الجزء الثالث :
النظرة السابعة أيها الإخوة الكرام :
أن إقامة دولة الإسلام بمبايعة خليفةٍ يكون السلطانُ فيها بيد الأمة , فيَضعُهُ حيث أمر الله سبحانه وتعالى , وإقامة ُهذه الدولة هي الطريق الذي يؤدي ضرورة ًإلى توحيد بلاد المسلمين , وإلى توحيد الأمة الإسلامية في دولة واحدة , وليس العكسُ صحيحاً ,
وهذا يعني أنه يجب أن نفهم أن إقامة دولةٍ للمسلمين في قطر أو قطرين أو ربما أكثر, يعني في أقطار محدودة , تقام دولة الإسلام ,
ثم بعد ذلك تبدأ هذه الدولة بالتوسع شيئاً فشيئاً ,
فتضمُّ بلاد المسلمين بلداً تلو الآخر حتى تشمل جميع بلاد المسلمين ,
هذه هي الطريقة التي تؤدي إلى توحيد بلاد المسلمين , وتوحيد الأمة .
أما القول بأنه يجب أن تتوحد الأمة أولاً , وأن يصلح حالها جميعاً , وأن تتوحد جميع بلاد المسلمين , والبلدان الإسلامية ,
كما يدعي بعض أدعياء العلم على شاشات الفضائيات حين يقولون :
يجب علينا أن نعمل على إقامة الولايات المتحدة العربية أو الإسلامية !
هذا الطرح عدا عن مخالفته للنصوص الشرعية , بهذه الفكرة الغربية ,
فإنه لن تتوحد أبداً ما دام هؤلاء الحكام قائمون على رعاية شؤون المسلمين ,
أم أنكم نسيتم إخوة الإيمان الوحدة العربية , ووحدة مصر وسوريا , والإتحاد الكونفدرالي بين الأردن وفلسطين من قبل , ومنظمة المؤتمر الإسلامي , واتحاد المغرب العربي , واتحاد مجلس التعاون الخليج , والجامعة العربية !
ما هي كلـُّها إلاَّ أمثلة حية على أنهم لن يتوحدوا أبدا ,
لأنهم ما وجدوا أصلاً إلاَّ للفرقة ,
وعدم الوحدة ,
فبوجود هذه المنظمات , وأشكال تلك الإتحادات لن يقام الإسلام أبداً !
علاوة على أن هذه الهيئات ليست السبيل الشرعي لإقامةِ دولة الخلافة .
وعليه :
فلا يمكن أن يُعول على توحيد الأمة أولاً ! ومن ثـَمَّ يقالُ بأنه إذا توحدت الأمة أولاً تقوم دولة الإسلام ,
والصحيح أنه يجب أن تقوم دولة الإسلام أولاً ,
ومن ثـَمَّ تقوم الدولة الإسلامية بتوحيد الأمة ,
وضم البلاد , البلد تلو الآخر,
إن لم يكن طواعية! فكراهية ,
وهذا ما فعله الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم , وهذا ما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين من بعده ,
فالرسول عليه السلام لمَّا فتح مكة لم ينتظر حتى يُسلم أهلـُها , ثم قال لهم بعد ذلك :
انضموا إلى دولة الإسلام طائعين ! وإنما سار بجيش عرمرم تعداده عشرة آلاف مقاتل من الصحابة الكرام وغيرهم , حتى فتحَ الله عليهم مكة عنوة , ثم بعد ذلك وحَّد الجزيرة العربية .
ألم يقاتل عليه السلام في حنين ؟! بلى قد قاتل ! ولم يكونوا قد أسلموا بعد ! وما انضموا إلى دولة الإسلام طواعية , وإنما كراهية , وليس هذا وحسب , بل هذا ما كان عليه حال المسلمين والخلفاء الراشدين , ومن خـَلـَفهم من الجيوش ِالمجاهدةِ في دولة الإسلام بعد قرون ٍطويلةٍ من بعده عليه السلام .
وقد كان إذا ما مرَّ بدولة الخلافة زمانٌ تجزأت فيه شيئاً قليلاً !
فإن المركز فيها يتنبه فيقوم بإعادة توحيدها بالقوة , وهذا ما كان عليه الحال في أكثر العهود !
لذلك فالعمل الصحيح هو الضرب بيد من حديد على كل من يعملُ على فرقة الأمة , والعمل الجاد والدؤوب كذلك على توحيدها مباشرة ولو بالقوة .
لذلك يجب علينا أن نفهم بأن إقامة دولة الإسلام هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى توحيد الأمة .
ولا يجوز أن نقول بأنه يجب أن تتوحد الأمة أولاً ! ثم بعد ذلك تقام دولة الإسلام ,
كما ولا يجوز أن نقول بعدم إقامة دولة الخلافة الآن , إلاَّ بعد أن تتوحد الأمة فتتوحد بلادُها , وتتوحد أحزابها وجماعاتها ,
لأن الذي يقول بمثل هذا يكون في واحد من أمرين :
فإما أن يكون اليأس قد غلب على نفسه , فيبرر قعوده , ويبرر يأسه , بوجوب أن تتوحد الأمة أولاً .
