ب - تربية الأبناء
إن أجيال الأمة وقوتها المستقبلية وأملها المشرق يكمل في أطفالها الذين عندما نتأمل في التشريعات الإسلامية ندرك أن تربيتهم تبدأ ليس منذ ولادتهم ! بل قبل ولادتهم ، ونحن لا ندرك هذا أو لا نلتفت له .
لو قلت لأحد : أنت تربي ابنك منذ أن يولد ؟ يقول لك : ماذا تريدني أن أقول لطفل رضيع ؟!
إنك من المفترض أن تربيهم قبل أن يولد ، بل قبل أن تتزوج أمه ، وهذا يكمن في أصل الاختيار فاظفر بذات الدين سلمت يداك .
وأخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نبي من الأنبياء أتى عدداً من نسائه وقال : تلد كل واحدة منهن فارساً مجاهداً من سبيل الله ، ولم يقل " إن شاء الله " ولو قال لوقع .
ويدعو النبي - عليه الصلاة والسلام - ويذكرنا ويعلمنا الذكر والدعاء الذي يقال عند إرادة معاشرة الرجل أهله ؛ حتى يكون للنية أثرها الإيجابي .
نحن ديننا يثبته أن التوجه والنية في أنك تقصد من الزواج ذرية صالحة تعبد الله تجاهد في سبيل الله هذا له أثره .
ثم عند الولادة تؤذن في اليمنى وتقيم في اليسرى هذا له أثر .
واليوم تثبت العلوم الحديثة أن هذا يبقى في وعي الطفل ، وأنه يكون له أثره مستقبلي إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة .
هذه الأسرة التي يوم ضيعت اليوم مهمتها العظمى مصنع الأجيال فيها فإذا أخرجت لنا صناعة فاسدة وبضاعة بائرة فإن سوقنا من بعد كاسداً ، وأن مستقبلنا - نسأل الله عز وجل السلامة - مظلم ، وإن الأمل الذي ننتظره ونحن نواجه الصعوبات في حياه أمتنا سيكون من الصعوبة الشديدة أن نواجهه ونحن قد كشفت ظهورنا وغزينا في عقر دارنا ، وأصبح في مجالس بيوتنا ما يعارض نهجنا ، وما يعارض قوة إيماننا وإسلامنا ونصرة أمتنا وغير ذلك وهذا أمره كبير .
الخامس :أسس الاختلاف والاختراق
ليس كل شيءٍ يتم الاتفاق فيه ، وليس كل قلبين أو نفسين يمكن أن يجتمعا فيبقى الود دائماً والمحبة عامرة ، لكن هذا المنهج الفريد والشرع الحكيم يجعل علاجاً وإحكاماً في كل ناحية من النواحي .
1- أسباب الاختلاف
اليوم ربما تجذب الاختلاف ؛ لأن برودة ما قلت ، أو لأن مقدار ملح الطعام نقص ، أو لأن أشياء من هذا أو ذاك ! لكن أريد أن أوجز في سرعة هذه المراحل التي نثرت بنصوص في كتاب الله ليست قضية اجتهادية فيها آيات تتلى وفيها تطبيقات عملية .
أعند وجود الاختلاف كما قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن }
عندنا درجات ، ليس هناك تهور واندفاع كما يسمع كثير من الرجال اليوم في غضب وفي غباء وحمق يستحق أن يكون موصف فيه هذا الوصف .
فقه الخلاف الأسري:
ذكّر بالله ، ومارس الدعوة مع أقرب الأقربين إليك ، وأوفق الناس بك ، زوجك وأبنائك ، لماذا نحسن القول مع الآخرين ونرغبهم ، ونستميل قلوبهم ، ونقنع عقولهم ، ونحرك مشاعرهم ، ونكون قدوة لهم ، فإذا انقلبنا إلى بيوتنا نسينا القول الحسن ، ونسينا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولم يكن منا إلا المواقف المتصلبة ، والأقوال المتشنجة ، والأصوات المرتفعة ،والأيدي اللاطمة ؟!والنيجة بطبيعة الحال جحيم لا يطاق ، ومشكلات دائمة كبيرة .
ثم انظر بعد هذه العظة ، قال تعالى : { وهجروهن في المضاجع } .
وهو أمر تأديب وتذكيري ، وله أثر في نفس المرأة التي من أقوى أسلحتها أنوثتها وقدرتها على استماله زوجها ، فإذا تمنع منها وهجرها أدركت أنها قد أخطأت ، حتى إن سلاحها قد بطل مفعوله ، فتفيء إلى الحق إن كانت مخطئة ، وترجع إلى مد حبال الوصل إن كانت مقاطعة ، وهكذا يكون للرجل قدرة نفسية وغريزية جيدة حتى يحقق هذا الأمر .
فإن لم يكن من بعد : {فاضربوهن }
وهنا بعض الخطوط الحمراء ، لا تسمع إلى أن هذا فيه إهانة للمرأة ،وأن الإسلام لا يراعي حقوق الإنسان ، هذا كلام ليس وارداً عندنا .
