين). عن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فانطلق لحاجة، فرأينا حمرةً -طائراً صغيراً لونه أحمر- فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش -يعني: ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض وهي تبحث وتتحسس على هذين الفرخين- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها عليها) انظر إلى رفق الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الأحاديث كلها صحيحة وموجودة في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول. إذاً -أيها الإخوة- هذه بعض الجوانب التي يدخل فيها الرفق، فتأمل معي عظم هذا الخلق العظيم، وشموليته، ودخوله في نواحي كثيرة من الحياة.
ضرورة الحذر من انقلاب الرفق إلى ذل ومهانة
وختاماً: لا بد أن نؤكد -أيها الإخوة- على نقطة مهمة وهي أن الرفق قد ينقلب أحياناً إلى ذلٍ ومهانةٍ، بعض الناس يخطئون في المكان الذي يرفقون فيه، يعني: الموقف الذي يستخدم فيه الرفق يكون خطأ، المفروض أنه لا يستخدم الرفق في هذا الجانب، فينقلب الرفق في حقه إلى ذل ومهانة، فلا بد من التوسط في الأمور، ولذلك قال بعض السلف : لا تكن رطباً فتعصر، ولا يابساً فتكسر، وقال بعضهم: لا تكن حلواً فتبلع، ولا مراً فتلفظ إلى الخارج، هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفق في كل المواقف؟ لما قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا إله إلا الله، حيث رفع أسامة سيفه على رجل من الكفار قتل من المسلمين في إحدى المعارك خلقاً كثيراً، فلما رفع السيف عليه، قال الكافر: لا إله إلا الله، فقال أسامة : بعد ماذا؟ قتلت كل الناس والآن تقول لا إله إلا الله، فقتله، فلما رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف القصة، لم يقف موقف الرفق، وإنما وقف موقف الشدة الشديدة جداً، وجلس يوبخ أسامة بن زيد ، ويقول له: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله) أو قال له: (ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟) حتى يقول أسامة : [فتمنيت أني ما أسلمت قبل يومئذٍ] يعني: تمنيت لو أني كنت كافراً لما قتلت الرجل وأسلمت بعدما قتلته، من شدة اللوم الذي شعر به. لماذا لم يقف الرسول صلى الله عليه وسلم موقف الرفق؟ لأنه ليس موقفاً مناسباً، إذا انتهكت أمامك حرمات الله، هل تقف موقف اللين والرفق مع الناس، وتبتسم وتضحك وهم ينتهكون حرمات الله أمامك ويستهزئون بالدين، ويسبون الرسول والقرآن والرب عز وجل والعياذ بالله تعالى! فإذاً -أيها الإخوة- كل شيء له حدود، وكل شيء له موقف معين يتخذ فيه، فهناك فرقٌ بين الرفق والتساهل غير الشرعي، وتمييع الأمور، لا يعني الأمر بالرفق أن نترك الناس على راحتهم، لو أن زوجتي ارتكبت محرماً، أو أن ولدي نظر إلى محرم، هل أكون رفيقاً به بمعنى أني ألين معه فلا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر؟ لا. وفرقٌ -أيها الإخوة- بين أن يكون الرفق وسيلة إلى تحصيل المقصود، وبين أن يكون الرفق هو الهدف، المهم أنه يصل إلى اللين حتى لو كان الوضع لا يسمح. الرفق يجب أن يكون وسيلة يحقق المقصود، فإذا كان المقصود لا يتحقق بالرفق، وإنما يتحقق بالشدة والغلظة، فلا يجوز استخدام الرفق في هذه الحالة، ولا يعني الرفق الذلة للكفار، والذلة للذين يستهزئون بالمسلمين كالصور التي يطبقونها، وكالذين يسبون الله عز وجل، فهؤلاء ليس لهم الرفق، إذا دعوا إلى الله، ودين الله والحكمة، ووعظوا، وأصروا، فليس لهم إلا الغلظة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم:9] هذا التنبيه مهم جداً حتى لا تنقلب الأمور، وحتى لا تخرج عن إطارها الصحيح. وفقنا الله وإياكم لأن نسلك طريق الرفق، ونسأله عز وجل أن ينمي هذا الخلق العظيم في أنفسنا، ويجعله لنا سبيلاً ومنهجاً ومسلكاً، وأستغفر الله لي ولكم.......
