عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-2007, 10:17 PM   رقم المشاركة : 3
cool-girl
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية cool-girl
 





cool-girl غير متصل

بسم الله الرحمن الرحيم
يعطيك الف عافية النوفي على موضوعك

- الغرور - من محبطات الأعمال ومن أعظم ما يضر العبد في دينه بل وفي دنياه أيضا، ويظهر ذلك عند بيان حقيقة الغرور الذي طلبت تعريفه وذكر أسبابه وكيفية الخلاص منه.

فأما عن الغرور فهو أنواع إلا أن سؤالك يسأل عن نوع خاص من الغرور، ويمكن أن نحدد هذا النوع بأن نقول: إنه الذي يتعلق بالكبر والعُجب، فالكبر والعجب مجموعان يرادفان الغرور قد أشرت إليه، وأصل الغرور هو: أن يغتر العبد بما أتاه الله تعالى من النعمة، وهذا الاغترار إنما يحصل من مجموع أمرين اثنين: فالأول أنه ينظر إلى هذه النعمة بعين الاستعظام، كمن مثلاً أوتي علماً أو أوتي عبادة أو أوتي مالاً أو أوتي جاهاً أو نسباً؛ فهو يستعظم هذه النعمة، ثم يحصل له الأمر الثاني: وهو أن يغفل عن المنعم بها، فينظر إلى هذه النعمة وكأنها من تحصيله وكسبه وكأنه من جهته هو فيكون غافلاً في قلبه عن ردها إلى الله جل وعلا.

وقد يقع ها هنا أمر دقيق غاية الدقة وهو أنه بلسانه يرد النعمة إلى الله تعالى ولكن في حقيقة قلبه وفي طوايا نفسه ينظر إلى هذه النعمة وكأنه من جهته هو فيحصل له مجموع أمرين اثنين: فأولهما العجب وثانيهما الكبر، والعجب هو أن ينظر إلى هذه النعمة بعين الاستعظام وأن ينسبها إلى نفسه إما باطناً وإما باطناً وظاهراً، ولكن لا يلزم من هذه الحالة أن يتكبر على الناس وأن يتكبر على الخلق، فحقيقة العجب شعورٌ باطن في النفس يؤدي إلى استعظام هذه النعمة أو هذا العمل مع قطع النظر إلى مسببها والمنعم بها وهو الله جل وعلا، ولكن العجب لا بد أن يولد الكبر، وهو أن يتكبر في نفسه ويتعاظم بحيث يرى لنفسه فضلاً على غيره، فإن حصل له هذا المعنى وهذا الشعور - وهو الكبر في النفس - أدى ذلك إلى التكبر في الأفعال وهذا هو الغالب، وقد يقع أن يكون في القلب كبر ولا يكون في الأعمال تكبر، كمن يخفي شجرة الكبر في نفسه ولا يريها للناس لأنه يكبح جماحها حتى لا يسقط من عين الناس وإن كان هو في داخلة نفسه متكبر متعاظم.

فانتظم من هذا الكلام أن العجب يولد الكبر وأن العجب مع الكبر هو حقيقة الغرور الذي سألت عنه، وها هنا معنى لطيف فتفطني له وهو: أن مادة الغرور دائرة على أصل واحد وهو الخداع والباطل، فالذي يغتر بعمله مثلاً قد خدع نفسه وقد طمع بالباطل، والذي يخادع غيره هو غرور أي مخادع، كما قال الله تعالى: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}، فالغَرور- بالفتح - هو المخادع الذي يغر الإنسان، والغُرور – بالضم – هو نفسه الخداع وهو نفسه الطمع بالباطل.