وإما هو التيئيس المقصود الذي يسعى البعض من خلاله لزرع اليأس في قلوب الأمة باستحالة إقامة دولة الإسلام , إلاَّ بعد أن تتوحد الأمة !
ليخلدوا في هذا الواقع السيء خشية أن يحل عليهم ما هو أسوأ !
ولذلك أيها الإخوة الكرام : فإنه يجب أن نفهم هذا فهماً صحيحاً , ويجب أن لا نركن إلى الواقع الذي نعيشه, ولا إلى من يدعو أو يقول بأنه لا يمكن أن تقوم الخلافة إلاَّ بعد توحيد البلاد الإسلامية بإقامة مجلس يضمهم كمجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية , أو ما هو على غرارهما .
النظرة الثامنة أيها الإخوة الكرام :
تتعلق بوصول الحركات الإسلامية إلى الحكم أو بعض منه ! أو جزءٍ منه , في بلاد المسلمين ,
فإن هذا الوصول يدعو إلى التساؤل ؟
هل هو خطوة على طريق إقامة دولة الإسلام ؟!
أم أن هذه الدعوة حجر عثرةٍ أمام إقامتها ؟!
والجواب على ذلك أيها الإخوة الكرام :
يأتي من خلال البرهان الذي نطرحهُ على أن هذا الوصول وهذه المشاركة لا يمكن أن تكون في صالح قضايا المسلمين , أو أيِّ قضية من قضاياهم !
ولذلك نتساءل ؟
كيف يكون وصول الحركات الإسلامية إلى الحكم ؟
مثلاً وصول حركة إسلامية إلى الحكم في تركيا , أو وصول حركة إسلامية للمشاركة في الوزارات في الأردن ,
أو وصول حركة إسلامية إلى الحكم في أي بلد من بلاد المسلمين كفلسطين مثلاً فهو:
إما أن يكون بموافقة أصحاب الأمر الحقيقيين , أي بموافقة اعداء الإسلام من الكفار كأمريكا واليهود .
أو من العلمانيين وغيرهم , وهذا ما نحسب أن الحال عليه ,
وإما أن يكون بدون موافقتهم ,
فإن كان بموافقتهم فلا يمكن أن يكون في صالح المسلمين أبداً ,
وإنما سيكون حتماً لصالح الكفار لأنه بموافقتهم ولا مصلحة َللمسلمين فيه ,
وإذا قيل بأن هذا الوصول كان جبراً عن الكفار وقهراً لهم , ولم يكن بإرادتهم !
فإنا نردُّ عليهم قائلين : ما دام قهراً للكفار وجبراً عنهم ؟!
فلماذا لا يكون إسلاماً خالصاً ,
وتعلنونها دولة إسلامية على الملأ جبراً عن الكفار والعلمانيين ,
يعني إذا ما قال أحد بأن المسلمين في تركيا مثلاً وصلوا للحكم جبراً عن العلمانيين ,
واستلموا الوزارة , ورئاسة الوزراء , وشكلوا الحكومة رغماً عن أنف العلمانيين ,
فإنا نقول :
إذا كان رغماً عنهم كما تقولون فتفضلوا وأعلنوها خلافة راشدة مهدية كما وعدنا بها الله ورسوله ؟!
وأعيدوها مرة أخرى في القسطنطينية كما كانت من قبل ! لماذا تنتظرون ؟!
أتدرون لماذا لا تستطيعون القيام بهذا ؟!
لأنه باتفاق مسبق مع العلمانيين وبموافقتهم !
ولا يخرج عن إطار الحكومة العلمانية ,
أو الحكم بغير ما أنزل الله المتفق عليه في بلدٍ مثل تركيا وغيرها ,
وقيسوا على ذلك ما شئتم من البلدان .
النظرة التاسعة أيها الإخوة الكرام :
هل يصح للمسلمين , وهل يجوز لهم شرعاً , أو هل يستقيم أمراً , أن يشارك المسلمون في حكم لا يكون السلطان فيه كاملاً بأيديهم ؟!
وهذه تحتاجُ إلى نظرة !
فمثلاً في فلسطين وتركيا ومصر والجزائر وفي السودان ,
وكذلك في الأردن نتساءل :
هل يجوزُ ويستقيمُ أن يشارك المسلمون في حكم ٍلا يكون السلطان فيه خالصاً بأيديهم أو لا يصح ؟!