لكنني أقول : ما هو الضابط ؟ وماذا قال أهل التفسير فيه ؟ هل ترونه ملاكمة حرة ، أو مصارعة في الحلبة ، أو ركلاً بالأقدام ؟
قال أهل التفسير : " أن يضرب بالسواك ونحوه "، وقال القرطبي : " بالمنديل ونحوه " ، إن المقصد منه هو لفت النظر إلى أن الأمر قد بلغ مبلغة ، وإنه لا ينبغي أن يكون إلا من مثل هذا التأديب الذي هو بالإشارة أكثر منه بالعبارة .
والإنسان الحر - الرجل والمرأة - يكفيه من التعبير المؤثر أكثر مما يكفيه أو مما يؤثر فيه من المباشرة التي في آخر الأمر لا تزيد الأمر إلا عمقاً ، ولا تزيد الشرخ إلا تصدعاً ، ولا تزيد القلوب إلا نفرة ، ولا تزيد النفوس إلا خصاماً .
والنبي - عليه السلام – كما ورد عنه ما معناه قال : يضرب أحدكم زوجة ضرب أمته ، أو في بعض الروايات ضرب بهيمته ، ثم يأتي في آخر الليل فيعاشرها ؟!
أين شهامته ؟ أين كرامته ؟ أين رجولته ؟ هذا ينبغي أن يفقه هذه مراتب إن استعصى الحل .
أين هو الطلاق لم يرد بعد حتى الآن ؟
قال تعالى : { فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما } .
أين هذا الامتداد الأسري الذي فقدنا شيئاً منه ؟ أين الآباء الحكماء والأمهات المراعيات لمصالح البنات ؟
الآن يتدخل الأهل ليقولوا له : طلقها فلا خير فيها !
وتأتي التدخلات الأخرى : ماذا تريدين منه ؟ وأي شيء تريدين فيه ؟ ولماذا يتسلط عليك ؟ ونحو هذا ..
2- أحكام الطلاق في الشرع :
ثم بعد ذلك إن أراد أن يفصل العلاقة فهناك أحكام وتفصيلات وسنة .. ليس الطلاق هو طلقات رصاص طائشة ، فإذا أصابت المقتل أو أصابت الجرح جاء ليقول : كيف العلاج ؟ وكم من الناس يقول طلقت ثلاثاً .. طلقت عشراً .. طلقت ستين مرة !! وكأن هذا الأمر لعب ، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال - والحديث فيه رواية عند أهل السنن : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد .. وذكر منها الطلاق ) ، ليس فيه مزاح لكن انظروا إلى حكمة التشريع .
أولاً : أن يطلق في طهرٍ لا يجامع زوجته فيه .
لو كل واحدٍ التزم هذا التشريع ؛ فإن أراد أن يطلق فكثيراً ما يكون إما في حال عدم طهر الزوجة فيحتاج أن ينتظر ، فإذا انتظر ذهبت طيشة الغضب العارضة .. إن لم يكن ثمة شيء أساسي وإن كان في طهر ، فينتظر حيض ثم ينتظر طهراً .. أما الآن فلا شيء من ذلك يسن كثيراً من الناس به ! مع أن هذا هو الطلاق السنة وغيره عند الفقهاء يسمى بطلاق البدعة .
ثم أيضاً إذا طلق الطلقة الأولى ماذا يصنع الناس ؟ تمثيليات وأفلام عند سماع الكلمة متاعها وإلى بيتها ، وكأنه ليس عندنا قرآن يتلى ! وكأنه ليس عندنا تشريع !
الأصل أنها تبقى في بيت زوجها ، ولا تغيب عنا الحكمة التي قال الله فيها : { لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } ، وكم يحدث إذا كانت موجودة وتراه ويراها وتراجع نفسه ويراجع نفسها ؟
ثم إذا وقع الطلاق فهناك عدة تمتد أشهر ؛ ليكون هناك ما يكون ، ثم بعد هذا كله ما وقع وأصر ووصل إلى آخر الأمر ، فلا شك أن الفصال والفراق حينئذٍ هو الخير .
ثم يأتينا التشريع فلا يترك الأسرة تتصدع هكذا للتنازع والشقاق قال تعالى : { إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .
ثم أحكام في الحضانة ، ثم رضاعة تعهد إلى الأم ؛ حتى لا يفقد هذا الطفل الحنان ، ولا يفقد روحاً من التجانس حتى مع الافتراق .
هذه كلها تقودنا إلى أن ندرك كيف هذا الحصن في بنائه وأسسه في تعامله في امتداده حتى عند توقفه أو عند افتراقه .
الأسرة والوقاية
باختصار أقف هنا الوقفة المهمة ، وهذا كله مما يقيننا - أيها الأخوة - ويحصننا من بلايا وشرور كثيرة ، ولو أننا أردنا أن نلم ببعضها فهذا يتطلب منا أن نقضي فيها وقتاً كاملاً ومحاضرات ليست محاضرة ً واحدة .
الله اعلم
منقول