الأسئلة
......
التحذير من وصف العلماء برجال الدين
السؤال: يقول: هل هناك تقسيمات في علماء الدين كما عند اليهود والنصارى، وهل هذه الألقاب لها أصل في الإسلام؟ ولماذا تطلق بعض الألفاظ على بعض العلماء؟ الجواب: أيها الإخوة: ليس هناك شيء اسمه رجال دين في الإسلام، لأن المسلمين كلهم يجب أن يكونوا رجال دين، ورجال الدين هذه تسميتها وردت إلينا من النصارى، هم الذين ابتدعوا هذه التسمية، لأن عندهم الدين مختص برجال، وبقية المجتمع بلا دين، وقت الحاجة تذهب إلى الكنيسة، قال بعض مفكريهم: إن الناس في إنجلترا يعبدون بنك إنجلترا ستة أيام في الأسبوع، ثم يتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة، هذه هي حالهم فعلاً، يعبدون البنك المركزي ستة أيام في الأسبوع، ثم يتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة.
التفريق بين الرفق في إنكار المنكر
السؤال: يقول: كيف أفرق بين الرفق في إنكار المنكر والمداهنة في الدين؟ الجواب: إذا كان تصرفك سيكون على حساب أن يفهم الناس الإسلام فهماً خاطئاً بأن يفعل أحدهم منكراً وأنت تسكت، وتقول: والله لعله فعل كذا، ولعله فعل كذا، من الأعذار السخيفة فالناس يفهمون أن هذا الفعل ليس فيه شيء، ويفهمون أنك ليس لديك موقف، ولا عندك جرأة وثبات. أما الرفق فإنك تتخذ اللين في أسلوب عرض الدعوة بدون التخلي عن مبدأ واحد من مبادئ الدعوة، المبادئ باقية لم تتغير، فقط الأسلوب الذي تغير بدل أن أرفع صوتي وأهدد آتي باللين، هذا هو الفرق باختصار بين المداهنة وبين الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع
السؤال: ما حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع المجاهر ببدعته؟ الجواب: إذا كان الإمام فاسقاً فيحاول الناس أن يغيروه، لكن إلى أن يتغير تجوز الصلاة وراءه، ولو كان فاسقاً، لا تترك صلاة الجماعة في المسجد لأن الإمام فاسق، قد يكون الإمام مبتدعاً، والبدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة كفرية تخرج من الملة مثل: بدعة الذين يقولون أن الأولياء يعلمون الغيب، وأن الأولياء يصرفون أمور الكون، أو بدعة الذين يشركون بالله ويطوفون في القبور ... إلى آخره، هؤلاء المشركون لا تجوز الصلاة وراءهم مطلقاً، بل تقام جماعة أخرى إلن لم يستطيعوا تغيير الإمام، وإذا كانت البدعة غير كفرية، فتكره الصلاة وراء هذا الرجل، ولا بد من تغييره، لأن البدعة -أيها الإخوة- خطيرة، بل عدها العلماء من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، وبعدها قتل النفس، لكن لو جهلنا عقيدة إمام معين، ولا نعرف عقيدة هذا الإمام هل هو من أهل السنة والجماعة ، أم أنه رجل مبتدع؟ أقول: لم يكلفنا الإسلام بالتنقيب عن قلوب الناس، نقول: تعال يا فلان قبل أن تصلي بنا، يجب أن نختبرك أين الله؟ وما هي عقيدتك في الأسماء والصفات؟ وأي معتقدك في جوهري الألوهية، وفصل لنا في كلام الله، ونقول له: ما هي عقيدتك في الولاء والبراء؟ لم يكلفنا الإسلام بهذا، إذا كان ظاهره الصلاح والاستقامة فيكفي حتى يثبت أنه على بدعة، فعند ذلك نتخذ الموقف، لكن ما دام أنه لم يثبت، فنحن لم نكلف بالتفتيش والتنقيب، وأن نمتحن الناس، هذه خلاصة كلام ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. نكتفي بهذا، وأسأل الله عز وجل لي ولكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجمعنا وإياكم على طاعته، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
الله اعلم
منقول