والجواب : أنه لا يصح ولا يجوز من ناحية شرعية , وعدم جوازه آتٍ من أن الله سبحانه وتعالى يقول :
( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )
فالمشاركة في حكم سلطانه بأيدي أعداء الله هو إقرار بشرعيته وقبول به , وبالتالي قبول بسلطان ٍللكفار على المسلمين , أو بسلطان ٍلعملائهم وأعوانهم , علاوة على أنه قبول للحكم بغير ما أنزل الله , أما إذا كنتُ أعيش في هذا البلد ولا أستطيع أن أفعل شيئاً , أو أن أغير, وكرهت ذلك , وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر , وعملت للتغيير المبرىء للذمة ما استطعت إلى ذلك من سبيل , فقد برأتُ وسلمتُ بإذن الله تبارك وتعالى ,
ولكن الطامة الكبرى أن أشاركهم !
فأكونَ بذلك راضياً عمَّا يقومون به ويقولون من مخالفات شرعية ,
وهنا أكونُ شريكاً معهم بإثمهم ,
وأحملُ وزر بغيهم , لقوله تعالى :
( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113} ) هود .
ولقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم :
( من أعان ظالماً ليَدحض بباطله حقاً فقد برأت منه ذمة الله وذمة رسوله )
نعم , فعندما أشارك هؤلاء الحكام , وأنا أعلم يقيناً أن السلطان ليس بأيديهم ,كما ظهر في تصريحات رئيس وزراء تركيا مؤخراً والتي اعترف من خلالها بأنه ليس هو الحاكم الحقيقي ! وأضاف : إن الحكام الحقيقيين لتركيا هم رؤساء أركان الجيش فيها , وليس هذا عجيباً !
فإن كنتَ تقرُّ صراحة أن السلطان ليس بيدك !
فلماذا تشارك في الحكم !
إذاً فأنت تقرُّ بهذا النظام القائم , على ما هو عليه من الحكم بغير ما أنزل الله بدليل مشاركتك فيه ,
ولأجل ذلك كله لا يجوز شرعاً !
كما وأنه لا يستقيم أمراً بدليل أنه قد جُربت المشاركة في الأردن زمن ما يسمى زوراً وبهتاناً بملك المملكة الأردنية الهاشمية , الذي ادعى أن نسبه من سلالة النبي عليه السلام , والنبي منه ومن أمثالِه براءٌ , فقد أشركَ الإسلاميين في الحكومة ! وأقرَّ هؤلاء الإسلاميون بها ودافعوا عنها وقالوا : هذه هي الحكومة الهاشمية الرشيدة ! وبعدها ... لم يلبث أن طلب منهم الإستقالة ! فاستقالوا , وظلـُّوا على العهد ملتزمين ,
رغم ما قام به من منكرات قطعية سكتوا عنها كيوم أن قال : نحن نؤمن بالديمقراطية تماماً كما يؤمن بها أصحابها ... فصفقوا له. فكانوا له عوناً في كفره وغيِّه , بَدَل أن يقفوا الموقف الذي يرضي الله ورسوله , ويبينوا عظيم فحش قوله , إن لم نقل كفره ! ولكن ماذا فعلوا ؟! وماذا غيَّروا ؟!
حتى إن الميثاق الأردني المنكر بنصوصه قد شارك بإخراجه خمسة وزراء إسلاميين , من بين تسعة وزراء ,
كما وأننا لن ننسى أن خيانة وادي عربة كانت أثناء مشاركة الإسلاميين في الحكم أوسع ما تكون المشاركة !
فحسبي الله ونعم الوكيل .
وخلاصة القول :
فإذا فتح الملك الباب وقال تفضلوا وادخلوه مع الداخلين , فإنك تراهم طواعية ًمع الداخلين , وإذا قال اخرجوا ! خرجوا مع الخارجين , وإذا أنكر المخلصون عليهم قالوا : أنتم مخطؤون , فهذه هي الحكومة الهاشمية الرشيدة , أدامها الله .
لماذا كل هذا أيها المسلمون ؟
لأنه لا سلطان بأيديهم ,
وبالتالي فلن يستقيم أمرهم .
ولو أرادوا أن يُغيروا أمراً والسلطان بغير أيديهم , فلن يستطيعوا أن يغيروا أي شيء !
وهذا أمرٌ واضحٌ وثابت , ولذلك فلن يستقيم أمرهم وهم على هذه الحال , ولن يصلح عملهم لأنه مخالف لما يجب أن يكونوا عليه , من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, ولا يصح أن يشاركوا في حكومات لا يكون الحكم فيها خالصاً لله , ولا يكون السلطان في حقيقة الأمر بيد المسلمين على وجه لا يقبل مشاركة الكفار, أو سيطرتهم على أنظمة الحكم في بلاد المسلمين .
ولا يجوز أن نبارك لهم بأعمالهم هذه ,
ولا يجوز أن نشاركهم بغيهم ,
أو أن نرضى بحكمهم أبداً ما داموا على هذا الحال !
وإلاَّ كُنا وإياهم في الإثم سواء !
والعياذ بالله .
يتبع الجزء الرابع والأخير بإذنه تعالى