الجزء الثالث والأخير :
أيها الإخوة العقلاء : أتريدون مثالاً أقرب إلى الواقع الذي نحن فيه ؟
حتى نستطيع فهمه , من الذي في حقيقة الأمر يفرض حصاراً على أهل فلسطين ؟
لو أردنا أن نتكلم بلغة الساسة , وبلغة الأوضاع الحالية !
من الذي فرض حصاراً مشدداً على الحكومة الفلسطينية , لتقوم بالتنازل عما يسمى بالثوابت ؟
من الذي أصدر القرار ابتداءً ؟ الجواب : أمريكا وأوروبا أليس هذا صحيحا ؟!
نعم صحيح . ولكن من الذي نفذ وينفذ ويلتزم ؟
إنهم حكام العرب والمسلمين ! أتريد يا مسلم يا عبد الله رفع الحصار ؟
إن كنت حقاً تريد : فما عليك إلاَّ أن تعمل على خلع الحكام , والجواب واضح وصريح : إعمل على تغيير الحكام ,
وكيف تعمل على تغييرهم أيها السائر في طليعة الركب !
وأنت تجعل من هؤلاء الحكام مَحَجـَّاً ومزاراً !
وتجعل منهم , وتقول عنهم : حامي الحمى , والمدافع عن الأوطان , والحافظ على شعبه , والمخلص لرعيته , والراعي الأمين , والكاسر لشوكة الكفار, وخادم الحرمين الشريفين ,
حتى وصل بهم الأمر أن يقولوا : الله , الوطن , الملك !!
وحتى هذا ! فلا يعدو كونه شعارا مفرغا من حقيقته على كفره , وذلك أنهم قدَّموا الملك على الله في أفعالهم والعياذ بالله , وكذلك على الوطن .
ومع هذا كله كيف بالله عليكم أدعو إلى تغيير الحكام في الوقت الذي أجعل فيه منهم أبطالاً قوميين تارة ًووطنيين أخرى , أو أبطالاً إسلاميين ومخلصين , كما هو حاصل اليوم , أمناء في آن واحد !
ما هذا ؟! لا والله لا يستقيم هذا الأمر أبداً , لأنه لا يجتمع غبار الجنة ودخان النار.
وهؤلاء الحكام : أليس عندهم أموال ؟ الجواب : طبعاً عندهم , ولكنهم لا يملكونها , فأموالهم التي لا تأكلها النيران محجوزة في البنوك الغربية , والأدهى من ذلك والأمر أنهم ينفقونها على الكفار ليقتلوا المسلمين بها !!!
وقد قيل قديماً : أتحب أن يكون لك مالٌ وأنت أحمق ؟! قال لا , قال : ولم ؟ قال أخاف أن يذهب مالي ويبقى عليَّ حمقي !!!
فحكام العرب والمسلمين حمقى , والأحمق لغة هو من يضع الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه .
فهؤلاء الجبناء الأنذال الحمقى : عندهم جيوش ودبابات وطائرات ومعدات , وعندهم أسلحة نووية إلاَّ أنهم يفتقدون الرجولة التي تمنحهم الإرادة والسيادة والقرار الحكيم .
سؤال آخر : من الذي فتح الموانىء والمضائق والخلجان والمعابر البرية منها والبحرية ومكن الكفار المستعمرين من دماء المسلمين وأراضيهم ومقدراتهم وخيراتهم , وجعلها مستباحة لهم ؟
من بالله عليكم الذي سخر جيوشه للحفاظ على أمن الغزاة بملاحقة المجاهدين وتصفيتهم إرضاءً لهم ؟!
من الذي رأى التنكيل بأمة التوحيد بغوانتانامو , وأبو غريب ولم يحرك ساكنا ؟!
بل قل من الذين فعلوا بشعوبهم ما هو أفظع من ذلك , بل وأشد وأنكى !
من الذي سكت ولم يحرك ساكناً !
يوم قام يهود بغزو لبنان وفعلوا الأفاعيل بالمسلمين وممتلكاتهم ,
وليتهم اكتفوا بسكوتهم , بل أنكروا على من قاوم يهود دفاعاً !!
من الذي فعل هذا كله وزيادة ؟ إنهم حكام العرب والمسلمين لا بارك الله فيهم أجمعين .
والمعضلة أيها الإخوة الكرام : أننا لا نلجأ إلى الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى تغيير الواقع , والأسباب الحقيقية التي تؤدي للتغيير الجذري من إقامة الدين , وطرد اليهود الملاعين من فلسطين , وكسر شوكة أمريكا وحلفائها وطردهم شرَّ طردة من بلاد المسلمين ,
هذا كله لا يكون باللجوء إلى القوانين الوضعية , والإحتكام لهيئات الكفر الطاغوتية , ولا بالإستجداء أو اللجوء لأوروبا أو روسيا أو الصين ,
ولا حتى بالرضا أو القبول بقرارات حكام العرب والمسلمين ,
ويجب نبذ كل ما صدر أو سيصدر من قبل جامعة الدول العربية , ومجلس التعاون الخليجي ,
ورفض كل ما شاكلهما , لأن هؤلاء الحكام وأعوانهم وبطانتهم هم سبب البلاء ,
ومكمن الشقاء , فلا يجوز أبداً أن نقبل بهؤلاء رعاة أو أمراء ,
وصدق من قال : من استرعى الذئب فقد ظلم . لأنهم الحماة الحقيقيون للكافر المستعمر وأدواته , فهم يده التي يضرب بها العاملين المتقين , ورجله التي يبطش بها المخلصين , في كل آن وحين , وعينه الساهرة على راحته.
نعم إخوتي في الله وأحبتي : هؤلاء هم حكامكم وزعماؤكم وقد أعطيتموهم الولاء والطاعة , وهم الذين خانوا الله , وخانوا الرسول صلى الله عليه وسلم , وهم الذين نكثوا الأيمان , وخانوا العهود والوعود , والمواثيق المغلظة التي وعدوكم بها يوم سَـلطوا أنفسهم عليكم , وهم لا يسيرون في طريق النجاة ! بل في طريق هلاككم في الدنيا والآخرة , هم العدو فاحذروهم , قاتلهم الله أنى يؤفكون .
أما إذا بقينا هكذا فسنبقى نسير في طريق غير سبيل المؤمنين .
وعليه : فكما نصر الله أتباع الأنبياء المخلصين رغم قلتهم , وضعف حيلتهم , وهوانهم على الناس , وهم الغرباء المستضعفون , فهو القادر على نصرنا , وتثبيت أقدامنا , وتمكيننا في أرضه التي جعلنا مستخلفين فيها , ثم ليكرمنا من بعد , بحمل دعوته , ونصرة مبدئه , حتى يظهره على الدين كله .
وخلاصة القول : أن الحل الجذري والوحيد لأمة التوحيد هو العمل مع العاملين المخلصين الواعين لإقامة حكم الله في الأرض , باستئناف الحياة الإسلامية في ظل الخلافة الراشدة التي تقوم بدورها الصحيح , الموافق للكتاب ولسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , لتقوم بكل ما أنيط بها من واجبات , من مثل طرد الغزاة المستعمرين , وتطبيق شرع الله الحكيم , وحمل الدعوة للناس أجمعين . وهذا كله تكليف من رب العالمين .
أما من تخلف عن فرض الفروض وتاجه , ورضي أن يكون مع الخوالف !
فهو آثم والعياذ بالله .
وفي الختام مسك الختام قوله تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ {16} ) الحديد .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً ووفقنا اجتنابه ,
اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا لأنفسنا طرفة عين , وآتنا الخير كله في الدين والدنيا والآخرة ,
اللهم خذ بأيدينا لما تحبه وترضاه , ونسأله تعالى أن يجعل حُجَّتنا دامغة , وأن يجعلنا من أصحاب الحِجَا والفطنةِ , ومن أهل الحُجَّةِ البالغة, وأن لا يجعلنا من الذين طغى الغي عليهم فضلوا , وعشش الجهل على قلوبهم فجهلوا, وانساقوا خلف كل ناعق , حتى صاروا كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها من نصح وإرشاد .
ونسألك اللهم أن تثبتنا على طريق النجاة , الموافقة لكتابك ولسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وأن نكون مع الإسلام فندور معه حيث دار,
ونسألك مولانا أن تلهمنا الصبر وأن تنعم علينا بالفلاح , وأن تكرمنا بالنصر والتمكين في الأرض .
اللهم آمين , اللهم آمين , اللهم آمين ,
ربِّي , ربَّ العالمين .
تم بحمد الله وفضله