فثبت بهذا أن الذي يغتر بعمله إنما خدع نفسه وإنما خدعه الشيطان بأن نظر إلى عمله ونظر إلى عبادته ونظر إلى صلاحه فاغتر بذلك وظن أن لنفسه عند الله شأناً وأن له عند ربه منزلة، فصار يتعاظم في نفسه وصار يُدل بعمله وأصبح ينظر إلى الناس بعين الانتقاص، وهذا له أسباب كثيرة وهو جواب سؤالك الثاني:
فإن من أسباب الغرور ومن أعظم أسبابه أن يقع الإنسان في الغرور لأجل العمل الصالح، كمن يحافظ على الطاعة ويحافظ على عبادة ربه وعلى البعد عن معاصيه؛ فيقع في نفسه تعاظم لهذه النعمة التي منَّ الله عليه بها، ويصبح ينظر إلى غيره نظرة الاحتقار، فإذا رأى رجلاً وقع في معصية نظر إليه نظرة الازدراء ونظرة الاحتقار وتعاظم في نفسه، ولم ينظر إلى هذا العاصي على أنه قد وقع في معصية ولا بد أن يحذر هو نفسه مما وقع فيه، ولم ينظر إليه بعين الشفقة وعين الرحمة، بل لم ينظر إلى هذا العاصي على أنه قد وقع في الخطأ بحكم الطبيعة البشرية ولكنه نظر إليه نظرة المتعالي المتغطرس الذي يرى من نفسه الفضل ويرى من نفسه وكأنه عُصم من هذا العمل فهو يتعالى على الناس بخلقه، وهذا يظهر في الأفعال ويظهر في الأقوال؛ فتجده إن خاطب الناس خاطبهم باستعلاء أو عاملهم على أنه هو صاحب الفضل وعلى أنهم دونه في ذلك، وربما صدرت منه أفعال كأفعال المتكبرين من أهل الدنيا، وهذا كثير في العادة لا يسلم منه إلا من سلَّم الله تعالى، ولذلك كان الخلاص من الغرور من أوكد ما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن كما سيأتينا إن شاء الله تعالى.

ومن أسباب الغرور أيضاً غرور العلم وتعاظم العالم بعلمه، فإن هذا من أعظم وأخطر أنواع الغرور، بل قد نصّ طائفة من أصحاب المعرفة والبصيرة بأحوال النفس أن أخطر أنواعه – أي الغرور – هو العُجب والكبر في العلم، فإن للعلم عظمة في النفس وجاهاً في الناس، فتجدين الناس يعظمون صاحب العلم ويقدمونه فيحصل بذلك تعاظم وتيه وربما قاد إلى أعمال توجب أن يكون صاحبها من المتكبرين الذين قال الله تعالى فيهم:{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإنه يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً}.

ومن أسباب الغرور كذلك: المال والجاه والنسب الشريف، ومن أسبابه أيضاً سداد الرأي بحيث يجد الإنسان من نفسه إصابة في الرأي وأن الناس يرجعون إليه فيحصل له في ذلك تعاظم وتيه وكبر.

والمقصود أن الأسباب عديدة وضابطها أنها نعمة يراها الإنسان بنظرة التعظيم ويغفل عن مصدرها وعن مسببها وهو الخالق الجليل فيحصل له بذلك هذا الغرور وهذا العُجب وهذا الكبر.

وأما عن علاج هذا البلاء العظيم، فإن ذلك يكون بأسباب:

فأولها: معرفة مضار هذا الخلق الذميم، وأنه خلق مرذول وأن صاحبه أبعد ما يكون عن الله جل وعلا، فصاحب الكبر قد نازع الله جل وعلا في كبريائه؛ كما قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: (العزة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني عذبته) أخرجه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) أخرجه مسلم أيضاً، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلٍّ جواظٍ مستكبرٍ)، وكذلك في الحديث الذي فيه احتجاج الجنة والنار، أن النار قالت: (مالي لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون) وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم).

فدل ذلك على استحقاق المتكبرين المتعالين أن يعذبوا وأن يدخلوا ناراً تحطم كبرياءهم وتحطم هذا الغرور الذي تعالوا به على الخلق، والذي في الحقيقة قد نازعوا فيه رب الأرض والسماوات، وقد أخرج الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال الرجل يَذهب بنفسه حتى يُكتب في ديوان الجبارين فيصيبه ما أصابهم).

والمقصود أن معرفة ضرر هذه الآفة هو الذي يجعل القلب ينفر منها ويجعل النفس حذرة من هذا الخلق الذميم، وفي المقابل أن يعرف الإنسان فضل التواضع وفضل خفض الجناح للمؤمنين، فإن ذلك يورث العبد معرفة وبصيرة، فقد عرف الحق وعرف ما يضاده وهو الباطل، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) أخرجه مسلم في صحيحه، وخرج أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله).

ومن ذلك أيضاً أن يحرص على أن يوظف أعمال التواضع على نفسه، بحيث يتجافى عن شعور المتكبرين واعتقاد أهل الاستعلاء ويتجافى كذلك عن أعمالهم ويأخذ بأعمال أهل التواضع، وهذه هي سيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه وهذا نهجه، فقد (كان صلى الله عليه وسلم إذا مر بصبيان سلَّم عليهم)، والحديث متفق على صحته، وهذا من تواضعه ومن تأديبه وتربيته صلوات الله وسلامه عليه، وكانت الأمة المملوكة تأتي من أهل المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت في حاجتها)أخرجه البخاري في صحيحه، بل كان صلوات الله وسلامه عليه إذا دخل بيته يكون في مهنة أهله - أي في خدمة أهله -، كما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: (كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة الأهل - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) أخرجه البخاري في صحيحه.

والمقصود أن هذا الداء يعالج بما يضاده من الأعمال، وهذا هو الذي يعبر عنه في الاصطلاح الحديث بالأعمال السلوكية، فالإنسان يعالج نفسه بأن يحرص على إقامة أمور التواضع على نفسه، فيبدأ أولاً بالتحرر من الاعتقادات والإرادات الفاسدة في قلبه ونفسه ثم بعد ذلك يوظف أعمال الجوارح في طاعة الله وفي خفض الجناح للمؤمنين، فإن خفض الجناح للمؤمنين أمر قد أمر الله تعالى به رسوله ونبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه بقوله:{واخفض جناح للمؤمنين}، بل وصف الله جل وعلا أحباؤه وأصفياءه من خلقه بأنهم أذلة على المؤمنين كما قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.

والمقصود بالذلة في هذا الموضع هو خفض الجناح والتواضع للمؤمنين وعدم الاستعلاء عليهم وغفران زلتهم والعفو عن مذنبهم وإعانة ضعيفهم وبشاشة الوجه لهم، فهذا كله من الذلة المقصودة في هذا اللفظ، وهذا نظير قوله جل وعلا في حق الوالدين:{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.

والمقصود أن دواء الكبر يكون بمجموع أمور:

فأولها: معرفة أنه أمر ممقوت يبعد عن الله جل وعلا، فإن الله لا يحب المتكبرين؛ كما قال جل وعلا: {إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ}، ويقابل ذلك أن الله جل وعلا يحب المتواضعين؛ كما قال جل وعلا في الآية المشار إليها {فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}.

ومن أسباب علاج النفس تعلم الأدب وتعلم الأخلاق الفاضلة بمخالطة الصالحين، فإن الإنسان إذا خالط الصالحين أصحاب الخلق العالي وأصحاب التواضع المتجافين عن الكبر وعن الاستعلاء والدعاوي الفارغة حصل له اقتداء وتأس بهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود.

ومن الدواء العظيم أن يجعل الإنسان همه إذا رأى عباد الله أن ينظر إليهم على أنهم عباد مؤمنون وأن لهم خيراً وفضلاً مستوراً، وقد يكونون عند الله خيراً منه وقد يكونون عند الميزان أثقل منه وأرجح، فينظر إلى كبيرهم على أنه أكثر منه عملاً وأقدم سابقة في الإسلام، وينظر إلى صغيرهم على أنه أقل منه ذنباً وأنه قد عوفي من كثير مما وقع فيه، فيحصل له بذلك انخفاض في النفس ويحصل له بعد ذلك شعور بأن المؤمنين فيهم خيرٌ وفيهم فضل وإن وقعوا في بعض الأخطاء، ومن هنا يجتث شجرة الكبر من نفسه، ولذلك لما جاء عبد الله بن المبارك إلى بعض الزهاد العباد - ممن يتعاظمون وممن لهم الدعاوى الفارغة - فدخل عليهم فلم يكترث هذا الزاهد بعبد الله بن المبارك - مع فضل هذا الإمام ومع قدره - لأنه لم يعرفه أنه عبد الله بن المبارك، ولما خرج عبد الله قيل لهذا الزاهد: إن هذا هو عبد الله بن المبارك أمير المؤمنين في الحديث، فخرج إليه هذا العابد يُسرع يطلبه فقال له: لم أعرفك – يعتذر عمَّا بدر منه – ثم قال: يا أبا عبد الله عظني، فقال له عبد الله بن المبارك: (نعم لا تقع عيناك على رجل من المسلمين إلا رأيت أنه خيرٌ منك)، فهذه هي العظة البالغة، وهكذا فليداو الإنسان نفسه.

وأيضاً من الأسباب الدعاء والاستغاثة بالله، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وفي استفتاح الصلاة: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيء الأخلاق والأعمال لا يقي سيئها إلا أنت).

سامحني طولت عليك
تقبل مروري
كووووووووووووووووووووووول







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة